اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٧ حزيران ٢٠٢٥
خاص الهديل …
قهرمان مصطفى…
شكّل الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية مؤخراً، بالتزامن مع قرابة الاسبوعين من القصف الإسرائيلي، منعطفاً حاسماً في مسار الصراع بين طهران والغرب؛ فتدخل واشنطن المباشر نقل المواجهة من مرحلة الرسائل والضغوط إلى مرحلة أكثر خطورة، لتواجه إيران أحد أخطر التحديات منذ ثورتها عام 1979، وتحديداً في عهد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
فمنذ تسلمه منصب المرشد الأعلى عام 1989، بعد أن شغل منصب الرئاسة خلال سنوات الحرب الإيرانية – العراقية، بنى خامنئي رؤيته للسياسة الخارجية والأمن القومي على أساس 'العداء المستدام للغرب'، وخاصةً الولايات المتحدة وإسرائيل.. وتحت قيادته، اعتمدت طهران على أدوات متعددة: برنامج نووي مثير للجدل، دعم لفصائل مسلحة حليفة مثل حزب الله وحماس، إضافة إلى سياسة توسعية في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
خامنئي يعتبر أن إيران محاصرة في معركة وجودية، وهذه الرؤية تعززت بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، الأمر الذي غذّى قناعة المرشد بأن أي تقارب مع الغرب هو ضعف استراتيجي، وأن المقاومة وحدها تضمن بقاء النظام واستقلالية قراره.
ورغم الخطاب المتشدد، تُدرك طهران حدود قوتها العسكرية، خاصة أمام التفوق الجوي والتقني الأميركي؛ فالجيش الإيراني يعاني بحسب مراقبين من تقادم تجهيزاته، واقتصاده مثقل بالعقوبات، وشعبه في حالة سخط داخلي. لكن خامنئي لا يرى في ذلك سبباً للتراجع، بل دافعاً لتعزيز صموده، ويمكن القول أن هذا ما دعاه لبناء سياسة 'اللاحرب واللاسلم' كتكتيك لامتصاص الضغوط دون تقديم تنازلات حقيقية.
وعلى غرار تجربة طهران الناجحة في العراق بعد عام 2003، عندما أوعز خامنئي لقاسم سليماني بإغراق القوات الأميركية في مستنقع دموي عبر حلفائها على الأرض، يسعى المرشد اليوم لتكرار هذا النموذج، إنْ لزم الأمر، في أي مواجهة مباشرة.
الرد الإيراني الأخير، الذي طال قاعدة 'العديد' الجوية الأميركية في قطر، جاء مدروساً. فإيران أبلغت بعض الأطراف مسبقاً بنيّتها الرد، لتؤكد أنها قادرة على إيصال رسائلها العسكرية دون التورط في تصعيد شامل؛ وهذا ما يُفسر أن خامنئي لا يسعى إلى حرب مفتوحة، لكنه بالمقابل لن يقبل أن تُضرب بلاده دون رد.
الهدف الإيراني من هذه الضربات لم يكن إلحاق أذى بالغ، بل ترسيخ معادلة جديدة: أي هجوم لن يمر من دون رد، ولو بشكل رمزي، مما يُبقي إيران حاضرة بقوة في حسابات أي قرار عسكري أميركي أو إسرائيلي.
وفي حال تصاعدت الحرب، فإن ورقة إيران الأخطر ستكون برنامجها النووي؛ حيث تشير التقديرات إلى أن منشآت كفوردو، المدفونة عميقاً في الأرض، ربما نجت من الهجوم الأميركي على عكس الرواية الرسمية الأميركية أنها دُمرت بالكامل. وإذا تبيّن لطهران أن الضربات لم تلحق ضرراً جوهرياً، فقد تجد نفسها أقرب إلى خيار 'الذهاب حتى النهاية' نووياً، أي تحويل ما لديها من يورانيوم عالي التخصيب إلى سلاح.
هذا الخيار، رغم مخاطره، قد يُستخدم كورقة تفاوض أو كوسيلة ردع نهائي، خاصة إذا استمرت الولايات المتحدة في الضغط دون الدخول البري المباشر، وهو ما تتجنبه واشنطن حتى الآن.
في كل ما يفعله، لا يسعى خامنئي إلى نصر سريع، بل إلى إرهاق الخصوم. وفي ظل هذه الرؤية، فإن أي تصعيد مستقبلي – سواء باستهداف السفن في الخليج أو إغلاق مضيق هرمز أو تصعيد ميليشيوي في المنطقة – سيكون جزءاً من استراتيجية الضغط القصوى، لإبقاء الكلفة عالية على من يسعى لإضعاف طهران أو إسقاط نظامها.
خلاصة المشهد، إيران لا تبحث عن حرب، لكنها مستعدة لها. وخامنئي لا يطمح لاتفاق، لكنه قد يُجبر على تفاوض بشروطه. وبين الخطوط الحمراء الأميركية والهواجس الإسرائيلية، تتحرك طهران بحذر، ولكن بثقة مكتسبة من عقود من الصمود والمناورة.
والسؤال المطروح اليوم: هل تستطيع إيران مواصلة هذا التوازن الدقيق، أم أن لحظة تجاوز الخط النووي قريبة بالفعل؟