اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٢ أيار ٢٠٢٥
كتب عبد الغني طليس في 'اللواء':
تريد المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس من الدولة اللبنانية «الالتحاق بالشرع» سريعاً. هذا هو اللفظ الذي استخدمته وتستخدمه في تصاريحها: «الالتحاق.. بالشرع»، وتقديم أوراق الاعتماد كاملةً للأميركان كما جرى في زيارة الشرع إلى السعودية، بحضور ترامب. ويبدو أنها ترى في هذا التعبير لُقية ثمينة تعبّر بكلمتين مقتضَبَتين عن ملفّ عمرُه سبعون عاماً بين لبنان والدولة العبرية. و«الالتحاق بالشرع» يعني «نسيان» ما تفعله إسرائيل بلبنان يومياً من قتل الناس وتدمير البيوت والمؤسسات، ومحو القرى والبلدات الجنوبية من الذاكرة البشرية بعدما محَاها جيشُ اليهود من الوجود، واعتبار « النقاط الخمس» التي ضمّتها إسرائيل إليها، شأنا لا يعني الدولة اللبنانية، تماماً كاحتلال الجيش الاسرائيلي مناطق إضافية من الجولان من دون التفات الدولة السورية الجديدة إليها، وعدم إثارة موضوعها مع ترامب ولا في الإعلام. تقصد أورتاغوس أن ما فعلَه نتنياهو ببلدكم لبنان، ينبغي أن تُطوَى صفحته كما طوى الشرع صفحة أرض سوريا المحتلة!
فإذا كانت مراسيل أورتاغوس الأميركية من بعيد، هي من أجل التهويل ووضع نموذج تخلٍّ عن السيادة والوطن أمام اللبنانيين، فذاك شيء، أما إذا كانت تقصد ما تقول وتنوي العمل على أساسه، فشيء آخَر، ولن تجد في لبنان مَن يسمع، لا في القصر الجمهوري ولا في السراي الحكومي ولا لدى الرئيس نبيه برّي. إعتماد أورتاغوس سيكون على بعض القوى السياسية التي تتمسّك بالذّيْل الأميركي وتردّد مطالبه ببغائياً، وهي فاقدةٌ القدرة على تحقيق قَيد أُنملة منه، أو تسويقه في البلد.
بمعنى أنه لن يجرؤ أحد في السياسة اللبنانية على اتّباع النموذج السوري الجديد في تَركِ إسرائيل تعربد وتقتطع وتحتفظ بمناطق بلا ردات فِعل حتى سياسية، طالما أن الردّ العسكري سقَطَ في سوريا ولا نيّة لإحيائه ضدّ إسرائيل. وعدم التجرّؤ في لبنان ليس بسبب وجود المقاومة، بل لأن هذا النوع من التخلّي الوطني إذا قُبِلَ به، وأيّده طرف لبناني فسيكون هبوطاً أخلاقياً لا مثيل له إلى القعر، وسيواجَه بحزم وطني من جميع القوى السياسية حتى المتصارعة مع المقاوَمة.
«الالتحاق بالشرع» تعبير ينبغي أن تخرج منه أورتاغوس فوراً لأنه مُستفزّ لكل لبناني ناضل وقاتل في سبيل منع وصاية أو احتلال منذ منتصف السبعينيات، وما زال الكل، كل مَن صرَف دماً ودمعاً ومعاناة، في هذا التوجّه، يحتفظ ببعض بقايا تلك النخوة، فكيف إذا كان المحتلّ إسرائيل التي تعيش اليوم «انتصارات توراتية» حسَب ما يُذَكّرنا نتنياهو بين الفينة والفينة.
تعرف أورتاغوس جيداً أن لبنان لن يلتحق لا بالشرع ولا بأي دولة عربية أخرى وقّعت سلاماً مع إسرائيل، قبل أن تكون أرضُهُ وحقوقه مُصانة. والرئيسان جوزف عون ونواف سلام مدركان مخاطر سلام لا يكون ناجزَ الشكل والمضمون، مع دولة لا تراعي اتفاقيات ولا عهوداً ولا مواثيق. فأكثر ما يمكن أن يقدّمه لبنان في هذه المرحلة هو تطبيق إتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل، وخروج المحتلّ، وانتظار التوجّه العربي العام الذي وإن مال إلى اتفاقات سلام فإنه متوجّس من العقلية الإسرائيلية العدوانية التي تختلقُ أعذاراً همايونية لتبرير كل عدوان، والأمثلة واضحة من غزة والضفة الغربية إلى لبنان إلى سوريا.. وصولاً إلى اليمن!
لكنْ.. هل العلاقة الحالية بين نتنياهو وترامب ستساعد أورتاغوس على أن تؤدي مهمتها في لبنان من دون تعديل لا في اللهجة ولا في التفاصيل ولا في المضمون؟