اخبار لبنان
موقع كل يوم -المدن
نشر بتاريخ: ٢٩ أذار ٢٠٢٤
لا يكتب التاريخَ منتصرٌ أو مهزومٌ، إنما يدونه وعي مرهون بلحظة توثيقه، ويقرأه كذلك وعي مرهون بلحظة تلقيه، وكل إعادة لكتابة التاريخ، أو كل استعادة لأحداث الماضي، إنما يصيغها ويستقبلها وعي العصر الذي استعيدت فيه. هكذا، ليس هناك موضع لمحاكمة عمل فني استقى من الأمس حكايته وخالفها، أو افترض سردية جديدة لمجريات الأحداث فيها، لأنه صار وثيقة عن الحاضر.
فيلم 'الناصر صلاح الدين'، مثلاً، وثيقة عن وعي ستينيات القرن العشرين، و'المصير' وثيقة عن تسعينياته، وليسا وثيقتين عن بعض أحداث القرن الحادي عشر التي وقعت في القاهرة أو الأندلس، رغم ذلك فإن أي كتابة/قراءة لذلك الوعي الحاضر تختل من دون مقاربته بما سلف، وتجعل منه مجرد فرضية جديدة استخدمت التاريخ فانتقت أو حذفت أو أضافت أو أبدلت من دون أن تنتج وعياً جديداً جديراً بالتأمل، كما تفقدها شرط الجودة الفنية الذي يصنع منها حواراً يسائل الحدث والمتلقي على السواء.
وتلك مقدمة ضرورية، لا يفرضها فقط الجدل المثار حول المسلسل الرمضاني 'الحشاشين'، من إنتاج 'الشركة المتحدة'، وتأليف عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمي، بل يفرضها أيضاً سؤال تركه حسن بن الصباح (يؤدي دوره كريم عبد العزيز) معلقاً فوق جدران سجنه في الحلقة السابعة من المسلسل، حين كتب بالفارسية: 'حسن الصباح سكن هنا'، فأي حسن هذا الذي بقي هناك؟
سيرة لنبي يسود وأخرى لمناضل هارب
من الضروري التأكيد أن ثمة سرديتين لسيرة الحسن. إحداهما صاغها الرحالة الإيطالي ماركو بولو، المولود بعد رحيل بن الصباح بـ130 سنة، بعين النخبة الأوروبية التي كانت على صِدام مع الكنيسة في عصورها الوسطى، فجعل من حكاية الزعيم الشيعي عبرة على أن الدين هو الخطر الداهم الذي يواجه العالم، وأن له تأثيراً سالباً للعقل والإرادة، فرفع حسن إلى مصاف الأنبياء وجعل من المؤمنين به بيادق شطرنج مستعدة لفدائه ودعوته بأرواحهم.
في حكاية بولو، يصاحب حسن منذ صباه الوزير نظام الملك والشاعر عمر الخيام، ويخاصمهما حد الاقتتال كهلاً. وفي حكاية الرحالة الإيطالي أيضاً يصنع 'النبي الشيعي' جوار معقله في قلعة 'آلاموت' فردوساً من حدائق وأعناب وأنهار حليب وخمر يحمل إليها فدائييه منومين بعد إطعامهم القنب (الحشيش)، ويسحبهم منها منومين بالمثل بعد تنعيمهم فيها لبضعة أيام، قبل أن يعدهم بالخلود فيها إن نفذوا أوامره.