اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٥ أيلول ٢٠٢٥
من غير الواضح بعد كيف ستتّجه الأوضاع جنوبًا، لكن المؤكّد أن حجم الخسائر في القطاعَين التجاري والصناعي كبير، مع توقف شبه كامل في مختلف المصالح. حتى سوق العقارات تشهد جمودًا غير مسبوق، فالحركة متوقفة والكلّ يترقب.
الناس يتريّثون، والتجار والمستثمرون ينتظرون تبلور المشهد قبل اتخاذ أي قرارات، ليبنوا على الشيء مقتضاه.
جلّ ما في الأمر أن صورة الحرب هي الحاضر الأكبر، وهي التي تُخيّم على كلّ شيء. هذا الواقع أدّى إلى جمود في السوق يرافقه ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، حتى أن الزيادة التي أقرتها الحكومة على يومية العامل، من 850 ألف ليرة إلى مليون و 300 ألف، ذابت كليًا في موجة الغلاء، ولم تُحدث أي فرق فعلي في القدرة الشرائية.
فالخوف من التصعيد، وتردّي الأوضاع الاقتصادية، يُلقيان بثقلهما على حياة الناس، والأسواق تدفع الثمن.من السابق لأوانه التكهّن بما تحمله الأيام المقبلة، في ظلّ التصعيد الإسرائيلي المستمرّ، وإن كان سيُفضي إلى حرب مفتوحة أشدّ قسوة مما شهده الجنوب سابقًا.لكن الثابت الوحيد في المشهد، هو التداعيات التي يتحمّلها المواطن، باعتباره الحلقة الأضعف في هذه المعادلة الثقيلة.
في جولة ميدانية لـ نداء الوطن على الدوائر الرسمية، والمدن الصناعية، وحتى المحال التجارية، كانت الخلاصة واحدة:ما في شغل... الكل ناطر.
عبارة يردّدها الجميع، حتى في العقارية في النبطية، التي لطالما ضجّت بالوافدين، تحوّلت اليوم إلى مكان خالٍ.
يقول أحد معقبي المعاملات: فرضية الحرب جمّدت السوق، الكلّ يفضّل أن يحتفظ بسيولة بدل أن يشتري أو يبيع.
ويضيف أن سوق العقارات كانت قد شهدت فورة كبيرة قبل الحرب وأيامها الأولى، من تسجيل وبيع ونقل ملكية، أمّا الآن، فالوضع جمود تام، في ظلّ ارتفاع كلفة المعاملات و الكومسيون.
هذا الجمود تلمسه أيضًا في المدن الصناعية التي نشطت لفترة وجيزة بعد الحرب، ثمّ عادت إلى الركود، إلى درجة أن الزبون الذي يدخل لتصليح عطل بسيط، كأنه يشتري قطعة ذهب، كما يصف أبو فؤاد، الميكانيكي المخضرم، الواقع.
ويضيف: المضطر بس هو يلي بيجي، ما في حركة، والناس كلهم خائفون ومترقبون.
مشهد الجنوب اليوم يختصره الخوف والتريّث، والأسواق تنام على قلق الحرب الآتية... أو ربما لا.
لم يعتد أبو فؤاد هذا المشهد.
في العادة، كان محلّه يضيق بالسيارات والمراجعين، أما اليوم، فيتسلّى بتدخين النرجيلة ومتابعة التطوّرات المتسارعة. يقول:
الناس عم تتريّث بأي خطوة، بتفكّر مرتين قبل أي صرف، بتفضل تحتفظ بسيولة بإيدها خوفًا من الحرب أو النزوح، لأن الكل جرّب ويلات النزوح بالموجة الأولى.
هي حرب من نوعٍ آخر دخلها أبناء الجنوب... الحرب النفسية. فما يعيشونه من توترات وصدمات يوميّة ليس بالأمر السهل.
وهم الذين اعتادوا الحروب، من عدوان تموز إلى أيلول 2024، لكن العدوان المتواصل اليوم مختلف، أشدّ تأثيرًا، وأقسى وقعًا.
ما منعرف وين رح يضرب أو أي سيارة رح يستهدف... عبارة تتردّد على لسان كثيرين، يتبعها صوت التعب الجماعي: تعبنا.
فالجميع بات يطالب بحلّ، أو على الأقل بفسحة أمان.
الواقع الأمني المتأزم انعكس أيضًا على عمل البلديات، التي دخلت في حالة جمود، على عكس ما كان متوقّعًا من الانتخابات البلدية الأخيرة.
فبدل أن تحمل البلديات الجديدة بعض الفرج، ما حملته كان حزمة ضرائب ورسوم جديدة على المواطن المفلس، في محاولة لرفد صناديقها الفارغة.
معظم صناديق البلديات اليوم مفلسة، والأحزاب السياسية رفعت الغطاء المالي عنها، بل طالبتها برفع الرسوم على المعاملات، لتظهر بدعة الهبة التي تُفرض على كل من يريد إنجاز معاملة بلدية، بحجّة خفض التخمين لتوفير الرسوم على المواطن في المالية.
لكن الواقع مختلف: الهبة تصل إلى 1000 و 2000 دولار، ومن يرفض، يتم وضع تخمين مرتفع لأرضه بما يوازي الرسوم كاملة... وكأنها معاقبة صريحة.
هذا الأمر بدأ يقضّ مضاجع المواطنين، الذين يشعرون بأنهم مستغَلّون على كل المستويات. وفي وقت يُفترض بالبلديات وضع خطط طوارئ تحسّبًا لأي حرب قادمة.
ويُضيف أبو فؤاد أن هذا الواقع بطبيعة الحال انعكس على حركة العمل، ونشاط المناطق الصناعية، فيما الاستهدافات المتكررة شلّت المنطقة بالكامل.
لا يُنكر أبو فؤاد حجم الخسائر التي يتكبّدها يوميًا: ما عم نطلع مصروفنا اليومي، والمصيبة إذا حدا مرض، هون الكارثة، لأن فاتورة الاستشفاء بتعمل جلطة!.
منطقة النبطية، كما الجنوب عمومًا، لم تلملم بعد آثار الحرب، فالتداعيات لا تزال حاضرة وبقوّة، وتركت أثرها على كلّ شيء، حتى في دكان يسرى الصغيرة. تجلس خلف طاولة البيع وتقول:
ما عارفين نبيع ونشتري، كل يوم بيجينا التاجر بسعر جديد وأعلى، ذاب رأس المال بالغلاء، والوضع عم يتراجع يوم عن يوم، الحرب والغلاء وقلة الحيلة عم تقتلنا.
وتسجّل يسرى خسائر يومية: ما بقى قادرين نتعامل مع الوضع... لا رقابة، ولا تفسير منطقي لهذه الارتفاعات اليومية.