اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢١ أيار ٢٠٢٥
خاص الهديل…
لم يكن إعلان تل أبيب عن استعادة أرشيف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين مجرد خبر استخباري عابر.
أكثر من 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية، نُقلت من دمشق إلى إسرائيل، في عملية 'معقدة' بحسب مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبمساعدة جهاز استخباراتي 'شريك استراتيجي'؛ وعليه فخلف هذا الإعلان، تتوارى إشارات سياسية دقيقة لا تقل أهمية عن محتوى الوثائق نفسها.
السؤال الأساسي لم يكن عن كيف نجحت إسرائيل في تنفيذ العملية، بل: لماذا الآن؟ ولماذا بعد عقود طويلة من الفشل، رغم أن سوريا مرت بمحطات انهيار أمني وعسكري أعمق بكثير مما تعيشه اليوم؟ لم تتمكن تل أبيب من الوصول إلى مقتنيات كوهين حتى في عز الانقلابات العسكرية أو خلال فوضى الحرب السورية، فهل كانت العقبة أمنية فعلاً، أم أنها سياسية؟
المعطيات الأخيرة ترسم صورة مغايرة.. لقاءات سورية – إسرائيلية في عواصم عربية، زيارات سرية لمسؤولين، الإفراج عن قيادات فلسطينية بضغوط دولية، وتسليم رفات جنود إسرائيليين؛ كلها مؤشرات تُشير إلى تفاهمات تدور في الخفاء، يُحتمل أن يكون ملف كوهين أحد ثمارها.
وبالتالي ما يعزز هذا التصور أن الحكومة السورية، في سعيها نحو تثبيت وضعها داخلياً وخارجياً، لا تملك أوراق ضغط تُذكر، بعكس النظام السابق الذي وظّف تحالفاته مع إيران، حزب الله، والفصائل الفلسطينية في المفاوضات. اليوم، تُقدّم دمشق إشارات 'حسن نية' مقابل لا شيء تقريباً. إسرائيل، من جهتها، تمضي في مشروعها التوسعي، من السيطرة على جبل الشيخ، إلى استكمال ما يُعرف بـ'ممر داود' عبر الجنوب السوري.
باختصار، ما حدث لا يمكن القول عنه أنه 'خرق أمني'، بل نتيجة سياسية وتفاوضية بوساطات خارجية يمكن القول عها أنها بوادر حسن نية للأميركي أولاً وللإسرائيلي ثانياً؛ وعليه فإن إسرائيل لم تحقق فقط إنجازاً استخبارياً، من خلال استعادة هذه الوثائق، بل مكسباً استراتيجياً يعتبر مجانياً يُعيد ترتيب ملامح النفوذ في الجنوب السوري.
أما دمشق، فعليها أن تراجع معادلتها: المبادرات من طرف واحد لا تصنع توازناً، والمفاوضات بلا أوراق قوة لا تنتج إلا المزيد من الخسائر.