اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١١ نيسان ٢٠٢٥
تتفاقم معاناة المزارعين في بعلبك الهرمل عاماً بعد عام، بسبب حرمانهم من الاستفادة من المشاريع الزراعية التي يطلقها 'المشروع الأخضر' التابع لوزارة الزراعة، وفي طليعتها استصلاح الأراضي، بناء البرك الزراعية، إنشاء جدران دعم، وغيرها من المشاريع التي باتت تُموّل بملايين الدولارات في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بلبنان.
ورغم أن هذا المشروع الوطني وُضع أساساً لدعم المناطق الزراعية وتحسين الإنتاج، إلا أن واقع الحال في البقاع لا يعكس هذه الأهداف، إذ يُقصى عدد كبير من المزارعين بسبب شرط أساسي لطلب الدعم، يتمثل بوجوب امتلاك سند تمليك رسمي للأرض. شرط يبدو في ظاهره تنظيمياً، لكنه في العمق يتجاهل واقعاً عقارياً شائكاً تعيشه بعلبك الهرمل منذ عقود، حيث لم تخضع عشرات القرى لعمليات الضم والفرز، ولا تزال ملكية معظم الأراضي تتناقل عبر الوراثة، وتُثبّت بإفادات 'علم وخبر' من البلديات أو المخاتير.
لم يكن هذا الشرط معمّماً طوال الوقت، إذ لجأ بعض الوزراء السابقين إلى إصدار استثناءات سمحت لأبناء البقاع بتقديم طلباتهم اعتماداً على إفادات رسمية صادرة عن السلطات المحلية. ففي عام 2020، أصدر وزير الزراعة الأسبق عباس مرتضى تعميماً استثنائياً استمر شهرين، أجاز فيه للمزارعين التقدم بطلباتهم بناءً على 'علم وخبر'، ما سمح بفتح باب الأمل أمام مئات العائلات الزراعية. في المقابل، عاد الوزير اللاحق عباس الحاج حسن وألغى هذا الإجراء، ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وأبقى البقاعيين خارج دائرة الاستفادة من الدعم.
اليوم، ومع تجدد المشاريع وتمويلها بملايين الدولارات، يجد المزارعون أنفسهم خارج اللعبة مجدداً. ففي مركز 'المشروع الأخضر' في بعلبك، تقبع عشرات الملفات العالقة منذ سنوات، بسبب عدم استيفائها شرط سند التمليك. ومعظم هذه الطلبات تعود لمزارعين يملكون الأرض منذ عقود، لكنهم لا يستطيعون إثبات الملكية سوى عبر إفادات رسمية محلية.
وفي وقتٍ تُعدّ بعلبك الهرمل من أكبر المناطق الزراعية في لبنان، وتُنتج محاصيل متنوعة وأساسية في الأسواق اللبنانية، من الحبوب إلى الخضروات والفواكه. إلا أن هذه الأهمية لا تُترجم على أرض الواقع بدعم فعلي. يقول أحد المزارعين من بلدة ايعات: 'نحن لا نطلب صدقة، بل نريد حقنا في مشروع يُفترض أن يكون وطنياً وشاملاً. الأرض نفلحها منذ زمن أجدادنا، فهل يعقل أن نحرم من استصلاحها بسبب ورقة؟'.
ويتحدث مزارع آخر من بلدة يونين، رافضاً ذكر اسمه: 'أملك أرضاً زراعية مساحتها عشرات الدونمات، لم أتركها يوماً، لكنني لا أملك سند تمليك لها. أستخدم فقط إفادة مختار، ومع ذلك لا أستطيع الاستفادة من أي مشروع. كيف أزرع وأعيل أسرتي إذا كان الدعم موجهاً فقط لمن يملك ورقة؟'.
ويضيف مزارع آخر من بلدة معربون: 'سمعت عن التعميم الذي أصدره الوزير مرتضى في 2020، وبالأمل تقدمت بطلب ولكن لم أستطع متابعة الأمور بعد إلغائه. اليوم الأموال تصرف على مشاريع كبيرة، وأنا هنا لا أستطيع حتى استصلاح أرضي أو بناء بركة مياه. إذا كانت الأرض لنا والزرع لنا، لماذا تُمنع علينا الاستفادة؟'.
مناشدة للوزير نزار هاني
اليوم، يقف مزارعو بعلبك الهرمل أمام معضلة كبيرة، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى. ومع تعيين الوزير نزار هاني في وزارة الزراعة، يأمل الجميع في أن يكون هذا التغيير فرصة لحل الإشكالية العالقة منذ سنوات.
يناشد المزارعون الوزير هاني بإصدار تعميم خاص أو تعديل موقت للآلية المعتمدة، يأخذ بالاعتبار الخصوصية العقارية لمنطقة بعلبك الهرمل. فعدم شمول هذه المنطقة بالاستفادة يعني ببساطة إهدار ملايين الدولارات على حساب فئة واسعة من المزارعين الذين يُفترض أنهم المستهدفون الأوائل من هذه المشاريع.
وفي وقتٍ تُصرف فيه ملايين الدولارات على تطوير مشاريع في مناطق أخرى، لا تزال بعلبك الهرمل محرومة من أبسط الحقوق الزراعية. ويُعتبر إلغاء شرط سند التمليك لصالح اعتماد إفادات الـ 'علم وخبر' من البلدية أو المختار بمثابة الحل الموقت الذي يمكن أن يسهم في تخفيف العبء عن المزارعين الذين هم بحاجة إلى دعم ملموس وعادل.
من هنا، فإن المزارعين يطالبون الوزير نزار هاني بأن يتخذ خطوة جادة وفورية لإيجاد حل لهذه المشكلة، إما من خلال الاستثناء الموقت، أو من خلال تنظيم آلية جديدة تأخذ في اعتبارها الوضع العقاري في البقاع. إنصاف المزارعين البقاعيين ليس مجرد قرار إداري، بل هو استثمار في المستقبل الزراعي للمنطقة، وفي حفظ الأمن الغذائي للبنان.