اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
مئات الأحلام الوردية والأماني تراقصت في مخيّلتي منذ نعومة أظفاري بإزاء كل حدث جلل. سرت مع بدء حياتي الزوجية في تؤدّة زاهدا نحو محرابه. ضغطت على زر الجرس. تماثلت أمامي السيدة مي - ملاكه الحارس - والى جانبها أيقونة حلم لطالما راود خاطري... وجدت قامته التي زغردت روحي لها، ومارت في النفس أفراح...
سبق ان أرسلت إليه من مدرستي في وادي الكرم المتاخمة لبسكنتا وكنت في ربيعي العاشر تلميذا داخليا متفوّقا، ملتمسا أثرا له أو منه، فبعث إليّ بكتاب بليغ!...
ولدت إذا من جديد إذ أجلستني «مي» على أريكة نقلتني إلى دنيا بيضاء زاهية، كمن يجلس على صدر الثلج البكر. تحيطنا الكتب من كل جانب. وأخذ الأستاذ الكبير يحدثني ويحدثني وغبت في عينيه طويلا، وكنت أتأرجح كنسمة حالمة بين كلماته العذبة.
أخذ ميخائيل يعبق بطيب العبارات الأزلية البعيدة مما اتهم به من اتجاهات شيوعية تتنافى في كل حال وإيمانه بل تصوّفه في نقاء نفسه وبساطة عيشه. ان ربا نخافه لا نحبه...ركبت موجي ومضيت في بحار ألفاظه فأحببت السباحة فيها. وألقيت ببعض نتاجي بين يديه الطاهرتين فلمست أعجابا. أغمضت عيني لأحلم بمستقبل زاهر لعوالم الجوهرود الذي يلتقي جوانب من فلسفته الشمولية.
دنا مني ليسمعني من درره وأخذت بإلقائه العذب، وأنا أسبح في عالم كلماته حينا وأغفو على ربى قوافيه «المتجمدة» حينا آخر! وأكتم إعجابي هنيهة ريثما ينتهي عن إلقاء نصه. إلّا ان مسام جسدي يفضحني بمدى إعجابي بروحه التي تنز عشقا وشفافية. ويطيب لجسدي أن يزغرد فرحا، ولروحي أن تهيم حول روحه.
أحيي اليوم روحه على مسيرتي معه وعلى رحلات متتالية حتى إلى عرينه الزلقاوي. وكم كنت أتمنى أن تطول اللقاءات لأنهل من معينه المزيد! كنت أغادره وأريج كلماته يعبق فوق جفني اللذين تكحّلا به.
كم من مرة حلّقت خارجا كالفراشة ورأيت في عيني شريكة حياتي المناضلة ماري التي تواطأت معي ذات يوم فأخفت مسجلة صغيرة في محفظتها النسائية لتنقل، سرا، حديثا خاصا حول علاقته بجبران وبالنساء! كان الموضوعان محرمين على كل زائر له. تبيّن انه مسيحي يجلّ القرآن ولكنه يزدري من يتخذ الكتب المقدّسة للاستغلال. ويعتبر ان الحب ليس أعمى ولكنه يرى بعين الجمال فيرى كل شيء جميلا!... عندما فرغنا من التسجيل، خرجنا نغني ونغني ولو كان هناك مجال في السيارة لرقصنا. والجدير بالذكر ان المغفور له ميشال أسمر طلب إليّ سنتئذ أن أتولى إدارة أنشطة البقاع خلال سنة تكريم ميخائيل نعيمة، ففعلت لا سيما انني كنت أفتتح هناك فروع الجامعة اللبنانية!
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه