اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتبت ماريانا الخوري في 'نداء الوطن':
على مدى سنوات طويلة، تمدّد تجّار المخدرات في لبنان في ظلّ غياب شبه كامل لأي ردع فعلي. الدولة بدت عاجزة، الأجهزة الأمنية مكبّلة، وهؤلاء المطلوبون ظهروا وكأنهم في منطقة خارجة عن السلطة، يهدّدون كما يشاؤون ويتحدّون مؤسسات الدولة بلا خوف. لكن المشهد تبدّل فجأة. أسماء لطالما وُصفت بأنها فوق القانون سقطت واحدًا تلو الآخر، وصولًا إلى نوح زعيتر الذي شكّل ذروة هذا التحوّل. وهذا يدفع إلى السؤال الأبرز: لماذا الآن بالتحديد؟
الجواب يبدأ من الخارج. فواشنطن رفعت مستوى الضغط إلى حد غير مسبوق عبر حملة عسكرية وأمنية تقودها وزارة الدفاع الأميركية، تستخدم فيها مقاتلات ومسيّرات ومروحيات لتنفيذ ضربات تهدف وفق المسؤولين الأميركيين إلى تعطيل تدفق المخدرات نحو الولايات المتحدة في إطار ما تعتبره معركة لحماية أمنها القومي ومنع تدفق هذه السموم إلى أراضيها.
وفي المقابل، كانت الدول العربية بدورها قد اتخذت موقفًا صارمًا من لبنان. فالمقاطعة العربية للصادرات، وعلى رأسها الحظر السعودي، تركت أثرًا اقتصاديًا هائلًا، خصوصًا بعدما تبيّن أن منتجات زراعية وصناعية لبنانية استُخدمت لتهريب المخدرات. ومع بدء الحديث عن إمكان إعادة بناء العلاقات الاقتصادية، لم يعد ممكنًا تجاوز هذه العقدة من دون خطوة لبنانية جدّية تظهر أن الدولة تعمل على تنظيف صورتها.
في الداخل، تغيّرت موازين القوى تدريجيًا. فـ 'حزب الله' الذي كان لفترة طويلة الممسك الفعلي بالقرار الأمني والسياسي، وجد نفسه أمام معادلة مختلفة، لا يمكن للبنان إقامة أي علاقة طبيعية مع العالم وهو لا يزال مركزًا لإنتاج الكبتاغون. خصوصًا أن الإنتربول صنف البقاع الشمالي والقصير كعاصمة عالمية للكبتاغون.
لكن ما حفز التحرك الأمني لم يكن سياسيًا فقط. ففي الفترة الأخيرة حصل الجيش اللبناني على دعم نوعي من الولايات المتحدة، شمل معدات متقدمة ومسيّرات وتقنيات رصد حديثة. هذا التطور الميداني منح المؤسسة العسكرية قدرة تنفيذ عمليات دقيقة ضد الشبكات التي كانت تملك سابقًا تفوّقًا لوجستيًا. ومع تغيّر ميزان القوة في الميدان، أصبحت المداهمات التي كان يُعتقد أنها مستحيلة واقعًا يوميًا.
وفي العمق الجغرافي للملف، لعب المشهد السوري دورًا مصيريًا. فالنظام السوري، ولا سيما الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، كان يشكّل مظلة أساسية لشبكات التهريب بين لبنان وسوريا مقابل حصص مالية ثابتة. ومع سقوط نظام بشار الأسد فقد 'حزب الله' ركيزة لوجستية أساسية كانت توفر له حركة واسعة وتحمي العشائر المشاركة في شبكات التهريب. مع ضعف 'حزب الله' ومع غياب هذا 'الغطاء' تحرّكت الدولة اللبنانية من دون الخشية من الردّ السوري أو من 'حزب الله' كما كان يحصل سابقًا.
هذا التراجع انعكس أيضًا على العشائر الحدودية التي استخدمها 'حزب الله' لسنوات كقوة 'شرطة حدود' بين البلدين. ومع فقدان 'الحزب' قدرته على حمايتها، أصبحت هذه الشبكات مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، ما أتاح للدولة توجيه ضربات مباشرة إليها.
وفي حديث لـ 'نداء الوطن'، قدّم النائب اللواء أشرف ريفي قراءة صارمة للواقع، معتبرًا أن الدول إما تكون ناجحة أو عادية أو فاشلة، لكن الخطر الحقيقي يكمن في تحول دولة إلى 'دولة مارقة'. ويقول ريفي إن 'حزب الله' دفع لبنان إلى هذا النموذج عبر تحويله إلى مساحة تدريب إرهابي، وإلى مصنع كبتاغون صدّر الأذى إلى العالم العربي والدولي. ولذلك، برأيه، جاءت المقاطعة العربية والأجنبية للصادرات اللبنانية نتيجة طبيعية لمسار طويل من التخريب.
ويضيف أن 'اللعبة الدولية' لا تسمح ببقاء دولة مارقة إلى ما لا نهاية، وأن مكافحة المخدرات لطالما كانت ثمرة تعاون بين لبنان وشركائه الدوليين، إلا أن المشكلة كانت في أن المعلومات التي تصل من الخارج كانت تُسلّم لمؤسسات خاضعة لسيطرة 'حزب الله'. أمّا اليوم، فالدولة باتت أكثر وعيًا بأن انفتاح لبنان على العالم لن يتحقق ما دام ملف الكبتاغون بيد 'الحزب'.
ويختم ريفي بالتأكيد 'أن الطريق الوحيد لعودة لبنان إلى الحضن العربي والدولي يمرّ عبر مسار واضح لا لبس فيه: مكافحة الإرهاب والمخدرات بجدّية ودون أي مساومة. وما نشهده اليوم من عمليات واسعة ليس سوى نتيجة حتمية لتقاطع هذه الضغوط الدولية، والتحولات الإقليمية، والتبدّل في موازين القوى داخل لبنان'.
ما يجري اليوم ليس مجرد حملة أمنية، بل لحظة حاسمة تُحدّد ما إذا كان لبنان سيستعيد مكانته كدولة تُحاسِب وتحمي، أم سيبقى أسير شبكات تُتاجر بصورته قبل أن تتاجر بالمخدرات. القرار اتُخذ، والوقت لم يعد يسمح بالعودة إلى الوراء.











































































