اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
تمتلك 'الجماعة الإسلامية' ثقلاً شعبياً وانتخابياً في مناطق الغالبية السنية
أثار توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً لمباشرة إجراءات تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان المسلمين منظمات 'إرهابية' أجنبية كثيراً من الجدال داخل أميركا وخارجها، بخاصة أنها خطوة تمهد لفرض عقوبات على الفروع المستهدفة.
وذكر البيت الأبيض في بيان قبل يومين أن الأمر التنفيذي 'يطلق عملية يتم بموجبها اعتبار بعض من فروع جماعة الإخوان المسلمين أو أقسامها الفرعية منظمات إرهابية أجنبية' مع الإشارة خصوصاً إلى فروع الجماعة في لبنان ومصر والأردن.
وقد أدخل هذا القرار 'الجماعة الإسلامية' في لبنان إلى دائرة الضوء ومعه العقوبات الغربية، وسط تساؤلات عن مستقبلها وتعاملها مع القرار الأميركي المستجد، بخاصة أن هذا القرار جاء وفق كثر لمضاعفة الضغوط وتقييد حركة الجماعة اللبنانية التي ترتبط بعلاقات وثيقة فكرياً ووجدانياً مع حركة 'حماس' الفلسطينية.
فيما كانت 'الجماعة الإسلامية' إحدى الفرق التي أعلنت انضمامها إلى جانب 'حزب الله' في حرب الإسناد التي أطلقها دعماً لـ'حماس' بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
أعاد الأمر التنفيذي لترمب خلط الأوراق في لبنان والمنطقة فهو استهدف بصورة أساس فروع التنظيم الإخواني في ثلاث دول هي لبنان، والمملكة الأردنية، وجمهورية مصر العربية. وهو يهدف إلى 'تجفيف التمويل' عن تلك المجموعات التي تتعاطف مع 'حماس' في قطاع غزة. تواصلت 'اندبندنت عربية' مع الناطق باسم الجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور بسام حمود، الذي عكس في كلامه تريث الجماعة في إبداء أي موقف نهائي حيال موقف ترمب، مؤكداً أن 'القرار تتم دراسته الآن، وسيصدر بيان رسمي حوله لاحقاً'.
فيما عبرت أوساط الجماعة في لبنان أن 'القرار الأميركي لا يعنيها، فهي حركة مرخصة وفق القانون اللبناني، وليست مرتبطة بأي تنظيم خارجي'. وعن احتمالية تعرض مؤسسات الجماعة التي تعمل في الحقل الاجتماعي والتربوي للتضييق والقيود في السحوبات والتحويلات، تفيد الأوساط بأن 'التضييق موجود سابقاً لكن ربما سيشتد الآن، وأن ما يتصل بالمؤسسات ليس بالأمر السهل... كل ما يمكنهم فعله التضييق المالي، وقد تكون هناك قدرة على تجاوزه'.
شكل قرار ترمب مفاجأة في توقيته، وإن كان متوقعاً، وكانت قد سبقته خلال السنوات الماضية إجراءات صارمة من السلطات في مصر والأردن لناحية حل فروع الإخوان، ومصادرة أملاكها، وهو أمر لم يحصل في لبنان بسبب فضاء الحرية النسبية وقانون الجمعيات المرن. واتهم البيت الأبيض في تصريح له فروع تنظيم الإخوان في مصر ولبنان والأردن بـ'الاشتراك وتسهيل ودعم حملات العنف وزعزعة الاستقرار التي تضر بمناطقها ومواطني الولايات المتحدة ومصالحها'.
فيما أشار القرار إلى مشاركة التنظيم العسكري التابع للجماعة في لبنان في إطلاق هجمات صاروخية على إسرائيل بالتعاون مع 'حماس' و'حزب الله'. وأضاف أن 'تلك الأنشطة تشكل تهديداً لأمن المدنيين الأميركيين في بلاد الشام وغيرها من مناطق الشرق الأوسط، وسلامة واستقرار الشركاء الإقليميين'.
يلفت المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية حازم الغبرا إلى أن الهدف من الأمر التنفيذي هو 'تجفيف تمويل المنظمات الإرهابية العابرة للحدود، بحسب ما ورد صراحة في مضمونه'، منبهاً إلى نية الجانب الأميركي منع إمداد تلك الفروع لمنظمات فاعلة على الأرض مثل 'حماس' من أجل الاستمرار بأنشطتها.
ويشبه ما يحدث بـ'لعبة القط والفأر التي كانت تحتاج لأمر رئاسي بغية دفع الحكومة الأميركية للعمل على قطع التمويل'، حيث تحاول الولايات المتحدة في الفترة التي أعقبت أحداث سبتمبر (أيلول) عام 2001 قطع تمويل تلك الجماعات، وفهم حركة المال واستمرار التمويل، ومن ثم متابعة أي تغيير يطرأ على عملية التمويل.
في المقابل يقول الغبرا إن المنظمات المعنية عملت على تحديث عملياتها بهدف تلافي العقوبات والتهرب من القيود والقوانين التي تحظر ممارسة نشاطها.
وينبه الغبرا أن 'العمل ليس سهلاً، فهو في جانب كبير منه عمل تقني، ويعتمد على كبير من الإدارة الأميركية وموظفين في وزارة الخزانة، ووزارة الخارجية، ووزارة التجارة. وقد اكتسبت واشنطن خبرة كبيرة خلال سنوات طويلة من متابعة عمل تلك المنظمات لوقف التمويل. وهي تحاول الاستمرار في إجراءات قطع التمويل على المدى البعيد للتأقلم مع محاولات تغيير الأسلوب'.
من جهة أخرى يشير إلى 'لجوء هذه المنظمات إلى السوق الرمادية، والسوق السوداء التي تنشأ خارج قبضة القانون، ولكن سرعان ما تحاول الإدارة اعتماد أساليب لكبحها، والتعاون مع الحكومات في الدول المعنية التي توجد فيها حركة الإخوان بصورة فاعلة ميدانياً'.
ويتحدث عن دور كبير للأفراد في تمويل هذه المجموعات، حيث يقوم 'حزب الله' مثلاً بتمويل نفسه من خلال أنشطة فردية داخل الولايات المتحدة، كما يحصل في ولاية ميشيغان، وهو ما تسعى الحكومة الأميركية.
من جهة أخرى يشدد الغبرا على أن 'الولايات المتحدة ليست الدولة الأولى التي تصنف حركة الإخوان منظمة إرهابية، وقد سبقتها دول أوروبية وعربية في التصنيف بسبب شبهات حول دعمها المادي أو الإعلامي لحركات فاعلة على الأرض على غرار 'حماس'، لكن القرار الأميركي 'يتيح للوزارات الأميركية ملاحقة الأصول والتحويلات التابعة بصورة مباشرة للإخوان'.
ويأسف لبلوغ المرحلة الحالية التي تتسم بالعقوبات بسبب خسارة الجماعة لفرص عديدة لتغيير نهجها وتوجهها في أعقاب مرحلة الربيع العربي، والانتظام الإيجابي في العمل السياسي من دون تهديد استقرار دول أخرى. وينوه الغبرا بأن 'لكل دولة حرية التصرف بما تراه مناسباً حيال العقوبات الأميركية، ولكن عليها في المقابل تحمل المسؤوليات لأن هناك شبكة بنوك عالمية تدار بواسطة البنوك الأميركية، وتتأثر بموقف الدولة هناك. ومن ثم فإن فشل الحكومة اللبنانية أو غيرها في مساعدة الجماعة على تلافي القرار الرئاسي الجديد سيؤدي إلى رد فعل عكسي، وربما عقوبات إضافية على لبنان، والمزيد من المشكلات التي تطاول قطاع التحويلات المالية'.
ورداً على سؤال حول عدم ملاحظة جماعة الإخوان في سوريا بالقرار الأميركي، يشير الغبرا إلى 'وجود اتفاق واضح المعالم مع الحكومة السورية الجديدة ورسائل بأن الجماعة غير مرحب بها مستقبلاً في سوريا الحالية'.
تعد 'الجماعة الإسلامية' من الأقدم في تاريخ لبنان الحديث، كما تعود في أدبياتها إلى فكر ومؤلفات المؤسس التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر حسن البنا والمنظر الإسلامي المصري سيد قطب ومؤسسة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي، والداعية الباكستاني أبي الأعلى المودودي. وتعود في أصولها إلى جمعية 'عباد الرحمن' الدعوية التي تأسست رسمياً في طرابلس شمالاً عام 1956، وكان لا بد من انتظار حتى عام 1964 لتظهر 'الجماعة الإسلامية' الإطار السياسي برئاسة الداعية فتحي يكن.
خاضت الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى عام 1972 من خلال ترشيح المحامي محمد علي ضناوي عن دائرة طرابلس، ومع انطلاق الحرب الأهلية عام 1975، أسست تنظيم 'المجاهدون'، لكنه لم يعمر طويلاً، فقد سلم سلاحه عقب 'حرب السنتين' إلى قوات الردع العربية التي دخلت لبنان، ولكن مع الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982، عادت وأسست 'قوات الفجر' التي نشطت في مجال العمل المسلح لغاية الـ25 من مايو (أيار) عام 2000، حيث خرج الإسرائيليون من جنوب لبنان، ثم عاد هذا التنظيم إلى الواجهة مجدداً بعد حرب أكتوبر في غزة عام 2023.
تنشط الجماعة الإسلامية في الحقل التربوي، وتتمثل في البرلمان اللبناني بالنائب عماد الحوت الفائز عن المقعد السني في بيروت، وهي تمتلك تنظيماً واسع الانتشار، بخاصة في المناطق السنية، وتمتلك وزناً انتخابياً مرجحاً في دوائر صيدا جنوب لبنان، وجبل لبنان، وبيروت العاصمة، ومدن طرابلس وعكار والضنية في الشمال.
يشير الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد الأيوبي إلى تقلبات مستمرة في وزن وحجم 'الجماعة الإسلامية' في لبنان بفعل تناقضات داخلية وخارجية أحياناً، وهو بقي ناشطاً في الجماعة لمدة 25 عاماً، وعايش مرحلة الصعود السياسي في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية، عندما حظيت الجماعة بتمثيل نيابي عام 1992 عبر الداعية فتحي يكن عن طرابلس، وأسعد هرموش عن مقعد الضنية، وزهير العبيدي في بيروت، قبل أن تًستبعد الجماعة عن 'اللائحة المحظية بالدعم السوري' عام 1996، وتراجع حجمها التمثيلي وحصول انشقاقات في العقدين التاليين بسبب عدم امتلاك مشروع سياسي متكامل لتأمين استمرارية النجاح والزخم على المستوى السياسي والدعوي، وتأسيس الشيخ فتحي يكن لجبهة العمل الإسلامي.
يتحدث الأيويي عن حضور قوي للجماعة على مستوى البلديات في مناطق الثقل السني، حيث تتركز في مناطق معينة، ويقول 'استمرت الجماعة كتلة صلبة ومؤثرة في المستوى الانتخابي، وهي مرجحة على المستوى السني، حيث تأتي خساراتها للمقاعد بسبب سوء التحالفات، لكن الإشكالية على مستوى السياسة تعود إلى العمل غير الاحترافي وغياب الموقف السياسي من بعض القضايا'.
ويتطرق الأيوبي إلى عدم تطوير الجماعة لرؤيتها السياسية للواقع اللبناني، وعدم وضوح رؤيتها حالياً للتعامل مع قرار ترمب الأخير، وهو تحدي ليس مستجداً، بل كانت عرضة له وتحت وقعه لسنوات عدة، وهو ما يفرض عليها ضرورة مراجعة الأسلوب والخطاب ونظرة الحكم بصورة عامة والاستجابة للواقع الجديد.
ويختم بالقول إن الجماعة انجرت مكرهة إلى حرب الإسناد بسبب الارتباط المعنوي بحركة 'حماس' فيما أحرجهم 'حزب الله' في إطلاق حرب الإسناد.
تتسم العلاقة بين 'الجماعة الإسلامية' و'حزب الله' بالتعقيد، وتختلف باختلاف السياقات السياسية والأمنية. كما توجد اختلافات عقائدية وجوهرية بين 'الجماعة' السنية و'الحزب' الشيعي، مما يؤدي أحياناً إلى تباعد في الرؤى والأهداف.
وعلى رغم التعاون بين التنظيمين في بعض الفترات، بخاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذا التعاون كان محدوداً ولم يرق إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، مما كان يترك مجالاً للخلافات كي تتفاقم مع مرور الوقت.
وكان قد تفاقم الخلاف بينهما وبشكل كبير على خلفية الحرب السورية عام 2011، بعد أن أعلن 'حزب الله' تقديمه دعماً عسكرياً للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، في حين كانت 'الجماعة' ومجموعة من الحركات السنية الأخرى في لبنان تدعم المعارضة السورية.
لكن نقطة التحول في العلاقة بينهما كانت الحرب الأخيرة في غزة التي قربت المسافة بينهما وسرعت من وتيرة التنسيق بينهما، وبعد انخراط (قوات الفجر) في العمليات العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي بعد سنوات من الانقطاع عاد اسمها إلى المشهد، علماً أن تقديرات تفيد بأن عدد عناصرها لا يتجاوز الـ500.
في المقابل يرى العميد المتقاعد جورج نادر أن 'الجماعة الإسلامية' نشأت في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان، تحديداً في أعقاب دخول القوات السورية إلى لبنان، 'حين كانت دمشق تخوض صراعاً دموياً ضد الإخوان داخل أراضيها'، وأوضح نادر أن 'الجماعة الإسلامية'، أو ما عرف سابقاً بـ'الرابطة الإسلامية'، تشكلت ككيان رديف لـ'جماعة الإخوان'، تتبنى الخطاب والمفاهيم الأيديولوجية والتنظيمية ذاتها، مع اعتماد اسم بديل يجنبها الصدام مع النظام السوري الذي كان في ذروة عدائه مع التنظيم الأم، 'واستمرت الرابطة في نشاطها طوال سنوات الاحتلال السوري للبنان، متجنبة إعلان الولاء العلني للإخوان، مع احتفاظها بخطاب مماثل وخطوط تواصل إقليمية نشطة'، ولفت نادر إلى أن الرابطة لا تعتبر محظورة في لبنان، خلافاً لعدد من الدول العربية التي أدرجت 'الإخوان' كتنظيم إرهابي، بل تعمل بصورة علنية، وتحظى بشرعية غير مقيدة، وتحاول تقديم نفسها كأحد مكونات 'التيار الإسلامي المعتدل'.
وعلى رغم نشاطها المحلي، فإن الرابطة تستفيد من دعم سياسي ومالي مستمر من دول تقيم علاقات استراتيجية مع حركة 'حماس'.











































































