اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب ابراهيم ناصرالدين في 'الديار'
بعد 'الكتاب المفتوح' الذي وضع 'النقاط على حروف' موقف حزب الله من التفاوض، والذي تقصد الحزب صدوره كوثيقة تاريخية، توثق موقفه من المرحلة المفصلية التي يمر بها لبنان والمنطقة، اكمل الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمته في يوم شهيد حزب الله، باقي القطع في 'البازل'، بحيث بات كل مَن في الداخل والخارج امام صورة واضحة، حيال ما يمكن ان يقبل به الحزب وما يمكن ان يرفضه، واين يمكن التعامل بمرونة، والقضايا التي لا يمكن التنازل عنها؟
وفي هذا السياق، تشكل تلك المواقف حصيلة التحولات الاساسية في اطار ورشة 'أخذ العبر' من الحرب الاخيرة، وما يجب التوقف عنده 4 نقاط جوهرية، اثنتان منها 'جرعات تذكيرية'، مع اعادة الشيخ قاسم التأكيد على ان ما تواجهه المقاومة وبيئتها 'حرب وجودية'، وكذلك تأكيد دور المقاومة الدفاعي وراء الجيش والشعب، ومعالجة ملف السلاح كجزء من الحفاظ على قوة لبنان. اما المسألتان الجديدتان فترتبط الاولى بتقديم ما يشبه الضمانات العلنية حيال المستوطنات. ثانيا اعلانه ان استمرار الاعتداءات لها حد، ولن يُسكت عنها الى الابد…
ووفق مصادر مطلعة على اجواء الحزب، تكمن اهمية ما صدر عن حزب الله، سواء في 'الكتاب المفتوح'، او في كلام الشيخ قاسم، التوقيت قبل المضمون، وبات واضحا ان قيادة الحزب تقدم اجوبة علنية على مجموعة من الاسئلة المطروحة، من قبل اكثر من 'وسيط' اقليمي، طالب بعضهم سلسلة من التوضيحات حيال عدد من القضايا الحساسة والمفصلية، وزعم البعض ان الاميركيين مهتمون ايضا بالحصول على تلك الاجوبة. فاختار الحزب ان يكون شفافا في تقديم اجوبة علنية، لقطع الطريق امام اي محاولة لممارسة الضغط عليه، لتليين مواقفه من قضايا يعتبرها جوهرية وغير قابلة للنقاش. وقد اعاد الشيخ قاسم تأكيد الاستعداد 'لقلب الطاولة' على الجميع، اذا حاول البعض بالديبلوماسية او الحرب تجاوز مصالح حزب الله والبيئة الشيعية، ولذلك اعاد التذكير بطبيعة الحرب الوجودية الدائرة حاليا.
وفي موقف استباقي لاي شكل من التفاوض، الذي اكد رئيس الجمهورية جوزاف عون بالامس، انه طرح آحادي الجانب، ولا جواب اميركي – 'اسرائيلي' عليه بعد، منح الشيخ قاسم المفاوض الرسمي اللبناني ادوات تفاوضية من النوع الثقيل لوضعها على 'الطاولة'، ومنها الايجابية المطلقة في بحث ملف السلاح ضمن استراتيجية وطنية تحصن البلد، لكن بشرط التزام 'اسرائيل' بمندرجات اتفاق وقف الاعمال العدائية، اي عدم التفاوض على قضايا جرى التفاوض عليها، والمطلوب فقط الزام العدو بتنفيذ الشق الخاص به، بعد التزام المقاومة التام بما اتفق عليه.
هذه الرؤية تتماهى الى حد كبير مع الافكار التي حملها رئيس الاستخبارت المصرية حسن رشاد الى بيروت، والذي تحدث عن 'تجميد' او'تحييد' السلاح شمال الليطاني، كجزء من خطة متكاملة لانهاء الحرب. وجاء تأكيد الشيخ قاسم على عدم التعرض للمستوطنات، بمثابة قبول 'مشروط' وواضح من قبل الحزب لهذه الجزئية من الخطة، التي تحتاج الى اعادة ترتيب للاولويات، لكنها بشكل او بآخر قبالة 'للحياة'.
ولان حزب الله يدرك جيدا ان اي مسار تفاوضي مفترض لا يمكن ان يكون دون 'انياب'، ارتأى الشيخ قاسم بحسب تلك المصادر، بان الوقت قد حان للفت انتباه الدول الضامنة، وخصوصا الاميركيين، ومعهم 'الوسطاء' الاقليميون، وكذلك 'الاسرائيليون'، بان استمرار الضغط العسكري على النحو الراهن لا يمكن ان يبقى دون رد، مع ابقاء الغموض حول التوقيت والاسلوب. وهكذا تكون الصورة الثلاثية الابعاد قد اكتملت: لا تخلي عن الدفاع امام اي هجوم واسع، ولا مبادرة الى الهجوم خارج الحدود اللبنانية، ولا رضوخ لسياسة الامر الواقع التي تحاول 'اسرائيل' فرضها 'بالحديد والنار'.
وهذه الحقيقة لا تغيب عن الاعلام الاسرائيلي، الذي يقر بوجود فرق شاسع بين 'الحقيقة والوهم'، فصحيفة 'اسرائيل هايوم' اليمينية، اشارت في تقرير موسع الى انه بعد عام على الحرب، يتبين أن شيئاً لم يحصل، وأن إنجازات الحرب آخذة في التآكل. وافادت ' صحيح أن حزب الله يحافظ على نار هادئة ويمتنع عن العمل ضد إسرائيل، أو حتى الرد على هجماتها، لكنه لا يفعل هذا لأنه أصبح 'محباً لصهيون'، بل انطلاقاً من تفكير 'بارد وواعٍ' بالضبط مثل حركة حماس، بأنه وقت الانحناء ريثما يمر الغضب، وانتظار الساعة المناسبة التي لا بد ستأتي. وفي هذه الأثناء، يعيد التنظيم بناء قوته، ويحافظ على تأييده لدى أوساط الطائفة الشيعية في لبنان، بل ووجد مسارات تهريب للسلاح من إيران، بدل تلك التي فقدها مع سقوط نظام بشار الأسد'.
وتضيف الصحيفة 'إسرائيل تتباهى بانها تتمتع بحرية الحركة في لبنان، والضربات التي تلقيها على مقاتلين صغار من حزب الله، موجهة للرأي العام ووسائل الإعلام أكثر مما تستهدف المس بحزب الله بشكل أليم وقاسٍ. فهل يعتقد أحد ما بأن حزب الله الذي يضم عشرات آلاف المسلحين، سيرفع الأيدي لأننا صفينا 300 من رجاله في السنة الأخيرة؟ حزب الله يقف في الظل، ومرة أخرى لم نعد نسمع تهديدات وتبجحات عن قدرات التنظيم، وليس السؤال إذا كان التنظيم سيستأنف أعماله ضدنا، بل متى'؟
في الخلاصة، يضع حزب الله 'اوراقه' على 'الطاولة' كشريك اساسي في 'السلم والحرب'، يمنح الدولة قدرات تفاوضية لاستخدامها حين يحين الوقت، كما فعل ابان ترسيم الحدود البحرية، حين ارسل المسيرات فوق 'كاريش'. يتعامل بواقعية مع المتغيرات في الاقليم، يقدم تكتيكات جديدة، وربما استراتيجية، في اطار الصراع المستمر مع 'اسرائيل'، لكنه يرفض الاستسلام، لانه لا يزال يمتلك اوراق قوة 'غامضة'، طبعا يراهن على الوقت، علّ تطورات الخارج تحمل ظروفا افضل، يقدم التزامات علنية لملاقاة اي تسويات جدية تحفظ السيادة اللبنانية، لكنه سيقاتل اذا فرض القتال، وفي التوقيت المناسب سيعيد اطلاق مسيرة التحرير…











































































