اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٥ أيار ٢٠٢٥
كتبت باولا عطية في 'النهار'
في خطوة اعتُبرت نقطة تحوّل في مسار التعاون الاقتصادي والسياسي بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وقّع البلدان اتفاقية 'تاريخية' يوم 30 نيسان 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن، تهدف إلى استغلال الموارد الطبيعية الأوكرانية، لا سيما المعادن النادرة، ضمن إطار صندوق مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا. الاتفاق الذي جاء بعد مفاوضات مطولة، يحمل أبعاداً اقتصادية واستراتيجية تتجاوز مجرد التعاون الثنائي، ويفتح الباب أمام تحولات أوسع في موازين القوى العالمية، خاصة في ما يتعلق بإمدادات المعادن الحيوية التي تشكل عصب الصناعات الحديثة.
ما خلفية الاتفاق؟
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، قدمت الولايات المتحدة دعماً عسكرياً ومالياً غير مسبوق لكييف، تجاوزت قيمته عشرات المليارات من الدولارات. ومع التقديرات الضخمة لتكاليف إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، كان لا بد من شراكات استراتيجية جديدة تتيح لأوكرانيا النهوض مجدداً دون أن تشكل عبئاً دائماً على حلفائها.
في هذا السياق، جاءت الاتفاقية الجديدة التي وُقّعت بين وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ووزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو، لتنشئ 'صندوق استثمار لإعادة الإعمار' تديره الولايات المتحدة وأوكرانيا بشكل مشترك، ويمتد إلى قطاع المعادن النادرة والطاقة والبنية التحتية.
في هذا الإطار، يرى الخبير والباحث الاقتصادي والسياسي، د. محمد موسى، في حديثه لـ'النهار' أنّ 'الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن الموارد الطبيعية لا يمنح واشنطن ملكية مباشرة لهذه الثروات، بل يحترم من حيث الشكل السيادة الأوكرانية عليها. إلا أن مضمون الاتفاق يكشف عن منح الولايات المتحدة امتيازات واسعة، تشمل أولوية الاستثمار في مجالات الاستكشاف والتنقيب والمعالجة، ونقل التكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية في إطار التنمية المستدامة'.
ورغم أن الاتفاق يترك لأوكرانيا حق الإشراف، إلا أن الولايات المتحدة تحتفظ بحق التنفيذ والسيطرة العملياتية، ما يطرح برأي موسى تساؤلات جدية حول مدى استقلالية القرار الأوكراني أمام النفوذ الأميركي المتعاظم، خاصة أن الاتفاق يحمل أبعاداً جيوسياسية واضحة تستهدف الصين، روسيا، وحتى أوروبا.
ويشدد موسى على أنّ هذا الاتفاق لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ عام 2022، والتي حظيت فيها أوكرانيا بدعم غربي واسع النطاق. لكن مع عودة ترامب إلى الواجهة، تغيّر الموقف الأميركي؛ فبعدما كانت المساعدات تُقدّم بلا مقابل، أصبح التركيز على استرداد ما دفعته واشنطن، والتي بلغت نحو نصف تريليون دولار، في إطار سياسة 'أميركا أولاً'.
خطوة استراتيجية لأميركا
الاتفاق الجديد، رغم ما يحمله من انتقادات، يُعد خطوة استراتيجية للولايات المتحدة، بحسب موسى، خاصة أن أوكرانيا تمتلك معادن نادرة وحيوية تقدر بـ34 نوعاً، من ضمنها الألمنيوم والغرافيت، بالإضافة إلى احتياطات من الوقود الأحفوري، لكن دون بنية تحتية متطورة أو تكنولوجيا كافية للاستفادة منها. وبالتالي، فإن الاستثمار الأميركي في قطاع التعدين يمكن أن يُشكل فرصة لتعزيز الثقة الدولية بالحكومة الأوكرانية، إذا ترافقت هذه الشراكة مع حوكمة رشيدة وامتثال بيئي. كما يمنح الاتفاق الشركات الأميركية أولوية الاستكشاف، مما يضمن لها الوصول إلى مورد استراتيجي نادر عالمياً.
ومع كل ما سبق، تبقى هناك تحديات حقيقية، يعدد أبرزها الباحث الاقتصادي ويذكر: غياب الاستقرار الأمني، وضعف البنية التحتية، وغياب اتفاق سلام مع روسيا، ما قد يحدّ من قدرة الأميركيين على تنفيذ استثماراتهم على الأرض. ورغم الفرص الكبيرة التي يحملها الاتفاق لأوكرانيا، إلا أن الحضور الأميركي العميق قد يفرض واقعاً جديداً يُعيد رسم ميزان النفوذ في أوروبا الشرقية.
الاتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا حول المعادن يتجاوز الطابع الاقتصادي، ويحمل أبعاداً جيوسياسية واستراتيجية تتصل بالتنافس مع روسيا والصين. تسعى واشنطن عبره إلى كسر هيمنة بكين على سوق المعادن الحيوية، التي تسيطر على 70% من الإنتاج العالمي و90% من المعالجة، وتوسيع نفوذها في أوكرانيا، ما يُعد رسالة مباشرة لموسكو ويزيد من حدة التوتر إذا لم يُرفق باتفاق سلام.
تهديد لمصالح أوروبا؟
أما على صعيد الاتحاد الأوروبي، حذّر موسى من أنّ الحضور الأميركي القوي في أوكرانيا يُعد تهديداً لمصالحه، خصوصاً إذا لم يكن هناك تنسيق مسبق، وقد يشعر الأوروبيون بالتهميش كما حدث في ملف الغاز والنفط، ما يدفعهم إلى إعادة النظر في علاقاتهم مع واشنطن. في ظل سيطرة أميركية متنامية على ثروات أوكرانيا، يخشى الأوروبيون من خسارة دورهم الاستراتيجي هناك.
رغم امتلاك الولايات المتحدة قدرات تقنية وصناعية كبيرة، إلا أن غياب البنية التحتية الحديثة في أوكرانيا واستمرار الحرب يعوقان الاستثمار السريع، وقد تستغرق عملية الاستفادة من هذه المعادن من 5 إلى 10 سنوات. وفي نهاية المطاف، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للتعاون مع الصين في معالجة هذه المعادن، ما يعيد اللعبة إلى تفاهمات بين الكبار: أميركا والصين.
معادن نادرة… وساحة نفوذ جديدة
الاتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا ليس مجرد صفقة تجارية، بل خطوة استراتيجية في صراع النفوذ العالمي على الموارد والتكنولوجيا. وإذا نجحت واشنطن في تجاوز العقبات وتطوير سلاسل توريد مستقلة عن الصين، فقد يُشكل هذا بداية تحول كبير في ميزان القوى الاقتصادي العالمي. أما إذا فشلت، فقد تجد نفسها رهينة للتعقيدات نفسها التي طالما عانت منها أمام التنين الصيني.