اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢ أب ٢٠٢٥
يُعدّ المركز الثقافي الإسلامي في بيروت منارة ثقافية وفكرية وروحية مضيئة في قلب العاصمة اللبنانية، وصرحاً وطنياً جامعاً رسّخ مكانته على مدى العقود كذراع ثقافي فاعل لدار الفتوى، معبّراً عن رسالته التنويرية، ومكملاً لدوره الديني والاجتماعي، عبر نشر الفكر الإسلامي المعتدل، وتعزيز ثقافة الانفتاح والعيش المشترك، وترسيخ قِيَم المواطنة والوحدة الوطنية.
وقد جاءت نشأة المركز في مرحلة كانت بيروت، بل ولبنان بأسره، أحوج ما يكون إلى مؤسسات تجمع ولا تفرّق، تحمي الإنسان وتحصّن المجتمع بالفكر والمعرفة، وتقدّم نموذجاً حضارياً يعبّر عن صورة الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلى السلام، ويرفض الغلو والتعصب والعنف. ومن هنا، بدأت العلاقة الوثيقة بين دار الفتوى والمركز الثقافي الإسلامي، علاقة تلاقٍ وتكامل، عزّزت من حضور المؤسسة الدينية الإسلامية في الحياة العامة، وفتحت المجال أمام خطاب معتدل حكيم، ينهل من تعاليم الإسلام الوسطية، ويعبّر عن نبض الشارع اللبناني في آنٍ معاً.
ويُضطلع المركز الثقافي الإسلامي بمهمة نبيلة تتعدّى حدود الطابع الديني لتشمل الشأنين الوطني والإنساني، حيث شكّل خلال العقود الماضية منبراً للحوار، وملتقى للفكر، ومنصة للثقافة الراقية، مجسّداً بذلك رسالته كمنارة روحية وثقافية تشعّ من قلب بيروت. لم يكن المركز يوماً مغلقاً أو موجّهاً لفئة دون أخرى، بل حرص على أن يكون مظلّة جامعة لكل اللبنانيين، من مختلف الطوائف والمناطق، عبر نشاطات تؤكد على التعدّدية واحترام الآخر، وتعزز أسس التفاهم والوحدة الوطنية.
وينطلق المركز من قناعة راسخة بأن الإسلام المعتدل لا يتناقض مع الانتماء الوطني، بل يُعزّزه ويثبّت ركائزه، ولهذا يرفض كل الدعوات التي تُهدّد وحدة لبنان، سواء عبر مشاريع التقسيم أو الطروحات الفيدرالية والكونفدرالية التي تؤسس للانقسام، لا للوحدة. كما يقف بكل وضوح بوجه كل أشكال العنف والتطرّف والإرهاب، داعياً إلى ثقافة الحوار والانفتاح واحترام القانون، مؤمناً بأن العدل هو أساس الحكم، وأن الكرامة الإنسانية هي جوهر الرسالة الدينية.
كذلك، فلا يقتصر دور المركز الثقافي الإسلامي على التعليم الديني أو الوعظ والإرشاد، بل يتّسع ليشمل مجالات أرحب من الثقافة العامة والتوعية الاجتماعية والدفاع عن القضايا الوطنية والإنسانية. حيث يلعب المركز دوراً مهماً في رعاية الندوات الحوارية بين الأديان والطوائف، ويشجّع على اللقاءات الفكرية التي تسعى إلى تحصين لبنان من خطر الانغلاق والانعزال، عبر ترسيخ ثقافة العيش المشترك، والانفتاح المذهبي، والتسامح الديني، بما يعكس روح الدستور اللبناني، وميثاق العيش الواحد.
كما يُولي المركز اهتماماً خاصاً بتعزيز التربية الأخلاقية والوطنية، وإشاعة مفاهيم العدالة الاجتماعية، والتكافل الإنساني، وحقوق الإنسان، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد. ومن هنا، تبرز مساهماته المستمرة في نشر الثقافة، وتوزيع المساعدات، وتنظيم الأنشطة الخيرية، بما يجعل من العمل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من رسالته.
كما يتميّز المركز الثقافي الإسلامي بيروت، بحفاظه على أصالته وقِيَمه، مع حرص دائم على تجديد أساليبه، وتحديث وسائله، بما يواكب العصر ويخاطب الأجيال الجديدة بلغة مقنعة وهادفة. وهو ما يتجلّى في برامجه الثقافية والدينية والتوعوية المتنوعة، التي تشمل محاضرات فكرية، وندوات حوارية، وورش عمل تدريبية، وأنشطة شبابية، وكلّها تصب في تعزيز قِيَم المعرفة والانتماء والوحدة والمسؤولية الاجتماعية.
ولا شك أن المكانة التي يحتلّها المركز اليوم، تعود إلى الإيمان العميق من قبل القائمين عليه برسالته الدينية، وإلى التزام أعضائه برسالة الخير وخدمة المجتمع، وهو ما جعله بيتاً للفكر، ومأوى للضعفاء، وركناً ثابتاً في معادلة الصمود الثقافي والوطني في بيروت، المدينة التي حملت دوماً لواء التنوّع والانفتاح.
وبالختام، في زمن تتصاعد فيه أصوات التطرف والانقسام، ويكثر فيه الحديث عن انهيارات وتراجعات، يبقى المركز الثقافي الإسلامي بيروت، شاهداً على إمكانية الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الدين والوطن، وبين الاعتدال والتجدّد. إنه نموذج يُحتذى به في العمل المؤسسي النزيه والهادف، الذي يسعى إلى بناء الإنسان وتحصين المجتمع، ويؤمن بأن العلم والثقافة والخير هي أدوات التغيير الحقيقي. إذ يُعدّ المركز الذراع الثقافي لدار الفتوى اللبنانية، كما يتطلّع إلى مواصلة رسالته النبيلة، بثبات وإرادة، ليظل منارة إشعاع روحي وفكري، تضيء دروب بيروت ولبنان بأسره، وتؤكد أنّ الاعتدال ليس خياراً وحسب، بل ضرورة وطنية ودينية، وأسلوب حياة راقٍ يعيد للبنان مكانته كرسالة حضارية وإنسانية في هذا الشرق المتألم.