اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
بعد التوصّل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، أعاد الرئيس ترامب تصويب تركيزه على تنفيذ عهده بإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث اتفق مع الرئيس بوتين الخميس على عقد قمّة في بودابست قريبًا، ثمّ تريّث في منح كييف صواريخ «توماهوك» بعيدة المدى خلال لقائه الرئيس زيلينسكي في البيت الأبيض يوم الجمعة، مشدّدًا بعد الاجتماع على ضرورة وقف الحرب وتجميد خطوط المواجهة بين البلدين. لكن، رغم إصرار ترامب لأسباب استراتيجية عدّة على وضع حدّ للحرب، لم تنجح مقاربته الملف منذ توليته رئيسًا في جعل الروس يقدّمون أيّ تنازل جدّي، بل استغلّت موسكو الفرص التي أتاحها ترامب للتفاوض، بالمماطلة لمتابعة الغزو من دون التصعيد مع أميركا، الأمر الذي من المرجّح أن يتكرّر في القمة المرتقبة خلال الأسبوعين المقبلين.
لا ترى موسكو مصلحة في إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها منها، خصوصًا في ظلّ غياب أي ضغط أميركي ملموس، لذا في كلّ مرّة هدّد ترامب باتخاذ إجراءات ضدّ روسيا، سارع بوتين إلى إبداء رغبته في التفاوض، حيث عقد مثلًا قمّة مع ترامب في ألاسكا هذا الصيف بعد تلويح الأخير بفرض عقوبات قاسية على روسيا، إلّا أن الرئيس الروسي لم يقدّم أي تنازل خلال القمّة وتجنب العقوبات حتى اليوم، ما يدفع الأوكرانيين والأوروبّيين إلى التخوّف من أن تكون «قمة بودابست» مجرّد مراوغة روسية جديدة لإبعاد حمم صواريخ «توماهوك» عن الكرملين واستمرار الغزو.
أقرّ ترامب الأسبوع الماضي بإمكانية أن يكون هدف بوتين من القمّة المرتقبة المماطلة، لذلك لم يستبعد إمداد أوكرانيا بالصواريخ التي تطلبها، خصوصًا في ظلّ رفض الكرملين وقف النار وتكثيف روسيا استهدافاتها الجوّية للمدن الأوكرانية، ولا سيّما منشآت الطاقة في البلاد على أعتاب فصل الشتاء، وخرقها أجواء دول أوروبّية عدة في حلف «الناتو» بالمسيّرات خلال الأسابيع الماضية، ما استدعى تدخل الحلف للمرّة الأولى منذ بداية الحرب بشكل مباشر لإسقاط تلك المسيّرات.
صحيح أن صواريخ «توماهوك» لن تغيّر مسار المعركة بشكل جذريّ بالنسبة إلى كييف، إلّا أن تسليمها لأوكرانيا سيشكّل ورقة ضغط قوية على الكرملين للتنازل عن شروطه التعجيزية لإنهاء الحرب، ومن شأنه أن يجعل التقدّم الروسي البرّي أبطأ وأكثر كلفة، إذ إن أوكرانيا، من دون «توماهوك»، تستمرّ في استهداف منشآت الطاقة في العمق الروسي وفي شبه جزيرة القرم المحتلّة، بفعاليّة متزايدة، ما يقوّض قدرة الكرملين على تمويل آلته الحربية التي تعوّل استمراريّتها على صادرات الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، من شأن منح أوكرانيا قدرات لتصعيد حملتها على الطاقة الروسية، أن يزيد الضغوط على الداخل الروسي، حيث أفاد الموقع الروسي الحكومي للأعمال «غازيتا دوت آر يو» بأن غالبية السائقين الروس يتوقعون مزيدًا من الارتفاع في أسعار البنزين، بينما أوضح «معهد دراسة الحرب» أن «حملة أوكرانيا ضدّ البنية التحتية للطاقة في روسيا تؤثر في سوق البنزين المحلّية، وتفاقم النقص في الإمدادات، ما سيؤدّي على الأرجح إلى زيادة معدّلات التضخم وخلق مزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي في البلاد».
رغم عدم ذهابه إلى حدّ فرض عقوبات جديدة على موسكو ومشتري النفط الروسي وإمداد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» حتى الآن، يساهم ترامب في تضييق الخناق على صادرات الطاقة الروسية عبر استخدام الرسوم الجمركية والمفاوضات الجارية في شأنها للضغط على حلفائه الذين يشترون النفط الروسي، بحيث كشف البيت الأبيض الأسبوع الماضي أن الهند خفضت إلى النصف مشترياتها من النفط الروسي، بعدما جاءت نصف الرسوم الجمركية البالغة 50 في المئة التي فرضها ترامب على السلع الهندية كعقاب على تلك المشتريات. كما كشف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الأربعاء أنه أبلغ وزير المال الياباني كاتسونوبو كاتو بأن واشنطن تتوقع أن توقف طوكيو استيراد الطاقة الروسية.
ينطلق تريّث ترامب في اتخاذ قرار حول عقوبات جديدة على روسيا وصواريخ «توماهوك» من اعتبارات عدّة، فعدا عن حذره من ردّ فعل الروس على تلك الخطوات واحتمال تأجيج النزاع وتوسيعه، لا يزال الرئيس الجمهوري مقتنعًا بأن هناك إمكانية للوصول إلى تسوية سريعة نسبيًا عبر المفاوضات تقضي بتجميد خطوط المواجهة وإنهاء الصراع، مثلما حصل في شبه الجزيرة الكورية إثر الحرب الكورية، غير أن تحقيق نموذج مماثل يتطلّب تخطي عقبات رئيسية، أهمّها إصرار الروس على اعتراف أوكرانيا بسيادتهم على الأراضي التي ستؤول إليهم، ورفض موسكو منح كييف أي ضمانة أمنية جدّية من الغرب، الأمر الذي يجعل موافقة زيلينسكي والأوروبّيين على تجميد النزاع مستبعدة.
في الحقيقة، يريد ترامب إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن من دون إلزام أميركا حاليًا بضمانات أمنية لأوكرانيا شبيهة بضمانات «المادة الخامسة» من ميثاق «الناتو»، فيما يسعى إلى تحسين العلاقات الأميركية - الروسية وإحداث تصدّع في العلاقة الاستراتيجية بين بكين وموسكو، إلّا أنه اكتشف خلال الأشهر الأخيرة مدى صعوبة التوصّل إلى تسوية تحفظ أمن أوكرانيا وتُرضي روسيا في الوقت عينه، لذلك يحاول وضع نفسه في موقع الوسيط وينقل الجزء الأكبر من حمل مواجهة الروس إلى الأوروبّيين، بحيث توصّل إلى اتفاق معهم يقضي بشرائهم الأسلحة الأميركية وإرسالها إلى أوكرانيا بعدما كانت أميركا ترسل الأسلحة مباشرة إلى كييف خلال عهد بايدن. كما اشترط أن تفرض الدول الأوروبّية عقوبات ثانوية على مشتري النفط الروسي كي تقوم بلاده بذلك.
يستعدّ الاتحاد الأوروبي للتصويت اليوم على حزمة عقوبات جديدة ضدّ موسكو، وقد كثف دعمه لكييف على كافة الصعد منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ووافقت كلّ الدول الأوروبّية المنتمية إلى «الناتو»، ما عدا إسبانيا، على رفع موازناتها الدفاعية إلى 5 في المئة من الناتج المحلّي، كما تعهّدت الدول الأوروبّية بلعب دور رئيسي في ضمان أمن أوكرانيا في إطار أي تسوية محتملة للنزاع، من ضمنها نشر قوات حفظ سلام داخل البلاد، غير أنه رغم كلّ ذلك، سيكون صعبًا على الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا ردع روسيا وإيقاف الحرب من دون انخراط أميركا الحاسم في تلك الجهود، الأمر الذي سيقتنع به ترامب عاجلًا أم آجلًا، ولا سيّما إذا استمرّ الروس في انتهاج دبلوماسية المماطلة والهروب إلى الأمام خلال «قمة بودابست» وما بعدها.