نتنياهو يتحسّس رأسه.. مجلس الأمن يزعزع إسرائيل

ضاعف قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة من حجم الأزمات التي ترخي بثقلها على إسرائيل التي باتت بحكم المنبوذة عالميا بعد سقوط كل أقنعتها والكشف عن وحشيتها ودمويتها.

هو القرار 2827 الذي أحنت أميركا رأسها أمامه فإمتنعت عن التصويت وعن إعتماد الفيتو، ليُقر بأصوات 14 دولة بعد مئة وواحد وسبعين يوما من المجازر الاسرائيلية، أسقطت أميركا خلالهم أربعة قرارات في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، إلا أن الضغط الدولي والتبدل الجذري في الرأي العام العالمي، ومخاوف الرئيس جو بايدن من إنقلاب الأميركيين عليه في الانتخابات الرئاسية في حال إستمر على دعمه المطلق للمجازر الاسرائيلية دفعه الى “صحوة” زعزعت إسرائيل.

بدا واضحا التخبط الاسرائيلي في التعاطي مع قرار مجلس الأمن الدولي، حيث إنهالت الانتقادات من المسؤولين في الكيان على الولايات المتحدة الأميركية، ومنع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الوفد الذي كان من المقرر أن يزور واشنطن للبحث في ملف رفح من مغادرة تل أبيب.

لا شك في أن القرار 2827، لا يشبه القرارات السابقة لمجلس الأمن الدولي التي ضربتها إسرائيل بعرض الحائط، لا سيما القرارين 149 و242 وكذلك القرار 425 المتعلق بلبنان والذي نفذته إسرائيل بالقوة تحت ضربات المقاومة في أيار من العام 2000، خصوصا أن العالم بأسره المضطرب والمرعوب نتيجة المجازر الاسرائيلية المرتكبة بحق الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، ينتظر بفارغ صبر توقف هذه الحرب لإيقاف آلة الموت الاسرائيلية والحد من المجاعة التي تفتك بالفلسطينيين لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، وهو يفترض به أن يتابع تفاصيل تنفيذ هذا القرار لرد إسرائيل عن وحشيتها.

لذلك، فإن نتيناهو المصدوم من الموقف الأميركي غير المسبوق تجاه إسرائيل، بدأ يتحسس رأسه، خصوصا أن عدم إلتزامه بتنفيذ القرار سيعرضه الى مساءلة والى فرض عقوبات على الكيان، وصولا الى اللجوء للفصل السابع لأول في تاريخ الصراع، وفي حال إلتزم بالقرار فهذا يعني أنه فشل في تحقيق أهداف الحرب، لا بل خسرها، خصوصا أن حركة حماس التي يريد رأسها والقضاء عليها هي التي تفاوض وتفرض شروطها وتجري الوساطات معها للتخفيف منها.

وما يزيد الطين بلة هو إرتدادات القرار 2827 على الداخل الاسرائيلي وإنعكاسه السلبي على حكومة الطوارئ التي أعلن الوزير جدعون ساعر إستقالته منه، فضلا عما يمكن أن يواجهه نتيناهو من محاولات إسقاط في الشارع تدعمها المعارضة، ومن تهم بالفساد والهدر، وتحميله مسؤولية أكبر إخفاق عسكري في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، وأسوأ هزيمة تلحق بإسرائيل أمام حماس في ظل خسائر جسيمة لا يجرؤ أي مسؤول إسرائيلي على الافصاح عنها خوفا من الصدمة التي قد تحدثها خصوصا أن هذه الخسائر في الجنود والآليات وأجهزة الرقابة والاستطلاع والمراكز والثكنات والأبنية كبيرة جدا، فضلا عن ملف الأسرى الذين قتل منهم عدد كبير بفعل غطرسة نتنياهو في الاستمرار بالحرب من دون تحقيق أي إنجاز.

وتشير المعطيات الى أن ما دفع أميركا الى عدم إستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن، هو أنها ضاقت ذرعا بجنون نتنياهو الذي يريد الدخول الى رفح فقط من أجل إستمرار الحرب التي تمنع المحاسبة عنه، في حين يدرك الأميركي أن ما لم يحققه نتيناهو في غزة لن يستطيع تحقيقه في رفح التي قد تشهد مجازر بآلاف الشهداء، لكن من دون أي قدرة على إجتثاث المقاومة التي يبدو أنها أعدت العدة للمواجهة ما يعني مزيدا من الخسائر في صفوف الاسرائيليين.

يمكن القول إن ما قبل صدور القرار 2827 ليس كما بعده، فالداخل الاسرائيلي يغلي الى درجة الانفجار، والخلاف مع أميركا على أشده، والغضب الدولي يرخي بثقله على الكيان، والفشل يلاحق الحكومة ومجلس الحرب والجيش في عدم تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، والمقاومة على جهوزيتها، والعالم بأسره يرفض إستمرار مهزلة المجازر التي ترتكب بدم بارد، فهل يلتزم نتيناهو بقرار مجلس الأمن؟، أم أنه سيتمرد عليه وتكون الفرصة مناسبة للإطاحة به تمهيدا للانتقال الى مرحلة التسوية؟..