شهر رمضان في إيران.. أبعد من طقوس دينية

شهر رمضان في إيران.. أبعد من طقوس دينية

تختلف عادة الإفطار في إيران عن سائر البلدان الإسلامية والعربية على الأخص. إذ إنّ طعام الإفطار لا يكون دسماً، بل أشبه بطعام الفطور في الأيام العادية، مع الاهتمام بأن تتضمّن السفرة الخبز الطازج الذي تشتهر بأنواعه المدن الإيرانية. 

لشهر رمضان وقع خاص في المجتمع الإيراني، الغني بالعادات والطقوس القومية، وبتنوعاته العرقية، التي تضيف على هذا الشهر طابعاً ساحراً.

في هذا العام، اقترن هلال شهر رمضان بنسیم النوروز، فجاء العيد مع العيد، كما يقول جلال الدين البلخي، وحلّ فانوس رمضان على سفرة النوروز مع صلاة الفجر.

من العادات الجميلة في وقت السحر، هي 'شوخوانى' (تراتيل الليل) لدى أهالي خراسان. وهي عادة قديمة لا تزال موجودة في القرى، تقام على ثلاث مراحل، بداية من قرع الطبل على ثلاث مراحل، الأولى هي إيذاناً ببدء السحر ولإيقاظ النائمين، الثانية لبدء تناول الطعام، وأخيراً للإنباء عن أذان الصبح. وخلال قرع الطبول يقوم أحد الأفراد المنتخبين ذوي الصوت الحسن بقراءة المناجاة والدعاء والتراتيل التي تحث على الصيام.

عادة أخرى اشتهرت في وقت الإفطار، بين أهالي محافظة لُرستان، هي الـ'كاسم سا' أي 'كاسه همسايه'، بمعنى 'كاسة الجيران'. فيخصص الإيرانيون خلال إعداد الطعام للإفطار أو السحر مقداراً منه للجيران. وعادة ما يوزّع الجيران على بعضهم البعض الطعام، خصوصاً الحساء المشهور بمحلتهم، إضافة إلى الحلويات.

وتختلف عادة الإفطار في إيران عن سائر البلدان الإسلامية والعربية على الأخص. إذ إنّ طعام الإفطار لا يكون دسماً، بل أشبه بطعام الفطور في الأيام العادية، مع الاهتمام بأن تتضمن السفرة الخبز الطازج الذي تشتهر بأنواعه المدن الإيرانية.

وقبيل موعد الإفطار، بين تلاوة القرآن ورفع الأذان، تصدح ترتيلة 'ربنا' المشهورة، التي لا تغيب عن ذهن الإيرانيين، وهي بمثابة أول جرعة روحية على الإفطار قبل الشروع بتناول الطعام، وكانت تبثّ عبر الراديو والتلفاز.

وتتكوّن مائدة الإفطار عادة من الخبز الطازج على أنواعه، إضافة إلى الأجبان (خاصة الجبنة التبريزية)، والجوز، والأعشاب الطازجة، كالنعناع والبصل الأخضر والريحان والحساء التقليدي المتنوع (آش)، الذي يتكوّن من الأعشاب والبقوليات والشعيرية، وكل منطقة لها حساؤها الخاص، كذلك تتضمن الـ'هليم' (الهريس)ـ والـ'شله' التي تشبه حلوى 'المفتقة'، والفرني الشبيهة بالمهلبية.

تجتمع العائلات خلف الموائد لتناول هذه الأصناف وقت الإفطار وتقليدياً تُفرش السفرة على الأرض، والتي تتضمن أيضاً الشاي والـ'دمنوش' أي الزهورات، والـ'شربت' (شراب) الذي يكون عادة إما عصير فاكهة أو أعشاباً مقطرة، كماء الورد والنعناع وزهر النارنج والسكنجبين، ليمنح الجسم الطاقة ويليّن المعدة بعد الصيام.

وبعد وقت الإفطار بساعتين، يتناول الإيرانيون الوجبة الرئيسية الشبيهة بطعام العشاء، إضافة إلى الحلويات الخاصة بالشهر الكريم، مثل الـ'باميه' (تشبه العوامة في البلاد العربية، وتسمى بامية لأنها تشبه البامية بالشكل)، وكذلك الزلوبيا (تشبه الزلابيا والمشبك)، و'گوش فیل' (أذن الفيل)، وتشبه إلى حد ما الشعيبية من دون القشدة.

ومن العادات البارزة أيضاً لدى الإيرانيين،الاهتمام الكبير بختم القرآن وإحياء ليالي القدر، خصوصاً في المساجد والمزارات الدينية، وفي هذه الليالي عادة ينذر الإيرانيون الأطعمة للإفطاروالسحور وتبقى الإحياءات في المساجد والمزارات حتى ساعات الفجر.

إحدى هذه الإحياءات كانت إحياء ليلة ويوم الخامس عشر من شهر رمضان، وهو يوم ولادة الإمام الحسن، سبط النبي محمد، حيث أقيم في مدينة طهران، في ميدان ولي عصر الذي يشهد إفطارات يومية وإحياء لأمسيات رمضانية.

شهر رمضان في إيران لا يُعد شهر طقوس عبادية وحسب، بل يمتاز بالبعد المعنوي الاجتماعي للصيام، الذي تكرّسه العادات المتنوعة، كما ويظهر في الأدب الفارسي في شعر سعدي، الذي يُعتبر بوابة ثقافة المجتمع الإيراني، حيث يقول في باب الصيام:

مُسلّم لمن أدى فرض الصوم

أنه لم يترك محتاجاً بلا قوت اليوم

وإلا ما لزوم تعبك في السعي

أتاخذ من نفسك ولنفسك تعطي؟

وتعود هذه الأبيات لديوان 'بوستان سعدى' باب الإحسان الحكاية 9، حيث يقوم سعدي في إطار حكاية شعرية، بتوجيه المجتمع للمعنى الحقيقي للصوم الذي يكون في الحثّ على العطاء خلال شهر رمضان.