اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢٤ كانون الثاني ٢٠٢٥
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان 'جنوبية' بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.
يتبدى جليًّا في كل منعطف سياسي لبناني منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، استعصاءٌ سياسيا وطنيا لبنانيا، ويتجلى هذا الاستعصاء، في حلّ معضلة مشاركة الطائفة الشيعية في السلطة، وإيجاد الطريقة المناسبة لتشكيل حكومة تتضمن وزراء شيعة، بالعدد المطلوب والحقائب الوزارية المناسبة، مع ضمان فعالية الحكومة بمجملها وسهولة تسيير عملها وإدائها. ورغم ان الحكومات السابقة قد شهدت تجاذبات كثيرة، حول توزير شخصيات غير شيعية، في حالة توزير جبران باسيل او تمثيل الامير طلال ارسلان، او سليمان فرنجية، الاّ أن منبع كل العقد الوزارية ومحركها وان كان ظاهرها في طوائف أخرى، فان منبعها ومديرها ومحرّكها، كان شيعياً بامتياز، وتجسّد ذلك بسعي الثنائية المذهبية 'أمل' و'حزب الله'، للقبض على اعنّة السلطة وحيازة مفاتيح القرارات الاساسية في لبنان. وبناء على ماحدث يتبدى اليوم، ان الاستعصاء الوطني الذي يعرقل انطلاق عملية التغيير في لبنان، هو بجوهره استعصاء شيعي لا بد من معالجته، وبداية التعامل مع العقدة الشيعية يتجسد:
إن استكمال هزيمة الثنائية المذهبية الحزبية، شرط شارط لسلامة الطائفة الشيعية وضمانة لمستقبلها، ومهمة وطنية ومعركة سياسية على جميع القوى السياسية خوضها والمشاركة بها
اولاً، بالتمييز بين الشيعية السياسية كتنظيمات سياسية، وبين الشيعة كمواطنين لبنانيين احرار وثانيا، بلحاظ انّ الشيعية السياسية هُزمت مرتين، مرّة كمشروع غلبة قاد لبنان الى الانهيار الاقتصادي والافلاس المالي، منذ خمس سنوات، ودأبت خلالها على شلّ الدولة ومرافقها العامة، واستنزاف مواردها وما تبقى من ارصدتها النقدية، ثم هزمت مرة اخرى لانها خسرت حرباً مدمرة وقاهرة، تورطت وورطت لبنان بها، و الأكثر إيلاماً ومرارة انه كان يمكن تفاديها…
إن استكمال هزيمة الثنائية المذهبية الحزبية، شرط شارط لسلامة الطائفة الشيعية وضمانة لمستقبلها، ومهمة وطنية ومعركة سياسية على جميع القوى السياسية خوضها والمشاركة بها.
تريدون احتضان الشيعة حرروهم من خاطفيهم، ولا تهتموا لاصوات رهائن تتبنى سردية خاطفيها، فالامر جلي في 'ساندروم استوكهولم
الشيعية السياسية خطفت اللبنانيين الشيعة وعسكرتهم، وبنت منهم قلعة اسبارطية محكمة الاسوار والابواب، وقد ساعدها بذلك نظام الاسدين اولاً، ثم نظام ولاية الفقيه ثانياً، لذلك فإن عودة المواطنين الشيعة الى لبنانيتهم، لن يتم الا بتحريرهم من سيطرة 'حركة امل' و'حزب الله'.
الشيعة طائفة مخطوفة، ونتيجة عملية الخطف هذه، استطاع الثنائي المذهبي، وبتواطؤ مع بقية اطراف المنظومة السياسية الطائفية في الاتفاق الرباعي، وارتهان قوى طائفية اخرى للمحور الايراني خلال عهد الجنرال ميشال عون، من احتكار حصّة الشيعة من منافع السلطة، ومن حيازة كامل التمثيل النيابي لنواب الشيعة، فحصرية التمثيل النيابي ال ٢٧ للثنائية المذهبية، ليس ثمرة لعملية ديموقراطية، يتوجب احترامها وترجمتها في تأليف الوزارة، بل ان هذه الحصرية هي نتيجة تطويع وقهر وتواطؤ، واعادة تشكيل للاجتماع السياسي الشيعي خلال ٤٠ سنة، بدأ منذ دخول جيش سورية الى لبنان سنة ١٩٧٦.
الشيعية السياسية خطفت اللبنانيين الشيعة وعسكرتهم، وبنت منهم قلعة اسبارطية محكمة الاسوار والابواب، وقد ساعدها بذلك نظام الاسدين اولاً، ثم نظام ولاية الفقيه ثانياً
وخلال ثمانينات القرن الماضي دعم نظام الاسدين كل المعارك، داخل الساحة الشيعية في مواجهة التنوع السياسي الشيعي، وخارج هذه الساحة، التي خاضتها 'حركة امل' وادارها واستثمر فيها. ففي سنة ١٩٨٤ تم تعيين نبيه بري وزيراً للعدل ولم تكن 'حركة امل' لديها اي نائب.
إقرأ أيضا: حتى لا يذهب خطاب القسم أدراج الرياح!
الاقصاء والالغاء حدث بشكل غير مسبوق يوم تم تعيين النواب في سنة ١٩٩٠، حيث عين ابو ياسين جعفر نائبا، مكان المتوفي صبري حمادة إقصاءً لإبنه ماجد حمادة الوزير السابق ابن صبري حمادة وحفيد احمد الاسعد وزوج بنت رياض الصلح، الاقصاء حصل يوم تم تعيين محمود ابو حمدان, من قرية حزرتا على كتف زحلة, نائبا عن الضاحية في بعبدا مكان النائب الشمعوني المنتمي لحزب الوطنيين الاحرار محمود عمار. الاقصاء حصل وقت الذي تم تعيين عبدالله الامين, نائبا في مرجعيون مكان نائب اسعدي توفى.
وفي رعاية الوصاية السورية ودعمها وعلى مدى عشرات السنوات، تم اختطاف المجال العام الشيعي، من قبل الثنائية المذهبية، في الاعلام والتمثيل النيابي, وتعهدات الدولة وصفقاتها ووظائفها وفي البلديات، ثم انتقلت الثنائية الى السيطرة على الاجهزة الامنية ومفاتيح القرار في المال والقضاء، فتم الانتقال من خطف الشيعة الى خطف لبنان وقراره والسيطرة على مصيره، بعد ايصال الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة…
في رعاية الوصاية السورية ودعمها وعلى مدى عشرات السنوات، تم اختطاف المجال العام الشيعي، من قبل الثنائية المذهبية، في الاعلام والتمثيل النيابي
ونتيجة لتدفق ما يقارب من ٥٠ مليار دولار اميركي، من نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، الى 'حزب الله' على مدى اربعين سنة كاملة، اصبح 'حزب الله' ربّ عمل لاكثر من ٥٠ الف عائلة شيعية، ولذلك لم تكتف الثنائية المذهبية، بان تجعل من كل لبنان رهينة بيد ايران، بل ذهبت لتجعل منه كبش فداء يذبح ليفتدي طهران، وتحوّل لبنان الى متراس قتال يخوض الحرب، كلما احتاجت ايران الى ذلك.
اليوم تداعى محور الممانعة كقصر من ورق كوتشينة، هُزمت 'حركة حماس' في غزة، وهزم نظام الاسدين وسقط، وهزم 'حزب الله' امام اسرائيل، وظهر هشًّا اجوفاً ومخترقا من اعلى اطاراته الى ادناها، وتحجّم دور طهران في العراق، وعاد دونالد ترامب الى ادارة اميركا والعالم، فاستنتجت ايران ان ايام نفوذها في المشرق العربي الى انحسار، فاعدت اوراقها للتنازلات، وتخلت عن اذرعة طالما دعمتها، واعتبرتها جزءا من قوتها وادوات نفوذها…
التمرين اللبناني الراهن و الضروري والملحّ، هو هزيمة الشيعية السياسية بطرفيها؛ وهو مهمة لبنانية ووطنية، من جهة اولى لتحرير الدولة اللبنانية من خاطفيها، ولاستعادة سيادتها ممن جعل لبنان جرماً يدور في فلك ايران، وقاعدة للاعتداء على العرب باسم القدس والصلاة في مسجدها، ومن جهة ثانية، لتحرير مؤسسات الدولة والنظام الديموقراطي والحياة السياسية، من نموذج خاطف آخر يمارس السلبطة والفساد والتعطيل والابتزاز، ورأس هذا النموذج هو الاستاذ الساحر نبيه بري…
التمرين اللبناني الراهن و الضروري والملحّ، هو هزيمة الشيعية السياسية بطرفيها؛ وهو مهمة لبنانية ووطنية
لا يقوم التشيّع، الا على التقوى والعدل والاستقامة خطاباً وسلوكاً، ونصرة المظلوم وانصاف كل صاحب حق، تلك قيم كل قاماتنا الوطنية والدينية، واما استباحة المال العام، وممارسة التهريب والاتجار بالممنوعات وانتهاك الشواطئ، وقمم الجبال والرمول، فهي وصمات قاتمة تخجل كل صاحب حياء.
إقرأ أيضا: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: حكومة نواف سلام بين «الذكاء الاصطناعي» و«التكلس السياسي»
إن احتضان الشيعة وانصافهم أمر أخلاقي ووطني، لكنه لا يكون الا بتحريرهم من خاطفي دولتهم، ومجالهم العام في الاعلام والثقافة والسياسة والسلطة، ولا يتأمن امنهم ومستقبلهم بمزيد من الخضوع لابتزاز خاطفيهم، والسكوت او التواطؤ مع صانعي كارثتهم ودمارهم وتهجيرهم، ومرسليهم الى الموت والتشرد والتيه.
تريدون احتضان الشيعة حرروهم من خاطفيهم، ولا تهتموا لاصوات رهائن تتبنى سردية خاطفيها، فالامر جلي في 'ساندروم استوكهولم'.