اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ١٢ أيار ٢٠٢٥
في قاعة مكتظة بالحضور، نظّمت الجامعة الأميركية في بيروت المحاضرة السنوية التذكارية للمؤرخ الراحل كمال الصليبي، والتي ألقاها هذا العام المؤرخ الأميركي البارز يوجين روغان، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة أوكسفورد، تحت عنوان:
'أحداث دمشق 1860: وتشكّل الشرق الأوسط الحديث'.
افتتح اللقاء رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري، مرحّبًا بالمحاضر وصديق الراحل الصليبي، مؤكدًا أن الجامعة تفتخر باستضافة أحد أبرز مؤرخي العالم العربي، ومشيدًا بإرث الصليبي كقامة علمية نادرة.
في كلمته التقديمية، وصف الدكتور مكرم رباح، المؤرخ والمحاضر في الجامعة الأميركية، روغان بأنه 'كاتب الذاكرة' الذي 'يجمع الأرشيف بالسرد والوقائع بالبعد الإنساني'، مشيرًا إلى أن كتابه عن مجازر دمشق 1860 'ليس عن الماضي فحسب، بل عن حاضر ممزق بين الثقة والخيانة والإصلاح'.
استعاد روغان في محاضرته مشاهد مأساة دمشق في تموز 1860، مستندًا إلى شهادات تاريخية حيّة من أمثال القاضي محمد سعيد الإسطواني والطبيب ميخائيل مشاقة ومحمد أبو السعود الحسيبي، ليسلط الضوء على اندلاع العنف الطائفي، وما خلّفه من مجازر بحق مسيحيي المدينة. ولفت إلى أن الأحداث أدت إلى مقتل أكثر من 2500 شخص في يوم واحد، وتسببت بتهجير الآلاف، في لحظة مفصلية كشفت ضعف الإمبراطورية العثمانية أمام الضغوط الأوروبية الداخلية والخارجية.
كما توقّف روغان عند الإصلاحات العثمانية التي سبقت الأحداث، وأثارت انقسامات مجتمعية عميقة في مدينة دمشق المتعددة الثقافات. وأشاد بدور الأمير عبد القادر الجزائري الذي آوى مئات المسيحيين في منزله، كما تحدّث عن استجابة الباب العالي، الذي أوفد أحمد فؤاد باشا لمعاقبة المسؤولين والتعويض على المتضررين.
في حوار تفاعلي مع الحضور، طرح البعض أن 'مجزرة دمشق مهّدت لولادة بيروت الحديثة'، فردّ روغان بأن 'بيروت كانت على مسار صاعد حتى قبل 1860، لكن النظام السياسي اللبناني ظلّ امتدادًا لجذور طائفية، بخلاف النموذج السوري الذي تطور لاحقًا باتجاه لاطائفي يقوم على المواطنة'.
ختم روغان محاضرته بالتأكيد على أن التاريخ لا يروي الماضي فحسب، بل يضيء على الحاضر والمستقبل، وأن أحداث دمشق 1860 تظل جرس إنذار مستمر حول هشاشة التعايش ما لم يقم على أسس العدالة والمساواة.