اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
فيما الجميع ينتظر أن يضع الجيش اللبناني خطة تنفيذية لسحب سلاح حزب الله؛ يقطع هذا الانتظار الحدث الأليم في وادي زبقين الذي أودى بحياة ست جنود خلال قيامهم بتنفيذ مهمة نقل سلاح من أحد الأنفاق التابعة لحزب الله.
الحادث المؤسف لم يتبين بعد الأسباب الحقيقية لوقوعه؛ ولكن هناك أسئلة افتراضية يتناقلها الإعلام والرأي العام؛ منها أن يكون هناك سبب متعمد كتفخيخ مسبق أو تفخيخ سبق بدء إفراغ النفق؛ أو أن يكون ما حصل على الأرجح هو خطأ فني وقع خلال عملية نقل الأسلحة.
وبغض النظر عن أسباب الحادث المؤسف؛ فإن ما هو ليس محل نقاش حوله هو أن عملية تفكيك بنية تسلح حزب الله ستكون مكلفة بشرياً ومادياً على الجيش اللبناني، وذلك بغض النظر عن تعاون الحزب أو عدم تعاونه الفعلي مع تنفيذ قرار الحكومة بتنفيذ هذه المهمة.
والواقع أن القضية تتعلق بشبكة أنفاق معقدة وبسلاسل تسليح تم تثبيتها على أسس عسكرية تجسد مبدأ أو عقيدة تقول أن هذا السلاح باق حتى تحقق هدف عقائدي أبعد من هدف تحرير فلسطين.
وما تقدم يعني أن الدولة اللبنانية ستكون ليس فقط أمام مجرد نقل معدات عسكرية من الأنفاق أو المخازن، بل ستكون بمواجهة عملية عسكرية معقدة وخطرة من ناحية وستكون من ناحية ثانية بمواجهة تفكيك بنية تسليحية تشبه 'قنبلة مولوتوف' تحتوي على خلطات عقائدية متفجرة وليس فقط تشبيكات عسكرية مفخخة.
يحتاج الأمر بلا شك إلى دراية وإلى مواكبة دولية أعمق من طريقة أورتاغوس في مقاربة هذا الملف؛ ويتجاوز احتكار براك لتصور كيفية الحل، ولا يصطدم بانفعالات مسؤولي حزب الله أو بتسرع مسؤولين في الدولة.
يجب تجزئة الحل وتحقيق الإجماع الوطني حول كل خطوة يتم إنجازها: مثلاً حالياً تم أخذ قرار من الحكومة على تأييد جانب الأهداف الواردة في ورقة براك.. المطلوب قبل الانتقال إلى الخطوة الثانية تحصين الخطوة الأولى التي يوجد فيهالبنان الآن والمتمثلة بنتائج جلسة الثلاثاء الماضي.
طبعاً سوف يؤدي إبقاء الخلاف على نتائج جلسة يوم الثلاثاء الماضي من دون معالجة إلى جعل الخطوة التالية بمثابة تجميع هي لخطوتين إثنتين مختلف عليهما بدل أن تكون المعادلة هو تحقيق خطوتين إثنتين متفق عليهما ويقودا هذا الملف الشائك خطوتين إلى الأمام.
حزب الله يقول أنه لا يريد تسليم سلاحه؛ ليس لأنه ضد حصرية السلاح ولكن لأن ما يتم نقاشه هو ورقة إسرائيلية وليس حتى أميركية بينما المطلوب – بحسب خطابه – أن يتم نقاش ليس ورقة إسرائيلية ولا ورقة أميركية بل ورقة لبنانية..
الدولة تجادل حزب الله و تقول له بما معناه: المطلوب أن نتعامل مع فحوى الورقة وليس مع من هي الجهة التي صاغتها.. وبنظر الدولة اللبنانية فإن فحوى الورقة مقبول، أقله ضمن موازين القوى الحالية التي تميل لصالح تغول نتنياهو على المنطقة…
غير أن الحزب يجيب بأنه صحيح أنه يعترف بنكسة أصابت موازين القوى، ولكنه يعتبر أن موازين القوى ليست حالة ثابتة بل متغيرة وأنه يحب انتظار مفاجآت ستطرأ عليها؛ ويذكر الحزب محدثيه هنا بالقول: هل نسي الحكم في لبنان أننا في الشرق الأوسط؛ أي في منطقة الرمال المتحركة!!
ومرة أخرى تجيب الدولة على دفوع حزب الله هذا بالقول أن حصر السلاح بيد الدولة لا يجب النظر إليه على أنه ترجمة وانصياع لإرادة براك أو لإرادة نتنياهو، بل يجب النظر إليه على أنه قرار يريده أغلبية اللبنانيين أو لنقل أغلبية الطوائف.. يضيف منطق معظم أهل الحكم في لبنان – ناقص الثنائي الشيعي – أن مبدأ احتكار السلاح بيد الدولة هو مبدأ سيادي وطني لبناني ولا يعني أنه إذعاناً لما يريده العدو خاصة وأن المطلوب من الحزب تسليم سلاحه للجيش اللبناني وليس لإسرائيل؛ وهنا يجب أن يتذكر الحزب أن يسلم سلاحه لجيش بلده ولشريكه حتى الأمس القريب في معادلة شعب وجيش ومقاومة..
يجيب حزب الله: نحن نعترض على توقيت تنفيذ مبدأ حصرية السلاح لأنه يوحي وكأن الحكم في لبنان لا ينظر لما يدور حولنا من ارتكابات بحق الأقليات؛ وهذه ارتكابات توصل للأقليات رسالة واضحة مفادها أنه يتوجب عليكم أن تتمسكوا بسلاحكم كونه يحمي التعددية في المشرق العربي بخاصة؛ ويدافع عن الأقليات في معركة طابعها وجودي!!
من جهتهم أهل الحكم يعترفون بأن لدى الأقليات هواجس وخوف على الوجود وأن أحداث سورية عكرت أجواء التعايش في المنطقة والكثير من دولها؛ أضف أن تغول نتنياهو الذي يتحدث عن 'سلام القوة'- وهو مبدأ ترامبي – يعطي حاملي الأسلحة خارج الدولة مبررات لإقناع ذاتها بأن الوقت الراهن هو للتسلح الدفاعي وليس لتسليم السلاح.
.. ولكن مرة أخرى يرد أهل الحكم اللبناني بالتأكيد على أن الفتنة لا تواجه بسلاح الطوائف بل بسلاح الدولة؛ لأن الطوائف فيما لو انبرت للدفاع عن وجودها تحت علم مذاهبها الدينية؛ فهذا السلوك سيؤدي إلى حروب دينية ومذهبية لا تنتهي؛ ولكن فيما لو قاتل الشعب بوصفه مواطناً تحت علم الدولة الوطنية وضمن صفوف جيشها الوطني العابر للطوائف والمذاهب؛ فإن هذا سيؤدي إلى كشف مؤامرة الفتنة وسيؤدي لقمع فكرتها تمهيداً لكسر سلاحها..
الحوار والنقاش وأحياناً السجال المستمر بين منطق أهل الحكم داخل البلد والدولة وبين منطق أهل حزب الله الموجودين أيضاً في البلد وداخل الدولة؛ لا يزال مستمراً؛ ولعل أهميته حتى الآن أنه يحتفظ بروحية أنه أولاً يتفاعل تحت قبة النقاش من وراء تماس الأفكار وليس من وراء تماس إطلاق النار؛ وأنه ثانياً يناقش جملة الوضع من قاعدة أن مبدأ حصرية السلاح بالدولة هو قاسم مشترك لا يوجد خلاف عليه؛ بل الاختلاف هو حول آليات تحقيقه وهو خلاف ليس قليل ولكن عناوينه معروفة وهي: متى (التوقيت) وكيف (الآلية حول الزمان والمكان)، الخ..