اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٢ أيلول ٢٠٢٥
يصعب فهم عجلة الحياة التي تتحكّم بيوميات لبنان، مستحقاً لقب بلد الغرائب، إلى حدّ الإنكار والإنفصام.
ليس خافياً انقسام الشعب اللبناني، والهوّة الكبيرة بين مكوناته الطائفية والحزبية والسياسية، وإن كان يرفع شعارات العيش المشترك والسلم الاهلي ولبنان الرسالة، في أعياده الوطنية وطقوسها الفولكلورية. لكن ما يحدث أكبر من اختلاف في الموقف والرأي والمعتقد، إنما ظاهرة سيكولوجية تُدَرَّس. وإلا كيف نفهم أن تعيش كل هذه الجمهوريات اللبنانية على تناقضاتها تحت سماء وطن واحد؟كيف نفهم أن يُقتَل لبناني فيما اللبناني الآخر يغرق في تفاصيل اهتماماته وكأن أمراً لم يكن؟يعاني اللبناني من مرض جديد إسمه التأقلم. اعتاد على الأزمات والحروب والموت اليومي. اعتاد على ضعفه ولا مبالاته ومقاربة مصائبه بالسخرية على مواقع التواصل الإجتماعي.يحدث أن يصيب هذا المرض اللبنانيين حتى أمام مشاهد القتل والموت. فالخبر الذي كان حدثاً يصبح مجرّد عنوان يتكرّر في كل يوم.يكاد لا يمرّ نهار منذ اتفاق وقف إطلاق النار، في تشرين الثاني 2024، من دون خبر عاجل يرنّ على هواتفنا، عن غارة استهدفت سيارة أو دراجة في منطقة لبنانية، وغالباً ما تكون في الجنوب او البقاع وجبل لبنان.تؤدي هذه الغارات، من دون استثناء، إلى سقوط شهداء، بمعدل شهيد أو أكثر يومياً. لكن الخبر ينتهي عند نشره وكأن شيئاً لم يكن، إنه من يومياتنا اللبنانية البشعة.لقد تعوّدنا أن بلادنا بلا سيادة، وأن أجواءنا مستباحة كما أرضنا وبحرنا، وأن خرق جدار الصوت أمر طبيعي كما البرق والرعد والصواعق.نخرج أحياناً عن طورنا، نقلق ببيانات ننشرها copy paste منذ عقود، في حفلة الاستنكار والإدانة وغثيان الوطنية والسيادة.لقد تعوّدنا أن نموت كلّ على حدى وكلٌّ من أجل قضيته وطائفته. فبات لكل منّا شهداؤه وأعلامه ومؤسساته وأغانيه ودولة حنون ترعى مشاعره وخوفه من الآخر.هكذا اليوم، يموت بعضنا بينما يتفرّج بعضنا الآخر، تماماً كما حصل بالامس وقبله منذ سنوات. لا نريد أن نتشارك الموت طبعاً، فلنوصد باب الحزن، ونتشارك الحياة ونوحّد دمنا لو لمرّة. لا نريد ان نشبه بعضنا، بل أن نشبه إنسانيتنا وتشاركنا الأوكسيجين نفسه في هذه القطعة سما.
تفاءلنا كثيراً، لكن في الحقيقة أننا تعوّدنا دائماً أن نستقل حافلة بلا فرامل، وأن ننتحر في القارب المثقوب نفسه... على قاعدة اللي بيغيّر عادتو بتقلّ سعادتو.