اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١٠ حزيران ٢٠٢٥
تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محور اهتمام إقليمي ودولي متزايد، ليس فقط لأسباب سياسية، بل أيضًا بسبب ثرواتها الطبيعية، وعلى رأسها الغاز. فقد أصبحت هذه الثروات عنصرًا أساسيًا في رسم الخريطة الاقتصادية الجديدة لشرق المتوسط، بخاصة بعدما قدّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن حوضه الشرقي يحتوي على نحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وتبني هذه الثروات المتعلقة بالغاز شراكات استراتيجية تتجاوز حدود السياسة التقليدية بين دول المتوسط.
في إطار تنويع مصادر الطاقة خصوصاً بعد أزمة الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط OPEC عام 1973، أصبح شرق المتوسط مركز جذب استثماري لشركات الطاقة الكبرى حول العالم. وتنشط شرق المتوسط شركات عملاقة مثل 'إكسون موبيل' و'شيفرون' الأميركيتين، إلى جانب 'قطر للطاقة'. كذلك، تبرز شركات أوروبية رائدة مثل 'توتال إنرجي' الفرنسية و'إيني' الإيطالية. وقد دخلت أيضًا شركات متوسطة الحجم إلى السوق، مثل 'Energean' اليونانية-البريطانية، التي توسّع عملياتها تدريجيًا في حقول عدة. أما المستجد البارز في المشهد، فهو دخول 'شركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان' المعروفة بإسم 'سوكار' إلى السوق الإسرائيلية بالشراكة مع 'بريتيش بتروليوم' البريطانية. وغالباً ما تُبرم الشركات الوطنية الصغيرة، التي تنشط في مصر وإسرائيل، شراكات مع شركات عالمية.
'تُعدّ إسرائيل اللاعب الأقوى في معادلة الغاز في شرق المتوسط، لا سيما بعد سلسلة من الاكتشافات مثل حقلي تمار وليفياثان، التي حوّلتها من مستوردة إلى مصدرة رئيسية للغاز'، بحسب ما قالته خبيرة النفط والغاز لوري هايتايان لـ 'درج'. وتُصدّر إسرائيل حاليًا الغاز إلى الأردن، وتساهم في تغطية جزء كبير من الطلب المتزايد في مصر. 'غير أن تصريف هذا الغاز إلى الأسواق العالمية يتطلّب نقله عبر الأنابيب إلى محطات تسييل الغاز الطبيعي (Liquefied Natural Gas LNG) في مصر، حيث يُحوَّل إلى غاز مسال تمهيدًا لتصديره خارج المنطقة'، بحسب هايتايان. لكن مع تراجع الإنتاج المصري المحلي وارتفاع الطلب الداخلي، بدأت مصر تستهلك الجزء الأكبر من الغاز الذي يصلها، ما 'فرض تحديات على قدرة إسرائيل على التوسع في التصدير الخارجي، بخاصة في ظل محدودية بنيتها التحتية'، أضافت هايتايان.
شكّل ضمان أمن إسرائيل الطاقي أولوية محورية في تحرّكات المبعوث الأميركي السابق آموس هوكستين، الذي سعى إلى حماية المصالح الإسرائيلية ضمن منظومة الطاقة الإقليمية والدولية. وضع هوكستين ملف الغاز في صلب رؤيته لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من خلال ربط مشاريع الطاقة في المنطقة بإمكانية تحقيق النمو الاقتصادي للفلسطينيين، معتبرًا أن التنمية الاقتصادية يمكن أن تشكّل مدخلًا لتخفيف حدة الصراعات. 'وفيما منعت إسرائيل الفلسطينيين من استثمار حقل 'غزة مارين'، الذي اكتشفته شركة 'بريتيش بتروليوم' عام 2000، بذريعة سيطرة حركة حماس على القطاع، عمل هوكستين على بناء شبكة مصالح مترابطة في شرق المتوسط، بهدف تقليص فرص اندلاع النزاعات وتعزيز مناخ التعاون الإقليمي'. وبعد اندلاع حرب 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، توقفت المساعي لتطوير حقل 'غزة مارين'، على رغم أن إسرائيل كانت منحت موافقتها الأولية على المشروع في حزيران/ يونيو من العام نفسه، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية ومصر.
دور أساسي لدمشق
أمام هذا الواقع، برزت الحاجة إلى مسارات بديلة لتوزيع الغاز، خصوصًا في ظل التحديات المصرية، ما يعيد طرح سوريا كممر محوري محتمَل لصادرات الغاز من إسرائيل وشرق المتوسط نحو أوروبا، سواء عبر أنابيب برية أو شبكة لوجستية إقليمية جديدة.
قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2012، كانت سوريا تضخ نحو 400,000 برميل نفط يومياً، وما يقارب 316 مليون قدم مكعّب غاز يومياً، وفقاً لـ إدارة معلومات الطاقة الأميركية. لكن مع بداية الحرب، انخفض إنتاج الغاز الطبيعي من 8.7 مليار متر مكعب إلى 3 مليارات متر مكعب في عام 2023، وفقاً لتقديرات بي بي والمعهد الدولي للطاقة. وأُقصيت سوريا من قطاع النفط والغاز، منتقلةً من دولة منتجة ومصدّرة إلى دولة مستوردة تعتمد على الإمدادات الإيرانية، نتيجة العقوبات والحرب.
لكن، 'غيّر لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والسوري الانتقالي أحمد الشرع ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط'، بحسب نيل كويليام، زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد 'تشاذام هاوس البريطاني'. ويعتبر لقاء الرئيسين بمثابة تتويج للتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط ودعماً بارزاً لعودة سوريا إلى النظام العالمي. وهذا ما أكدته خبيرة النفط والغاز لوري هايتايان لـ 'درج'، إذ قالت إن 'سوريا تمتلك قطاع نفط وغاز بريّاً معروفاً، لكنه بقي قبل 2011 مغلقاً جزئياً بفعل سياسات اشتراكية وقيود على مشاركة الشركات العالمية، ثم عانت بنيته التحتية من الإهمال بعد اندلاع الحرب. وإذا رفعت العقوبات عن الشركات، ستتدفق كبرى الشركات لاستثمار ميداني فوري في حقول النفط والغاز البرية وتحديثها'.
ومع بدء جولته على عدد من الدول الخليجية ، قال ترامب خلال منتدى استثماري في الرياض: 'سأصدر أمراً بوقف العقوبات على سوريا لمنحهم فرصة للعظمة'. وبينما دعا الرئيس الأميركي نظيره السوري إلى التوقيع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل، وجه الأخير دعوة إلى الشركات الأميركية للاستثمار في قطاع النفط والغاز في سوريا.
وعقد وزير الطاقة السوري محمد البشير اجتماعاً مع وفد من شركة أميركية خاصة لمناقشة آفاق التعاون في التنقيب عن الغاز وتطوير البنى التحتية. وأكد البشير أن الحكومة السورية تعمل على خلق بيئة قانونية واستثمارية ملائمة لتشجيع دخول الشركات الأجنبية إلى السوق السورية، بخاصة في مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية للمياه. كما عرض البشير مع وفد استثماري تركي الفرص المتاحة للتعاون مع بلاده في قطاع النفط والغاز. ويمكن لسوريا أن تجذب الاستثمارات من خلال تسريع تقييم قدراتها في مياهها الإقليمية. في هذا الإطار، 'تولي تركيا – بصفتها الراعية الثانية لسوريا – اهتماماً خاصّاً بالاكتشافات الجديدة، إذ تسعى الى تنويع مصادرها الغازية عبر حلفاء في شرق المتوسط. ولهذا، قد تدفع أنقرة شركات تركية وأجنبية إلى إجراء عمليات مسح وحفر في البحر المتوسط، بما يشكل مصلحة مشتركة لدعم قطاع الغاز السوري وتعزيز أمن الطاقة التركي'، وفقاً لـ هايتايان.
وقدم الرئيس التنفيذي لشركة أرغنت للغاز الطبيعي المسال، جوناثان باس، خطة استراتيجية لإنعاش وتطوير قطاع النفط والغاز السوري الى الرئيسين ترامب والشرع، التي بموجبها سيتم تأسيس شركة 'الطاقة السورية الاميركية' (SyriUS Energy). وتركز هذه الخطة على شعار 'سوريا أولاً' أو 'اجعل سوريا عظيمة مرة أخرى'، والتكامل مع الدول المجاورة في البنية التحتية للطاقة، مثل خطوط أنابيب الغاز والنفط، كأداة لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، وفقاً لـ CNBC.
وبعد أقل من أسبوع على إعلان ترامب، وافق الاتحاد الأوروبي في 20 أيار/ مايو 2025 على رفع العقوبات عن سوريا التي فرضها بعد القمع الدموي الذي مارسه نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد ضد المتظاهرين السوريين عام 2011. وشملت هذه العقوبات قيوداً واسعة على قطاعات أساسية مثل المالية والتجارة والنقل والطاقة. وتتابع هايتايان ' كما نرى لدى سوريا الكثير من الدوافع للانطلاق'. ويبرز دور الدول الخليجية في انطلاقة سوريا في موضوع الطاقات الجديدة، على رأسها الهيدروجين، الذي تتطلع لتطويره. أخيرًا، انعقدت في برلين، مؤتمرات ناقشت نقل الهيدروجين لاستخدامه في أوروبا. ووفقاً لـ هايتايان، 'أكد المشاركون أن دراساتهم أظهرت أن شحن الهيدروجين من الخليج إلى أوروبا سيكون أقل كلفة إذا تم عبر شبكة أنابيب تمرّ في سوريا'. وتابعت هايتايان أنه ' إذا تمّ إبرام اتفاقيات اقتصادية حول هذا المشروع، فسيمنح ذلك سوريا دفعة كبيرة للانخراط في سياسة التشبيك الاقتصادي الإقليمي، وبذلك تستعيد سوريا دورها الفاعل في المنطقة'.