اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
'يلاّ بابا' فيلمٌ وثائقي، للمخرجة أنجي عبيد، يعكس رحلة مميزة تجمع بين التاريخ الشخصي والتحولات الجيوسياسية.
يصوّر الفيلم رحلة أنجي، البالغة من العمر 34 عامًا، برفقة والدها منصور، البالغ من العمر 74 عامًا، على نفس المسار الذي قطعه الأخير قبل 42 عامًا، بين بروكسل وبيروت.
وتسلط هذه الرحلة الضوء على التغييرات الجذرية التي شهدتها المنطقة؛ من اختفاء دول وظهور أخرى، وتبدلات في الحدود، وانهيار أنظمة ديكتاتورية وبروز أخرى، وانتهاء حروب واندلاع أخرى، التي نتج عنها الموت والتشريد. أما لبنان، الذي يقع بين البحر وصراعات دائمة، فلم يعد من الممكن الوصول إليه عن طريق البر.
ويتجاوز الفيلم التغيرات الجغرافية والسياسية ليقدم استكشافًا عميقًا للعلاقة المتطورة بين الأب وابنته، خارج الإطار التقليدي للعائلة.
'يلاّ بابا' يدمج بين التجربة الشخصية والقراءة العميقة للواقع المتغير، ليقدم رؤية فريدة حول الروابط الإنسانية في عالم مليء بالتحولات.
وكان لـ'الديار' حديثٌ مع المخرجة أنجي عبيد، التي أطلعتنا أن 'فكرة الفيلم جاءت عندما انتقلت إلى العيش في بلجيكا حيث كنت أقوم بعمل ماسترز في إخراج الأفلام الوثائقية. وخلال تلك الفترة، كان والدي يتصل بي ليخبرني عن رحلة قام بها عندما كان عمره 32 سنة في عام 1980، أثناء الحرب الأهلية في لبنان، حين قرر هو ورفاقه الذهاب في رحلة إلى بلجيكا لشراء سيارات نظيفة بأسعار مناسبة، والعودة بها إلى لبنان عبر البر. وبما أنه لم يقم برحلة مماثلة منذ ذلك الحين، فإن إقامتي في بلجيكا أعادت إليه ذكريات تلك الرحلة، وكان يحكي لي عنها لساعات على الهاتف. وبدا لي وكأنه يريد استعادة ذكرياته'.
وتابعت أنها، خلال حديثه، أرادت أن تسأله عن البلدان التي مر بها وعن الأحداث التي واجهها، و'لاحظت بعض التغيّرات مثل بروز حدود جديدة واندلاع حروب خلال الأربعين سنة الماضية، وفكرت كيف يمكننا أن نرى هذه الحدود والحروب اليوم من خلال العلاقة التي تجمعني بوالدي، وهي علاقة لم نتمكن من التعبير عنها عبر السفر معاً خارج لبنان أو خارج مجتمعنا. وشعرت أن القيام بهذه الرحلة معاً قد يمنحنا فرصة لإعادة التفكير بعلاقتنا، وإعادة النظر في الأربعين سنة الماضية بما شهدته من حروب وأحداث في العالم، وفتح تساؤلات حول ما يمكن أن يحدث في المستقبل'.
وأضافت أن 'الفيلم يتناول هذه الرحلة التي تمر عبر عشر بلدان، بدءاً من بلجيكا، فرنسا، إيطاليا، سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، صربيا، بلغاريا، تركيا، وصولاً إلى لبنان'، مشيرةً إلى أنه 'أثناء تصوير الفيلم في أواخر 2022، واجهنا حدوداً مغلقة بسبب الحرب في سوريا، مما اضطرنا لاستخدام الباخرة من جنوب تركيا إلى طرابلس للوصول إلى جنوب لبنان، حيث قريتنا، كوكبا، التي كانت ضمن المنطقة المحتلة من إسرائيل حتى عام 2000'.
وأكدت أنها أرادت ذكر هذا في الفيلم إذ إنه 'يعكس طفولتي وتاريخ والدي'.
وأردفت أن 'الفيلم ينتهي أثناء فترة الحرب في غزة، بالتزامن مع تهديدات للجنوب وأراضي الزيتون التي يملكها والدي، بالتركيز على الزيتون كمحور عاطفي وشخصي، بينما يتناول في الوقت ذاته القضايا الجيوسياسية الأوسع التي أثرت على منطقتنا في الأربعين سنة الماضية'.
وعن الصعوبات التي واجهتها خلال تصوير الوثائقي، أقرّت عبيد أن 'التحضير للفيلم من هذا النوع ليس سهلاً، لأننا كنا نتنقل بين عشر بلدان لا نعرفها جميعها. فبالنسبة لي، لم أكن قد زرت كل هذه البلدان من قبل، وحتى التي زرتها، لم يكن الهدف من زيارتها مشابهًا لهذه الرحلة'.، مضيفةً أن 'صحة والدي كانت تشكّل أيضاً مصدر قلق كبير بالنسبة لي خلال هذه الرحلة وخاصة أنها أتت بعد فترة من تفشي جائحة الكورونا، فلم أرغب في تعريض أحد للخطر، خاصةً والدي، وهذا وضع عليّ ضغطًا إضافيًا، بالإضافة إلى التحديات الصحية المرتبطة بعمره'.
وتابعت أنه 'رغم ذلك، استمرينا بالتصوير على مدى 42 يومًا متواصلًا من بروكسل إلى لبنان، كان منها 30 يومًا على الطرقات'. هذا كان من أصعب ما واجهنا أثناء التصوير، لكنه أيضًا كان السبب في أن القصة والفيلم تطورا بشكل طبيعي، مواكبين الرحلة وشخصياتنا والأحداث في وقتها الحقيقي'.
وقالت إنه 'بعد التصوير، جاءت الصعوبة في معالجة كل هذه المواد. كان لدينا لقطات كثيرة، ومواقف ومحطات متعددة لم أتمكن من إدراجها جميعًا في النسخة النهائية. اختزال 40 يومًا إلى ساعة و40 دقيقة تطلب مني التضحية بلحظات جميلة كنت أودّ الاحتفاظ بها، لكن كان لا بد من التركيز على العناصر التي تخدم القصة وتساعد في وصولها إلى جمهور واسع، يتعدى الحدود الشخصية والعائلية'.
ولفتت عبيد خلال حديثها مع 'الديار' إلى أن والدها، الذي درس في أكثر من مجال، مثل الأدب العربي، الجغرافيا، والصحافة، في عام 1988، وهو العام الذي ولدت فيه خلال فترة الحرب، كان يعمل في جريدة 'الديار' مع انطلاقتها، مشيرةً إلى أن 'هناك مشهد في الفيلم يتناول هذه الفترة، حيث كنا في إيطاليا نتحدث عن الصحافة، حين سألت والدي عما كان يكتب عنه، أجاب بأنه كان يكتب في قسم الثقافة. وتحدث أيضاً عن عمله في الجريدة خلال تلك الفترة الصعبة، وكيف كانوا يلجؤون إلى الملاجئ أثناء الحرب، مشيراً إلى تجربته في 'الديار' آنذاك'.
وتابعت أنه 'بحكم دراسته للجغرافيا، كان والدي شغوفاً بالسفر واستكشاف البلدان وتاريخها. لكن مع مرور الوقت، لم تسنح له الكثير من الفرص للسفر مجددًا. لذلك، جاءت فكرة الفيلم كفرصة لإحياء هذه الاهتمامات. تجربة العمل على الفيلم معًا كانت مميزة للغاية، إذ أعادت إحياء شغفه وساعدتنا في استكشاف العالم من خلال عينيه'.
وعندما سُئلت عن المفاجآت التي واجهتها أثناء الرحلة، قالت عبيد إننا 'فوجئنا بالعديد من الأمور، على الرغم من أنني كنت قد أعددت نفسي مسبقاً وقمت برحلة استكشافية صغيرة إلى بعض المناطق، فقد كان الهدف أن أتعرف على ما قد ينتظرني لأتمكن من التحضير وكتابة بعض الملاحظات قبل التصوير. لكن الطريق دائمًا مليء بالمفاجآت، وهذا لعب دورًا رائعًا في الفيلم، والحمد لله أننا لم نواجه مشاكل بقدر ما واجهنا لحظات جميلة ومفاجآت ممتعة'.
وتابعت، لكن 'أكثر ما فاجأني كان والدي، فكما ذكرت من قبل، كنت أراه وفق القواعد التقليدية التي فرضها المجتمع، لكن عندما وصل إلى بروكسل واستقبلته في المطار، بدأ الفيلم من تلك اللحظة. وما أثار دهشتي هو كيف بدا وكأنه تخلص من شخصيته المعتادة ليبدأ رحلة جديدة بروح مختلفة تماماً. كان متحمساً بشكل لم أكن أتوقعه، ومتشوقاً ليعيش كل التفاصيل معي، وكأنه ينظر إلى الحياة من منظور عمري'، مشيرةً إلى أنه 'عندما صورت الفيلم، كان عمري 34 عامًا، وهو تقريبًا نفس العمر الذي كان فيه والدي عندما قام برحلته الأولى بعمر 32 عامًا، فشعرت وكأنه يعيد إحياء تلك المرحلة من حياته بنفس الحماس، الانفتاح، والرغبة في الاكتشاف، ولكن هذه المرة معي، مع ابنته. هذه التجربة المشتركة أضافت طابعًا فريدًا ومميزًا إلى الفيلم'.
وعن تطلّعاتها للفيلم، قالت عبيد إن 'أكثر ما أتمناه هو أن يُشاهد في الأماكن والمدن التي زرناها خلال الرحلة. بدأ الفيلم بالفعل بالعرض في بعض هذه المناطق، لكن طموحي أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين. على سبيل المثال، سيعرض قريباً في لبنان ضمن 'مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة' في ABC ضبيه، بتاريخ 30 من الشهر الحالي، وبعد ذلك في طرابلس في الأول من الشهر المقبل، في عرض يُقام في مرسح - طرابلس التي كانت جزءاً من رحلتنا'.
وتابعت إنني 'أطمح أن يصل الفيلم إلى الجمهور وأن يتواصلوا معه بمختلف الطرق، سواء من خلال استكشاف العلاقة بين الأب وابنته، أو العلاقات العائلية بشكل عام، أو حتى عبر مناقشة التاريخ والجغرافيا والسفر والحدود والسياسة، وأن يحاكي الفيلم كل شخص بطريقته الخاصة، وأن يترك أثراً أعمق يتجاوز حدود القصة الشخصية ليصل إلى أفق أوسع'.
وأشارت عبيد إلى أن الفيلم عرض في عديد من المهرجانات الدولية مثل: مهرجان بروكسل الدولي للأفلام في بلجيكا، ومهرجان إيران الدولي للأفلام الوثائقية في طهران، إيران، ومهرجان أمستردام للأفلام الوثائقية (IDFA) عام 2024. كما عرض في مهرجان صوفيا الدولي للأفلام في بلغاريا ومهرجان إسطنبول الدولي للأفلام عام 2025.
وعرض سينمائياً في 'SPOTLIGHT ON WOMXN DIRECTORS' في أنتويرب، بلجيكا، بين شهري آذار ونيسان 2025.
وأضافت عبيد أن 'بعد انتهاء جولته على المهرجانات، سيعرض على قناة الجزيرة الوثائقية'.
ورشّح الفيلم لجائزة 'De Ensors'، ما يعادل جائزة الأوسكار في بلجيكا، عن أفضل وثائقي لعام 2025.
ولفتت إلى أن الفيلم ثمرة إنتاج مشترك بين بلجيكا، لبنان، هولندا، وقطر.
وعن مشاريعها المستقبلية، كشفت أنجي عبيد أنها 'في طور التفكير بمسلسل وثائقي، أو مسلسل قصير ممتد بين أربع أو ست حلقات. ولكن لا يمكنني الإفصاح عن المزيد إذ أن الفكرة لم تتبلور بوضوح بعد'.
وختمت 'عندما تتضح أكثر وتتطوّر، سأتمكن حينها من التكلّم أكثر عن الموضوع'.