اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٨ حزيران ٢٠٢٥
من يقرأ تصريحات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، حول السلاح ومزارع شبعا يدرك أن لبنان ينحدر نحو مشهد شديد الخطورة قد يُمهّد لعدوان إسرائيلي وشيك، بمعزل عن النوايا التي حملها كلامه، والتي فسّرتها مصادر في الثنائي الوطني «حزب الله - حركة أمل» على أنها محاولة جديدة من الرجل للإمساك بالعصا من الوسط، بين الداخل والخارج.
ببساطة، قلّلت المصادر من تصريح جنبلاط حول السلاح الى حد القول ان كلامه لا «يقرش بالسياسة»، ويحمل بُعداً داخلياً فقط، يتمثل بمحاولة خلط الأوراق مع القوى السياسية المحلية كالقوات مثلا فيما يخص مسألة السلاح، من دون التعرّض مباشرة لسلاح المقاومة، واضعة هذا الطرح في خانة « داخل مقابل داخل»، مسقطة بذلك عن جنبلاط أي تهمة بالتواطؤ ضد حزب الله أو مشروع المقاومة «فما قاله الرجل في مسألة السلاح ليس اللهجوم على الحزب، لان سلاحه خارج المقاربة التي قدمها»... وفي السياق، كشفت معلومات موثوقة ان موقف جنبلاط جاء منسّقا مع الرئاسات الثلاث، وان هدفه هو فتح الطريق كما يقال لترتيب الأمور ووضع سلاح حزب الله على الطاولة.
وإذا كان موقف جنبلاط من السلاح لا يعول عليه عمليا، فان قراءة موقفه من مزارع شبعا ليست أفضل، إذ لا يكفي وفقا للمصادر أن يخرج جنبلاط ويقول مزارع «شبعا ليست لبنانية» لتصبح كذلك، فالأمور لا تحدث «بشحطة قلم» كما يقال، فملكية الأرض ليست وجهة نظر، وإذا كان جنبلاط يملك ما يدعم كلامه، فليتفضّل ويقدّمه... في المقابل، فان أهل شبعا لديهم صكوكا قانونية تثبت ملكيتهم لها، وعلى الجانب الآخر، ربما لا يعلم جنبلاط ان سوريا لم تعلن عن ملكيتها للمزارع، وإذا أعلنت ذلك، فلتقدّم المستندات التي تثبت ذلك.
وبالتزامن مع هذا التصريح الحسّاس توقيتا ومضمونا، تتعامل أوساط سياسية في بيروت بقلق مع إشارات متزايدة تفيد بأن العدو الإسرائيلي لم يغلق بعد ملف العدوان على لبنان، بل يزعم أن حزب الله لا يزال يشكّل تهديداً استراتيجياً يستدعي المعالجة... وتتحدث هذه الأوساط عن وجود نوايا إسرائيلية لإعادة خلط الأوراق على الساحة اللبنانية، بحجة أن الحزب يسعى إلى ترميم قدراته، وأن هذا «الاستفزاز» وفق الرواية الإسرائيلية لا يمكن السكوت عنه.وكشفت الاوساط عن وجود مؤشرات مقلقة عن مرحلة جديدة من الضغوط الدولية التي تضع لبنان أمام احتمالات خطيرة، ليس أولها التصعيد الأمني الداخلي، ولا آخرها التعامل مع ملف «حزب الله» وسلاحه من زاوية دولية لا لبنانية هذه المرة، على اعتبار أن احتمال فشل الدولة اللبنانية في حل هذا الملف ضمن مهلة محددة لا تتعدّى الأشهر سيؤدي إلى تغيّر في قواعد الاشتباك، وربما يدفع إسرائيل بمؤازرة أميركية غير معلنة إلى شنّ عدوان محدود وخاطف بهدف ضرب البنية الصاروخية لحزب الله في البقاع والجنوب حسب زعم العدو.
وأكدت الأوساط ذاتها ان الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة وآخرها استهداف النبطية لم تعد مجرد خروقات، وهي تترافق مع سكوت دولي تام، وهذا الصمت هو أقرب إلى التواطؤ المقصود، خصوصاً إذا ما وُضع في سياق ما يجري تداوله داخل الدوائر الغربية حول ضرورة إنهاء حزب الله عسكريا بشكل كامل وبالقوة إذا لزم الأمر حسب توصيفهم، قبل الدخول في أية مفاوضات مع الدولة اللبنانية حول الانسحاب الإسرائيلي وترسيم الحدود وإعادة الإعمار.والخطير هنا بحسب الأوساط ليس فقط غياب الغطاء الدولي للبنان، بل الغياب الداخلي أيضاً، فالدولة اللبنانية تبدو حتى الآن غير قادرة على إيقاف الانتهاكات والعدوان الإسرائيلي المستمر منذ توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، ما يترك لبنان مكشوفاً أمام عدوان إسرائيلي شامل ومفاجئ في أية لحظة.
وبحسب المصادر، فإن الجانب الأميركي لمّح عبر مبعوثه توماس براك في زيارته الأخيرة للبنان إلى ضرورة أن تتحمّل الدولة اللبنانية مسؤوليتها في بت مسالة ترسانة حزب الله الثقيلة خلال ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، وإلّا فإن التباطؤ قد يستخدم دوليا لتبرير تصعيد إسرائيلي وشيك.
وهكذا، لا يحتاج من يراقب المشهد إلى خيال واسع ليدرك أن الأرض اللبنانية تتهيّأ نحو انفجار لا تُعرف نتائجه، لكن تعرف أهدافه التي تنقسم الى قسمين، داخلي حسب ادّعاء العدو يتعلق بالقضاء على الجناح العسكري للحزب، ودولي بقطع يد إيران في لبنان.
وعليه، فإن النقاش الداخلي حول سلاح المقاومة لا يمكن عزله عن تطورات الإقليم وتحديدا نتائج الحرب «الإيرانية - الإميركية»، والرهان الواقعي اليوم هو على التفاهم والتكاتف بين القوى اللبنانية، وبناء رؤية استراتيجية وطنية تحفظ التوازن وقوة الردع التي ما زالت تملكها المقاومة.