اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٢ نيسان ٢٠٢٥
لم تخفت أصداء زيارة الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس حتى الساعة، فالحديث عن نزع سلاحٍ وعد ببتر أي يد تحاول انتزاعه، يجعله محوراً مفصليّاً في الاستحقاق الذي تمرّ به الحكومة، لمنحها الثقة الشعبية والدولية، فالشروط واضحة: تفكيك الترسانة العسكرية، انتشار الجيش على الحدود وعلى كامل الأراضي اللبنانية وتنفيذ القرارات الدولية.
ورغم أن البوادر إيجابية لجهة تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام، ولجهة الإعلان عن انفتاح تنظيم 'حزب الله' - غير المرخّص - للمفاوضات المباشرة حول سلاحه، إلا أن الخطر يكمن في مصداقية نواياه، وفي تداعيات سحب هذا السلاح!
هل نقف على أعتاب حرب طائفية؟!
إشكاليات عدة يطرحها الواقع اللبناني اليوم، فالحاجة إلى ردع إسرائيل قائمة، لكن من ادّعى منذ عقود أنه 'يحمي لبنان'، وأن العدو أوهن من بيت العنبكوت، اكتشف أن خيوط حزبه أضعف من العناكب نفسها عام 2024. في حين أنه استعرض قوته مراراً في الداخل، وقد يستخدم قاعدته الشعبية من جديد في حال تم نزع سلاحه وخسر امتيازاته. وهو ما يدفعنا للتساؤل حول حقيقة وقوفنا على أعتاب حرب طائفية، وعمّا إذا كانت الحكومة ستحسن التعامل مع هذا التهديد؟
الواقع يقول، إن موازين القوى الحالية تجعل من الصعب تكرار سيناريو الحرب الأهلية أو اشتباكات 7 أيار وعين الرمانة، فالضغوط الدولية والإقليمية إلى جانب تراجع قوة 'حزب الله'، قد تكون عوائق أمام انزلاق البلاد إلى أي اقتتال داخلي شامل، خصوصاً إذا ما وجدت آلية لنزع هذا السلاح، تعالج الهواجس الداخلية وتحافظ على الاستقرار.
أما استمرار سلاح 'حزب الله' فسيشكّل عقبة أمام سيادة واستقرار لبنان، ليس لأنه قوة محلية فحسب، بل لأنه لاعب إقليمي يمتد تأثيره إلى سوريا والعراق واليمن! وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تصنيفه كعامل مزعزع للاستقرار الإقليمي، وفرض عقوبات دولية ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية وعرقلة الاستثمارات الأجنبية والمساعدات.
وعلى المستوى الأمني، يعرّض سلاح 'الحزب' لبنان لخطر مواجهات مستمرة مع إسرائيل، ويحوّله إلى ساحة حروب بالوكالة، فأي تصعيد يفتي به 'التكليف الشرعي' قد يؤدي إلى حرب شاملة.
خلاف حزبي داخلي يطفو على السطح!
اليوم، وبعد وقف إطلاق النار والمطالبة بنزع السلاح، تشير التقارير الاستخباراتية الأميركية، إلى أن هناك توتراً داخلياً غير مسبوق بين جناحيّ 'حزب الله' العسكري والسياسي، بين من يريد استمرار 'المقاومة' وبين من يسعى إلى التفاعل مع القوى السياسية والتحالفات الإقليمية، خصوصاً مع تراجع الدعم الإيراني. وفي حال خروج هذا الخلاف إلى العلن، سيخسر 'الحزب' ما تبقى له من تأثير سياسي وعسكري في لبنان والمنطقة، إلا أنه قد يشرّع الباب أيضاً أمام مخاوف عدم التزام الجناح العسكري بقرارات الجناح السياسي!
ثمة تجارب لدول أخرى أثبتت أن تفكيك الميليشيات يمكن أن يكون مفتاحاً للاستقرار، كما حدث في كولومبيا مع جماعة 'فارك' أو في البوسنة بعد الحرب الأهلية، حيث نجحت هذه الدول في تجاوز أزماتها من خلال دمج المسلحين في الحياة السياسية ضمن إطار الدولة. لكن السؤال المطروح في الحالة اللبنانية: هل يمكن أن يتحول 'حزب الله' إلى حزب سياسي مستقل عن ارتباطاته العقائدية والعسكرية؟ وهل سيتمكن الجيش اللبناني من القيام بمهمة حماية وطنه؟
سيناريو دمج عناصر 'حزب الله' بالجيش اللبناني!
لطالما تذرّع 'حزب الله' بضعف إمكانيات الجيش اللبناني، وقد عرض على المؤسسة العسكرية في وقت سابق، أن تمده الدولة الإسلامية بالعتاد والمساعدات، إلا أن ذلك كان سيترتب عليه هيمنة اقتصادية وسياسية وأمنية، إضافة إلى تعرضه للمزيد من العقوبات الدولية بسبب تعامله مع إيران، التي عجزت أصلاً عن حماية رئيسها السابق.
وإن كان هدف 'حزب الله' هو حماية لبنان، فليسلم سلاحه إلى الجيش بدلاً من انتظار الاستهدافات الإسرائيلية لترسانته، وكذلك بدلاً من إعادة بناء مخازن أسلحته التي تهدد لبنان بحرب جديدة. أما السيناريو الأخطر الذي يُطرح اليوم، فهو إمكانية دمج عناصر 'الحزب' مع الجيش اللبناني، فأي اختراق حزبي للمؤسسة العسكرية يعيد إلى الأذهان تجارب دول أخرى، انهارت جيوشها بسبب تغلغل الميليشيات فيها، كما حدث في العراق وليبيا. علماً أن السيناريو اللبناني قد يكون أكثر تعقيداً نظراً لتركيبته الطائفية، التي ستجعل الجيش رهينة لانقسامات سياسية وطائفية تخلق حالة من الفوضى الأمنية، قد تستغلها جهات داخلية وخارجية لتعزيز نفوذها.
هل يتحوّل 'حزب الله' إلى حزب 'سياسي'؟
أما الحديث عن تحوّل 'حزب الله' إلى حزب سياسي، فيبدو مستهجناً إذا ما عدنا إلى العام 2005 حين ربط دخوله إلى السلطة بهدف واحد هو حماية سلاحه. فهل سيعتزل السياسة بعد سحب سلاحه؟ وكيف سيقنع قاعدته الشعبية في الانتخابات القادمة بضرورة انتخابه؟
في هذا السياق، تلوّح بعض التوقعات بفضائح تتعلق بالنظام السوري السابق وحلفائه قريباً، مثل تورّط 'الحزب' في قضايا كالمخدرات وتهريب الأسلحة وغسيل الأموال، إضافة إلى فضائح تتعلق باغتيال شخصيات من قوى 14 آذار أو بتفجير مرفأ بيروت، ما سيزعزع ثقة جمهوره به، ويجعله غير مؤهّل قانونيّاً للمشاركة في الحكومة. وإلا، فإننا سنشرّع الباب أمام جماعات عقائدية تكفيرية أخرى، تسلك درب الإرهاب للحصول على امتيازات سياسية، خصوصاً إذا ما حصلوا على دعم من النظام السوري الجديد، وهو ما يضع لبنان أمام تحديات جديدة لتحقيق توازن القوى الداخلية.