اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٣ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
أخطر ما يمكن أن يتخيله أبناء المنطقة هو أن يشاهدوا الخرائط موضوعة على طاولة الدول الكبرى.. هذا يعني أن هناك عواصف قادمة؛ وأن التاريخ يتحرك على نحو يشبه نتائج الزلزال!!.
خلال السنوات الأولى من أحداث سورية قال الرئيس نبيه بري في مقابلة معه أن آخر مشهد في الأحداث السورية سينتهي على ضم الجولان نهائياً وسلخ السويدا من سورية وتقسيم لبنان (المقابلة أجريتها معه لحساب صحيفة لبنانية).
وخلال حملته الانتخابية قال ترامب جملة صغيرة هي أخطر جملة يقولها رئيس أميركي وهي قد تكون أبلغ تعبير عن حقيقة الاستراتيجية الأميركية الراهنة؛ قال ترامب إسرائيل صغيرة وبحاجة للتوسعة!!.
أمس قال مبعوث ترامب إلى غير ملف في المنطقة الملتهبة توم براك ما معناه التالي: إن لبنان هو مصيف سوري؛ وأن سوريا هي لاعب جديد في تعبئة فراغات السياسة الأميركية الجيوسياسية في المنطقة؛ وطرح براك ضمناً ما بات يعرف بمعادلة طرابلس لسورية الجديدة بمقابل الجولان وجبل الشيخ وربما أيضاً منطقة أخرى لإسرائيل المتجددة توسعياً.
لا يوجد إلا تفسيرات قليلة توضح السبب الذي دفع براك للإدلاء بهذا الكلام الذي يعتدي على سيادة لبنان ويهدد وحدته ويتطاول على سيادته الوطنية:
التفسير الأول أن تكون خبرة توم براك السياسية قليلة؛ بحيث أنه يسمح لنفسه أن يستعير آخر كلام سمعه من آخر شخص جلس معه من دون أن يستعمل عقله وخبرته في التدقيق به سياسياً وأخلاقياً. فالظاهر أن توم يتنقل باليوم الواحد بين عدة أراء والكثير منها مناقض لما قبله أو لما يأتي بعده!!.
مشكلة لبنان باتت حالياً وفي جزء غير قليل منها؛ هي مع تصريحات مبعوثي ترامب من أورتاغوس المتسرعة وغير الدبلوماسية إلى براك المتهور في إطلاق تناقضاته التي إسمها تصريحاته.
التفسير الثاني لكلام براك وخاصة تصريحه الأخير أمس، قد يكون يؤشر إلى وجود خطة فعلية يسير على هديها براك؛ ومفادها إحداث تغييرات ديموغرافية وجيوسياسية على قياس نظرية أمن إسرائيل الجديدة؛ وهي بناء حدود جديدة لإسرائيل وتغيير حدود سورية الحالية التي ستصبح سورية القديمة.
.. والمقصود هنا هو أن تصبح حدود إسرائيل عبارة عن موانع طبيعية تضم موارد طبيعية: قضم جنوب لبنان بحيث يصبح الليطاني مع موارده هو الحدود الجديدة لإسرائيل؛ بمقابل ضم شمال لبنان المسلم إلى سورية الجديدة مع سلخ الجولان وأيضاً جبل الشيخ عن سورية القديمة لصالح إسرائيل المتجددة توسعياً.
مطلوب أن تسأل الخارجية اللبنانية نظيرتها الأميركية عن ما إذا كان يوجد علاقة بين هذه الخرائط التي يتم تسريبها عن سلخ أجزاء من لبنان لصالح سورية، وبين بعض تصريحات توم براك التي تنحو هذا المنحى!!؟.
التفسير الثالث هو أن تكون إسرائيل هي من ينفخ إعلامياً وسياسياً باتجاه إدخال لبنان في حرب بين الديموغرافيات الموجودة على أرضه بهدف جعل إسرائيل تنعم بثلاث مناطق آمنة لصالحها داخل لبنان: المنطقة الأمنية الأولى هي ما يسمى بمنطقة الحافة؛ التي يقارب عمقها عملياً ال٣ كلم والتي تمنع إسرائيل فيها سير الحياة أو أقله تطورها من خلال استهداف أي شيء يتم بناؤه في هذه المنطقة. المنطقة الأمنية الثانية التي قد تتجه إسرائيل لإنشائها تقع خلف منطقة الحافة وصولاً إلى خط نهر الليطاني؛ وتصبح هذه المنطقة بمثابة خط دفاع ثاني عن إسرائيل داخل العمق اللبناني. أما المنطقة الأمنية الثالثة فهي كل لبنان الذي سيذهب لضمور بحيث يصبح عملياً يمتد من نقطة عند شمال خط الليطاني حتى أبواب منطقة شمال لبنان.
بمقابل هذه السيناريوهات هناك سيناريو واحد يملكه لبنان هو العودة إلى الداخل إلى مشروع الدولة القوية الذي لن يبنيه الخارج بل إرادة داخلية وطنية عارمة. إن ما يميز عهد الرئيس جوزاف عون وما يجب أن يميزه هو أنه يقود البلد وليس منقاداً من معادلات تفرض نفسها على البلد. يجب إعلان الاستنفار الوطني ليس بوجه أحد بل لمصلحة استنهاض كل الطاقات اللبنانية للحفاظ على موقع لبنان فوق خارطة المنطقة المشتعلة والقابلة للضمور في مكان والتوسع في مكان آخر.
.. مرة أخرى أخطر ما يمكن أن تواجهه المنطقة هو الوصول إلى لحظة تضع فيها الدول الكبرى الخرائط على طاولة القرار الدولي!!؛ وهذه اللحظة قد تكون هي سمة هذه المرحلة..