اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب مروان الشدياق في 'نداء الوطن':
على تلةٍ حملت صليبًا وصار اسمًا، وفي مستشفىٍ صار بيتَ رحمةٍ ومرفأَ كرامةٍ لأضعف الإخوة، يكتب لبنان موعدًا استثنائيًا مع الرجاء: صباح الثلاثاء 2 كانون الأول 2025، يزور قداسة البابا لاوون الرابع عشر دير ومستشفى الصليب للأمراض النفسية والعقلية في جل الديب، في ختام زيارته الرسولية الممتدة بين 30 تشرين الثاني و2 كانون الأول. ليست محطةً عابرة في جدولٍ مزدحم، بل وقفة صلاةٍ وانحناءة محبة أمام جراح صامتة.
'طيور السلام' في حضرة 'فاعلي السلام'
في مؤتمرٍ صحافي بالمركز الكاثوليكي للإعلام، أُعلن برنامج اللقاء بحضور الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب الأم ماري مخلوف، منسّق اللجنة المركزية لزيارة البابا إلى دير الصليب إيلي يحشوشي، والأمينة العامة للأخويات الأخت ماري يوسف.
المونسنيور عبده أبو كسم، مدير المركز والمنسّق الإعلامي الكنسي للزيارة، لخص الرسالة: حين طُلب اختيار مكان 'فيه عملٌ إنسانيّ واجتماعيّ مجاني بامتياز'، وقع الاختيار بلا تردّد على دير الصليب، 'الأعجوبة الدائمة' التي تركها مؤسس الجمعية الطوباوي الأب يعقوب حداد الكبوشي على المستوى الوطني وربما على مستوى الشرق الأوسط.
وتوقف أبو كسم عند عنوان الزيارة 'طوبى لفاعلي السلام'، ليصف نزلاء الدير وراهباته وعامليه بـ 'طيور السلام': براءةٌ في القلوب، وعفويةٌ في الخدمة، وفرحٌ يتخطّى ألم المرض. ومن هنا، تصبح زيارة البابا مرورًا 'مقدِّسًا' في جل الديب، يحمل معها البركة ورسالة السلام.
أمٌّ عامة تتكلم باسم الرحمة
الأم مخلوف قرأت الحدث في عمقه الكنسي والوطني: حضور الحبر الأعظم لحظةُ إيمانٍ جامعةٌ تعيد وصل الكنيسة في روما بكنائس الشرق، وتمنح المسيحيين في لبنان والمنطقة جرعة صمودٍ متجددة. في زمنٍ مضطربٍ يحتاج إلى العودة إلى جوهر الإيمان، يحمل البابا رسالة حوارٍ وسلامٍ بين المسيحيين والمسلمين، ويعيد تظهير هوية لبنان 'أرض رسالة ولقاء'.
وعندما تحدّثت عن جمعية راهبات الصليب ومستشفى الصليب الذي يتسع لألف سرير ضمن شبكة مؤسساتٍ استشفائية تخدم ثلاثة آلاف إنسان، عادت إلى الأب يعقوب: 'معجزته اليومية' هي استمرارية الخدمة رغم الحروب والأزمات. هناك، لا يُرفَض مريض، ولا تقف القدرة المادية عائقًا أمام علاجٍ أو تعليمٍ أو إيواء. 'المرضى هم رسالتنا… هم صلاتنا وابتسامتنا ونذورنا'، قالت الأم مخلوف، مؤكدة أن زيارة البابا 'للمرضى لا للمبنى'، وأن أولوية الحضور ستكون لهم لأنهم جوهر الزيارة.
ولعلّ الأكثر تأثيرًا ما أعلنته عن 'خلوة' يختارها قداسته مع الأطفال المرضى في قسم 'سان دومينيك': صلاةٌ على ضفاف البراءة، وهمسٌ مع وجعٍ صغيرٍ يعلّم الكبارَ لغة السماء.
يحشوشي: انحناءة محبة وموعدٌ مع برنامج دقيق
إيلي يحشوشي رأى في الحدث 'انحناءة محبة أمام الجراح الصامتة' وتحية تقديرٍ لرسالة راهبات الصليب 'على خطى الطوباوي الأب يعقوب الذي رأى في كل محتاجٍ وجه المسيح المتألم'. وشكرَ باسم اللجنة الرئيسةَ العامة وكل الجهات الرسمية والأمنية، ولا سيما لواء الحرس الجمهوري، على مواكبة التحضيرات.
وعن البرنامج: يصل قداسة البابا إلى الباحة الخارجية لدير الصليب عند الثامنة والنصف صباحًا، حيث تستقبله عائلة جمعية راهبات الصليب من مؤسسات تربوية وكشفية وطبية. ثم يتوجّه إلى القاعة الداخلية على وقع نشيدٍ خاصّ ينشده مرضى المستشفى في 'جوقة ذخائر أبونا يعقوب' (كلمات نزار فرنسيس وألحان المايسترو إيلي العليا). يتخلّل اللقاء كلمة للأم مخلوف، وكلمة للمرضى، وتقديم هدايا تذكارية، وترتيلة للأب يعقوب، ويُختَم بكلمة لقداسة البابا، قبل انتقاله إلى مبنى 'سان دومينيك' للقاء الأطفال بعيدًا من الإعلام.
وتترافق الزيارة مع خطة سير تُعلنها لاحقًا المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، مع تأمين المواقف والدعوة إلى الالتزام بالتعليمات تسهيلاً للوصول.
بين 'رجاء جديد' و'شركة ورسالة'
هنا، تتواصل سيرة الرسائل البابوية التي عرفها اللبنانيون: من 'رجاء جديد للبنان' مع القديس يوحنا بولس الثاني، إلى 'شركة وشهادة' للشرق الأوسط مع البابا بنديكتوس السادس عشر. واليوم، يضيف البابا لاوون الرابع عشر فصلًا عنوانه أن الكنيسة أقرب ما تكون إلى المسيح عندما تقترب من المتروكين، والإنسانُ أقرب ما يكون إلى ذاته عندما تُصان كرامته في هشاشته.
إنها زيارة تقترح على اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن يروا في مستشفى الصليب مرآة وطن: بلدٌ جريحٌ يضمد جراحه بخدمةٍ متواضعةٍ ثابتة، يصرّ على العيش المشترك لا كشعارٍ في بيان، بل كخبزٍ يوميّ يُكسر بمحبة.
في صباح 2 كانون الأول، سيُرفع صليب الرجاء من جلّ الديب عاليًا: كلمةُ البابا، وترتيلةُ مرضى، ودمعةُ أمّ عامة، وابتسامةُ طفلٍ يعلّمنا معنى التطويب: 'طوبى لفاعلي السلام'. قد لا تغيّر زيارةٌ واحدةٌ خرائط السياسة، لكنها قادرة أن تغيّر خرائط القلوب؛ وأن تُعيد إلى لبنان اسمه الأجمل: وطن الرسالة.
هناك، حيث جعل الأب يعقوب من الخدمة أعجوبةً دائمة، سيقول البابا ومعه لبنان كلّه: لا أحد يُترَك وحيدًا تحت الصليب، ومن جراحنا يخرج نور. وفي حضرة 'طيور السلام'، نفهم أخيرًا أن السلام ليس نهاية الطريق، بل طريقُ النهاية: طريقُ الله إلى الإنسان… وطريقُ الإنسان إلى أخيه الإنسان.











































































