اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بيروت ـ اتحاد درويش
افتتح أمس في مقر «الإسكوا» في بيروت، المنتدى العربي للمالية العامة والموازنة بعنوان «تعزيز الانفاق على القطاع الاجتماعي والاستدامة المالية»، الذي تنظمه «الإسكوا» بالشراكة مع منظمة «اليونيسف» للطفولة، تحت رعاية وزير المالية اللبناني ياسين جابر وحضور عدد من وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والتخطيط والاقتصاد في دول المنطقة وأفريقيا، وممثلين عن الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية والوفود المشاركة.
وألقى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للإسكوا بالإنابة د. مراد وهبة كلمة الافتتاح فقال: «ينعقد المنتدى في ظل تحديات كبرى تواجه منطقتنا، فالضغوط المالية تتصاعد، والمخاطر المحدقة بالنمو تتزايد، والاحتياجات الاجتماعية تتفاقم. وتحت وطأة هذه الأعباء، تطالب الحكومات بإنجاز المزيد، ولكن بموارد أقل، لضمان رفاه شعوبها واستمرارية الخدمات المتاحة لها. وتلك الأعباء ليست مجرد تحديات اقتصادية، بل هي اختبار لعقدنا الاجتماعي، ولقدرة حكوماتنا على تحقيق العدالة، وتوفير الفرص، وتعزيز المنعة في وجه الأزمات».
وأضاف: «يتعرض الإنفاق الاجتماعي في العديد من بلداننا العربية لضغوط جسيمة. وتواجه الميزانيات ضغوطا تتراوح بين ما هو عاجل وما هو مهم. وغالبا ما يفوق الدعم الاجتماعي القصير الأجل الاستثمارات الاجتماعية الطويلة الأجل. كذلك، لاتزال الفئات السكانية المعرضة للمخاطر، ولاسيما الأطفال والنساء وكبار السن والأشخاص المتضررين من النزاعات، تواجه عقبات تحول دون وصولها إلى الفرص التي تلبى احتياجاتها. وفي الوقت عينه، تزداد التكاليف المالية الناجمة عن تغير المناخ، وموجات النزوح، وجهود التعافي من النزاعات».
وتابع: «مع تفاقم التزامات خدمة الدين، يتقلص الحيز المالي المتاح لتمويل الخدمات الاجتماعية الأساسية. وتحت وطأة هذه القيود والتحديات، أمامنا خياران: إما نتعامل مع النفقات الاجتماعية كعبء علينا، وإما نعتبرها الخيار الاستثماري الأنجح لمستقبلنا المشترك لتمويل مستقبل أكثر عدالة ومنعة، نحن بحاجة إلى رؤية مالية جديدة ترتكز على ثلاثة مبادئ: أولا، الاستثمار في الناس، وليس في الاستهلاك، وتوجيه النفقات العامة لبناء رأس المال البشري، وليس لخلق حالة من الاعتماد، غير أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال الابتعاد عن الدعم المعمم، والتوجه نحو البرامج والخدمات المستهدفة. ثانيا، زيادة الكفاءة، وليس الإنفاق فقط، ويتطلب ذلك تلازم مساري الانضباط المالي والحماية الاجتماعية».
وأشار إلى «ان المقياس الحقيقي للمالية الرشيدة ليس حسن التعامل مع حجم العجز فحسب، بل أيضا القدرة على بناء مجتمعات منيعة ومستدامة، كما أن الاستدامة المالية والتقدم الاجتماعي ليسا هدفين متنافرين، بل هدفان يعزز بعضهما البعض. ويوفر هذا المنتدى مساحة للبحث في سبل تحقيق هذين الهدفين وغيرهما، وأيضا لتبادل التجارب، وإلهام الإصلاحات، وتوطيد التعاون الإقليمي».
ثم ألقى الوزير جابر كلمة قال فيها: «اجتماعنا هذا ينعقد في ظرف بالغ الدقة تمر به منطقتنا، حيث تتقاطع التحديات الأمنية والسياسية مع ضغوط مالية واقتصادية متزايدة، وتترافق مع مطالب اجتماعية ملحة وحاجات تنموية متجددة. وقبل أقل من عام على لقائنا اليوم، كان وطننا لبنان يواجه تبعات حرب إقليمية مدمرة خلفت خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، وفاقمت هشاشة اقتصاداتنا ومجتمعاتنا». وأضاف: «لقد عانت منطقتنا، على مدى عقود، من تقلبات مزمنة وبيئات غير مستقرة أعاقت قدرتنا على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، ودفعت بسياساتنا العامة إلى نمط أقرب إلى إدارة الأزمات منه إلى صناعة الرؤى. فكثيرا ما كانت أولوياتنا المالية ترسم تحت ضغط الطوارئ الأمنية والتحديات الآنية، لا في ظل استقرار يسمح بتخطيط مستدام، لكن اجتماعنا في بيروت يحمل بحد ذاته رسالة أمل واضحة: أن منطقتنا قادرة على النهوض من الأزمات نحو عقد اجتماعي جديد، يقوم على استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وقدرتها على إدارة المال العام بعدالة وكفاءة وشفافية».
ورأى جابر «ان التحدي الذي يجمعنا في هذا المنتدى هو كيفية تعزيز مصداقية وفعالية السياسات المالية، بوصفها ركيزة الثقة في العمل العام، لقد أثبتت التجارب أن التنمية لا تبنى إلا على إدارة رشيدة للمال العام، وأن الموازنة ليست مجرد أداة محاسبية لتوزيع الاعتمادات أو ضبط النفقات، بل هي مرآة لأولويات المجتمع وتجسيد لتطلعاته».
وقال: «المطلوب هو تحقيق توازن دقيق بين حاجات اليوم ومسؤوليات الغد ـ بين الاستجابة الفورية للضغوط الاجتماعية، والحفاظ على الاستقرار المالي وضمان استدامة الدين العام.
ومن هنا، تبرز أهمية تحسين استهداف الإنفاق الاجتماعي، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية، والاستثمار في رأس المال البشري، بوصفها ركائز أساسية لبناء اقتصادات أكثر صمودا وعدالة ونموا. وهذا التحدي ليس تقنيا فحسب، بل هو مسؤولية أخلاقية ووطنية عابرة للأجيال، لأننا نصوغ اليوم ملامح مستقبل أبنائنا، وفي لغة المالية العامة، تختصر هذه المسؤولية بمفهوم واحد هو الاستدامة».
وقال الوزير جابر: «الموازنة اللبنانية التي قدمناها لسنة 2026 خصصنا نصفها للإنفاق الاجتماعي، جزء استثماري لا يتعدى 11% ولكن نعوض عنه بقروض طويلة الأجل من البنك الدولي في مجالات الكهرباء والمياه وخدمات أخرى».
ودعا جابر إلى «احياء اقتصاداتنا في المنطقة العربية والانتهاء من المشاكل والانفتاح على بعضنا البعض».
وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية: «سورية أمام تحد استثنائي للسياسة المالية، وأن نحو 9 ملايين من الشعب السوري في حالة انعدام الأمن الغذائي، عدا من هم خارج سورية».











































































