اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يوجد في لبنان 'عُرف سياسي'، أو ما يمكن تسميته 'تقليد دائم في السلوك السياسي اللبناني' منذ الاستقلال حتى الآن اسمه 'استحالة إغلاق الملفات'، أو بتعبير آخر 'إدمان إبقاء الملفات مفتوحة من دون حل'؛ ومن ثم تصبح هذه الملفات مع تقادم الزمن عليها إما خارج صلاحيتها عديم الأهمية؛ أو مرضاً مزمناً لا يعالج.
.. ملف سلاح حزب الله كما ملف التحقيق بانفجار المرفأ كما ملف أموال المودعين؛ هذه كلها ملفات قابلة لأن ينطبق عليها مفعول أنها ملفات لن تغلق وستستمر مفتوحة حتى يقضي الله أمراً كان مكتوباً.
والواقع أن التقليد السياسي في لبنان وتركيبة بنية القرار السياسي في لبنان، قائمة على جينات عدم القدرة على حسم الملفات، وأحياناً عدم الرغبة بحسم الملفات؛ لأن مبدأ المحاصصة الذي يوجه صناعة القرار في الدولة اللبنانية لا ينتج 'قرار دولة' بل ينتج قراراً لعدم حصول أزمة داخل الدولة، وذلك على حساب عدم حل الأزمة داخل البلد.
ويكاد لبنان يكون من الدول القليلة التي توجد فيها الدولة بمكان ويوجد فيها البلد والوطن ومشاكل الناس بمكان آخر؛ وليس مجافة للحقيقة القول أن الطبقة السياسية اللبنانية أدمنت فكرة استقالة الدولة من واجباتها ومن وظائفها؛ وأدمنت فكرة انتظار الحلول التي تنزل وتهبط على المشاكل بالمظلات الخارجية؛ وأيضاً أدمنت على فكرة أنه في بلد مثل لبنان ليس بالإمكان أبدع مما كان.
ومناسبة هذا الكلام كله، هو الواقع الذي يمر به البلد اليوم؛ حيث المشكلة ليست بحاجة لحل، لأن الأولوية في علاجها هي أن لا تخرج منها مشكلة أكبر؛ هذا ينطبق على كل الملفات والمشاكل: ملف سلاح حزب الله وملف أموال المودعين وملف التحقيق بتفجير أو انفجار المرفأ (!!)، الخ..
في كل منعطف هام تقف الدولة ويقف البلد أمام سؤال كبير، وهو من أي ملف يجب أن نبدأ؛ وهل يوجد ملف يمكن حله من دون خشية أن يؤدي حله لولادة مشكلة أكبر؟؟.
.. ثمة فكرة يحتاج مستقبل البلد إلى التذكير بها مرة بعد الأخرى، وهي أن مهمة استعادة الدولة أصعب بكثير من مهمة بناء الدولة؛ في التجربة الثانية يكون هناك حماس للنجاح ولإنجاز أمر جديد؛ أما في خلال العمل لإنجاز مهمة استعادة الدولة تكون الهمم متباطئة لأنه يوجد عدم ثقة بالذات وعدم يقين بالقدرة الأكيدة على النجاح؛ وذلك انطلاقاً من وجود تفكير راسخ يقول أننا لو كنا نستحق دولة لما دمرناها بعد أن كانت قائمة وموجودة.
لا يختلف اثنان على أن أصعب مهمة داخل عملية استعادة الدولة هي ثقة المواطن بالدولة التي ترفع شعار أنها تريد إعادة إحياء نفسها؛ ولكن الأهم أيضاً هي ثقة المواطن بنفسه وبقدرته على الإسهام في عملية إعادة بناء الدولة…
هناك معايير ذات صلة بمشروع إعادة بناء الدولة يجدر مراعاتها؛ وفي حال تم إدارة الظهر عمداً أو سهواً لهذه المعايير، فإن الدولة التي تريد إعادة بناء نفسها ستصطدم بألغام لا حصر لها.