اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
استهدفت طائرات الاحتلال، أمس، بشكل مباشر، كنيسة دير اللاتين وسط مدينة غزة، ما أدّى إلى ارتقاء شهيدين وإصابة 12 آخرين، من بينهم الأب جبرائيل، راعي طائفة دير اللاتين، فضلاً عمّا تسبّبت به الغارة من أضرار جسيمة لحقت بمبنى الكنيسة. ورغم مأساوية هذا المشهد، إلّا أنه لم يكن استثنائيّاً في حرب إبادة طالت القطاع بأسره، ولم توفّر المساجد والكنائس، ومسحت نحو 10% تقريباً من أهله من السجلّ المدني، بحسب آخر إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. لكن ما خلّفته الحرب في أوساط المكوّن المسيحي في القطاع، ولّد صدمة حقيقية، وذلك بفعل آثاره التدميرية التي طالت حوالى 90% من المقدّرات الكنَسية، والتي تمتدّ بعمرها على أكثر من 1600 عام.
وأدّت الحرب أيضاً، إلى فقدان ثلث المكوّن المسيحي في القطاع، وفق ما يشير إليه عضو مجلس وكلاء الكنيسة العربية الأرثوذكسية في غزة، إلياس الجلدة. ويقول الجلدة، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ «المكوّن المسيحي فقدَ، أثناء حرب الإبادة المتواصلة على غزة، ثلث وجوده تقريباً»، موضحاً أنّ ما تبقّى من مواطنين مسيحيين لا يتجاوز عددهم الـ600 شخص – من أصل نحو ألف شخص قبل السابع من أكتوبر – هم أيضاً حصيلة مَن تبقّوا من آلاف نزحوا قبل العدوان، نتيجة ظروف الحصار القاسية التي مرّ بها القطاع خلال العقدَين الأخيرَين.
ويبيّن الجلدة أنّ 3% من مسيحيّي غزة استشهدوا في هذه الحرب، مع ارتقاء 25 شخصاً نتيجة الاستهداف المباشر من قوات الاحتلال، فضلاً عن إصابة نحو 50 آخرين. ومن بين هؤلاء الشهداء، عائلتان كاملتان من آل الصوري، مُسحتا من السجلّ المدني. وترافق استهداف البشر مع استهداف مباشر للكنائس، إلى جانب المؤسسات الطبية والتعليمية والثقافية التابعة لهذا المكوّن.
ويوضح الجلدة أنّ الاحتلال قصف كنيسة «القديس بُرْفِيريوس» الأرثوذكسية في حي الزيتون بداية العدوان، حيث ارتكب مجزرة مروعة في داخلها، محدثاً أيضاً ضرراً كبيراً فيها، إلى جانب استهدافه، مرّتين، كنيسة دير اللاتين – «العائلة المقدّسة»، وهي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع.
كذلك، دمّر الاحتلال جميع المرافق التعليمية المسيحية ما بين كلّي وجزئي، من بينها مدرسة «العائلة المقدسة» و«راهبات الوردية» وروضة «راهبات المحبة»، إلى جانب مدرسة البطريركية اللاتينية، فضلاً عن تدميره المركز الثقافي المسيحي الأكبر الذي يمتدّ على مساحة جغرافية كبيرة في منطقة تل الهوا.
«لا يرغبون في بقاء أيّ مظهر أو شاهد على الوجود الديني أو البشري أو العمراني» في غزة
وترافق ما تقدّم مع تهشيم مناطق يتركّز فيها الوجود المسيحي في غزة، من بينها البلدة القديمة التي تقع حالياً ضمن نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما دفع سكانها إلى النزوح مرّات عدة. وبحسب الجلدة، فإنّ «إسرائيل اعتبرت وجودنا سبباً لتعزيز صمود المواطنين في منطقة شمال غزة، فانتقمت منّا انتقاماً شديداً».
زِد على كلّ ما سلف، المذبحة الإسرائيلية الشهيرة في بداية العدوان على مستشفى «المعمداني»، التابعة للكنيسة المعمدانية في غزة، والتي عاود الاحتلال استهدافها مرات عديدة أثناء الحرب، علماً أنها أصبحت المركز الطبي الرئيس في غزة بعد تدمير «مجمع الشفاء الطبي»، وإخراج جميع المراكز الصحية عن الخدمة في المدينة وشمالها، وفقاً للمصدر نفسه.
ويرى الجلدة أنّ هذا الاستهداف «جزء من العقلية الإسرائيلية التي ترغب في تدمير كل شيء، وطمس الوجود التاريخي الفلسطيني في القطاع، ودفع السكان بكلّ أطيافهم إلى الرحيل عن الأرض والنزوح عنها، علاوة على تجاهل المجتمع الدولي حقيقةَ ما يرتكبه الاحتلال من جرائم، تحت ذرائع أنّ ما يجري هو حرب ضدّ حركة حماس». ويضيف إنّ «هذه الجرائم تهدف إلى دفع الكنيسة إلى مغادرة غزة، وإنهاء وجود شعبنا، ضمن مخطّط التجويع والتهجير».
ووفقاً للأب عبد الله يوليو، راعي الكنيسة الكاثوليكية في فلسطين، فإنّ المسألة لا تتعلّق بالكنيسة، إنّما «بصراع مع شعب كامل يُراد تهجيره». ويقول يوليو: «المأساة، أنّ استهداف الوجود المسيحي في غزة هو عبارة عن رغبة واضحة في استئصال الشعب هناك. لا يرغبون في بقاء أيّ مظهر أو شاهد على الوجود الديني أو البشري أو العمراني» في غزة. ويرى أنّ هذا الاستهداف لن يغيّر في الواقع شيئاً، «لكن نأمل في أن يحرّك شيئاً في ضمير العالم، ويتحرّك نحو هدنة ووقف لإطلاق النار في غزة».
التجويع مستمر
المجازر الإسرائيلية الدامية، تتقاطع مع مجزرة التجويع المتواصلة، والتي أودت بحياة 67 طفلاً، من بينهم عشرة توفّوا جوعاً، بعد استئناف العدوان في الثاني من آذار الماضي، بحسب وزارة الصحة. وتستمرّ عملية التجويع في ظلّ اتهامات لـ«برنامج الغذاء العالمي» بالتواطؤ مع دولة الاحتلال على صعيد عدم ممارسة الضغوط الحقيقية لإدخال المساعدات، وإصداره بياناً يتّهم فيه «جميع الأطراف» بالمسؤولية عمّا يجري.
ويقول رئيس ملتقى العشائر والإصلاح في «التجمع الوطني للعشائر»، علاء الدين العكلوك، إنّ هذه الأخيرة طلبت من «برنامج الغذاء العالمي» عقْد لقاءات متتالية لتطبيق خطّة تأمين في المناطق الجنوبية للقطاع، على غرار ما حدث في شماله، لكنّ البرنامج رفض.
ويضيف العكلوك، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ «هناك مؤشرات وصلت حول تواطؤ بعض الموظفين المرافقين لقوافل البرنامج، والذين يعرقلون عبورها، ما يدفع المواطنين إلى السطو عليها، إلى جانب إصرار البرنامج على دخول المساعدات عبر طرق مكتظّة بالنازحين، لتبقى عرضة للسرقة». ويتابع العكلوك إنّ ذلك ترافق مع استهداف إسرائيلي متكرّر للجان التأمين العشائرية، التي تخاطر بنفسها من أجل حماية المساعدات، في ظلّ تعمّد إسرائيلي لإبقاء حالة الفوضى والتجويع على حالها.