اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء':
لا تستطيع لغة التفاخر التي يتحدّث بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن إنجازاته بما يصفه بسحق محور المقاومة في إيران واليمن ولبنان وغزة وسورية، إخفاء حقيقتين، الأولى أن معاركه المفترضة والتي يتحدّث عن نصر نهائيّ فيها، لم تحسم بعد رغم ما حققته حروب الكيان من إلحاق الأذى بدول وقوى المقاومة، والثانية أنه في سورية التي تشكل الخسارة المحسومة الوحيدة في جبهة المقاومة، من المبكر احتسابها في خانة الانتصارات الإسرائيلية الكاملة، حيث لا يبدو الاستقرار هو مستقبل الوضع في سورية ونظامها الجديد أمام تعقيدات كثيرة يعجز عن حسمها، ولا الإنجازات الإسرائيلية الميدانية قابلة للثبات ما لم تحسم معها قضية استقرار النظام وقدرته على منح الشرعية لهذه الإنجازات، ومدى قبول تركيا بهذه الهزيمة بخسارة مثالها الوحيد على العثمانيّة الجديدة الذي تمثله سورية.
لا تستطيع لغة تفاخر نتنياهو إخفاء ثلاثة خطوط بيانية تتصاعد بسرعة وقوة بوجه نتنياهو، وتدفعه للسباق مع الزمن للوصول إلى نتائج حاسمة في الساحات المعلقة، والخط البياني الأول هو الذي تحدّث عنه أول أمس، الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأكده مدعماً بتفاصيل مذهلة تقرير مركز الأمن القوميّ في تل أبيب، وجوهر الأمر أن «إسرائيل» التي خسرت الشارع الأوروبي إلى غير رجعة، في طريقها إلى خسارة الشارع الأميركي إلى غير رجعة، ومع الخسارة تلاشي قوة اللوبي الصهيوني في الكونغرس، وانقلاب الصورة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي من نصرة مطلقة لـ»إسرائيل» إلى رغبة كاسحة بفك التلازم بين السياسة الأميركيّة في المنطقة والسياسات الإسرائيلية.
الخط البيانيّ الثاني هو التصدّع الذي تجاوز نقطة الرجوع في الجبهة الداخلية وانقلاب التوازن بين تياري الحرب ودعوات إنهائها، لصالح شارع غاضب يطلب وقف الحرب ولو بقيت حماس وسلاحها في غزة، وتنامي تيار وقف الحرب تصاعدياً بعد بلوغ رقم المليون متظاهر، تحت إيقاع الصواريخ اليمنية التي تجعل الجبهة الداخلية تحت تأثير تداعيات استمرار الحرب على غزة، أما الخط البياني الثالث فهو تهالك الجيش وتراجع أدائه وفقدانه القدرة على تحقيق إنجازات، ليس استناداً إلى ما تقوله وقائع الميدان والوقائع حول فشل عمليات تعبئة الاحتياط وتراجع الروح القتالية وتهالك أداء الجيش ومعداته، بل وهذا هو الأهم وفقاً لما يقوله تقرير عسكري نشرته القناة 12 العبرية يتحدّث بوضوح عن فشل الحرب على غزة، ويبشر بالمزيد من الفشل واستحالة الفوز بالحرب.
الخطوط البيانية الثلاثة متسارعة صعوداً، ولا تملك قيادة الكيان ومن خلفها إدارة ترامب القدرة على تغيير اتجاهاتها، لا التحكم بمساراتها، ولا تعلم كل من واشنطن وتل أبيب بالموعد الذي تخرج فيه هذه الخطوط البيانية عن السيطرة وتبلغ الحافة الانهيارية، لذلك يلهث ترامب ونتنياهو لتسريع العملية العسكرية في غزة ولو بتخفيض الاستعدادات اللازمة، اختصاراً للوقت، كما يضغط ترامب ونتنياهو لتحقيق إنجازات أمنية وسياسية على جبهتي سورية ولبنان، عبر تهديد قيادات البلدين ودفعها نحو خيارات انتحارية، في سورية بالتلويح بتهديد أمن النظام الحاكم واستقراره، والتهديد بالعودة إلى نظام العقوبات، وفي لبنان بالتهديد بحرب تشنّها «إسرائيل»، وحرمان لبنان من تدفق الأموال اللازمة للإعمار وإنعاش الاقتصاد.
ما يجب أن تدركه قيادات لبنان وسورية، هو أن ثمن الاستجابة للعجلة الأميركية الإسرائيلية تهديد أكبر للاستقرار، لأن سير الحكم الجديد في سورية بتلبية طلبات واشنطن وتل أبيب يعني الانقلاب على تركيا وقطر، ولهما في الداخل السوري أوراق قوة سياسية وأمنية وعسكرية لن يتأخر تفعيلها وتفجير الوضع وانهيار النظام والاستقرار، بينما سير الحكم في لبنان بالطلبات الأميركية الإسرائيلية فهو تعريض البلد للانكشاف أمام نوايا التوسّع الإسرائيلي المتوحش، بعد تجريد لبنان من كل أسباب القدرة على تعطيل هذا التوسع ومقاومته، إضافة إلى ما قد ينجم عن المضي قدماً بالمواجهة مع المقاومة من مخاطر على استقرار لبنان ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، طالما أن الحكم لا يعرض على اللبنانيين حلاً مشرفاً يعيد الأرض ويحفظ الأمن ويُعيد النازحين ويعمّر ما دمّرته الحرب.
الحد الأدنى من البصيرة السياسية يوجب التروي طالما أن الأميركي والإسرائيلي يريدان العجلة، ويوجب الحرص على عدم اتخاذ قرارات كبرى خلال الشهور القليلة القادمة، خصوصاً أن مهلة نهاية العام التي يجري تكرارها للبنان وسورية وغزة، لا تأتي صدفة بل هي تعبير عن الحاجة للتفرّغ للانتخابات القادمة في أميركا و»إسرائيل»، دون حمل الألغام المتفجّرة وتأثيراتها على الناخبين خلال السنة الانتخابية. وهذا يعني إما قبول تسوية بشروط أفضل لغزة ولبنان وسورية، أو مواصلة الحرب بشروط تزداد معها الخطوط البيانيّة شداً على خناق الحاكمين في واشنطن وتل أبيب، وتحول استمرار الحرب إلى منصة تعمل لصالح غزة ولبنان وسورية في التأثير في مسار الانتخابات.
العقل يقول لا تتخذوا قراراتكم الآن وأجلوها للصيف المقبل وامسكوا التأثير على الانتخابات لصالحكم، وإن اضطر الأميركي والإسرائيلي إلى وقف الحروب تمكنتم من الحصول على أفضل شروط التسويات، ومن يواكب العجلة الأميركية الإسرائيلية بمثلها غير آبه بتداعياتها القاتلة يتحمل مسؤولية تفجير بلده وتقديمه صحناً دسماً على مائدة نتنياهو التي يرعاها ترامب.