اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥
لم يمرّ هجوم تدمر الذي سالت فيه دماء أميركية على التراب السوريّ منتصف الشهر الحالي مرور الكرام مع قاطن البيت الأبيض. فبعدما بانت بصمات تنظيم الدولة الإسلامية جليّة في الهجوم الذي تسبّب في مقتل ثلاثة أميركيين، هم جنديان ومترجم، لم تتأخر المقاتلات الأميركية في إدارة محركاتها لتتجه صوب مواقع التنظيم في البادية السورية وريفي دير الزور والرقة، مطلقة العنان لعملية عين الصقر ضدّ داعش في سوريا.
لا ريب في أن هجوم داعش ضدّ القوات الأميركية في تدمر لا يمكن مقارنته بحجم الردّ الأميركي المهول، الذي يمكن وصفه بـ الردعي و الانتقامي، وحتى الاستعراضي في آن، من خلال تنويع الأسلحة التي استُخدمت في الحملة الجوية والبرية. فلا يغيب عن البال أن الجالس في المكتب البيضوي هو الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي يتفاخر بعظمة بلاده وجبروتها العسكري، ولم يتردّد لبرهة في استخدام القوّة لدعم دول حليفة لبلاده، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بمهاجمة قوات بلاده بصورة مباشرة.
لا شك أيضًا في أن قائد سفينة العمّ سام أراد توجيه رسائل نارية إلى من يعنيهم الأمر، من دول وجماعات مسلّحة تكنّ العداء لبلاده أو تخاصمها، من آسيا إلى القارة العجوز فأميركا اللاتينية، بل حتى في كافة أصقاع المعمورة، ليؤكد لها أنه ضابط الإيقاع العالمي، وأن أي حسابات خاطئة مع بلاده ستكون أثمانها باهظة.
في الجانب السوري، سارعت دمشق إلى مباركة عملية عين الصقر، بعدما باتت في قلب المشهد الأمني الدولي، من خلال توقيعها على الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، وهي جادة في هذا الإطار في مواجهة التنظيمات المسلّحة، ولا سيّما تنظيم الدولة الإسلامية، كذلك بعدما أمست سوريا الجديدة غير ممانِعة، لا بل تتموضع في الفلك الأميركي كأحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة، خصوصًا في أعقاب حلول الرئيس السوري أحمد الشرع ضيفًا عزيزًا على نظيره الأميركي في رحاب البيت الأبيض، وبعد تحرّر سوريا عمليًا قبل أيام من شباك قانون قيصر، وانطلاقها نحو الفضاء الاقتصادي العالمي.
وإذا كانت المشاركة السورية متواضعة عملياتيًا، مقارنة بالدول الأخرى المقتدرة عسكريًا في صفوف التحالف الدولي، إلّا أن تعاونها الاستخباراتي المتبادل مع دول التحالف، أتاح لها القبض على العديد من عناصر التنظيم أخيرًا، كما أنها زوّدت بلا شك التحالف، كما واشنطن، بمعلومات ميدانية ثمينة، أتاحت للمقاتلات الأميركية دك أوكار داعش في البادية السورية المترامية الأطراف، والتي تعدّ أحد أهم معاقل التنظيم في سوريا.
من نافل القول إن الرئيس السوري يجهد للمواءمة بين مقارعة التنظيمات المتطرفة التي لم تدخل في المنظومة العسكرية للدولة الوليدة، لا بل هي على نقيض منها، وبين مراعاة مشاعر بيئته الحاضنة السابقة، التي انبثق منها في بادئ الأمر وانطلق من صفوفها كمحارب للقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، قبل أن تضحي بلاده على رأس الدول التي تحارب هذه التنظيمات. لذلك، لن يكون الأمر يسيرًا على حكومة الشرع المنشغلة بملفات داخلية جمّة، حيث تغرّد مناطق كبيرة خارج سرب الدولة المركزية، في ظلّ سعي الشرع الحثيث للحفاظ على تماسكها كي لا يكون رئيسًا على أجزاء من سوريا فقط.
وهنا تكمن مصلحة دمشق أيضًا في القضاء على فلول داعش، كي تسحب البساط من تحت أقدام قوات سوريا الديمقراطية التي تتحجج بالتنظيم الإرهابي وبمحاربته، من أجل تقسيم سوريا. لذلك، تعتبر الدولة السورية أن الحلّ الأنجع لمواجهة التقسيم هو اقتلاع داعش من جذوره، والوصول إلى أمن مستدام، يتيح السير على طريق إعادة الإعمار والتنمية المتوازنة في كافة أنحاء البلاد، الخارجة من سنين حرب طويلة، تركت مناطق عدة أثرًا بعد عين.
بدا لافتًا في عملية عين الصقر أيضًا، مشاركة الأردن فيها، الذي دفع بسلاح الجو الملكي لاستهداف مواقع تابعة لـ داعش في سوريا، بغية منع التنظيمات المتطرفة، بحسب سلطات عَمّان، من الانطلاق من مناطق سورية لتهديد دول الجوار والمنطقة برمتها. وهنا لا بدّ من التذكير بـ حساب قديم بين داعش والمملكة الأردنية لم يُغلق بعد ولم ينسَه الأردنيون، وهو مشهد مقيت لإحراق التنظيم في أوج فترة صعوده عام 2015، الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيًا بلباسه البرتقالي، بعد وضعه في قفص حديدي وإضرام النار فيه، لتأكله ألسنة اللهب على مرأى من العالم بأسره.
يبقى أن عملية عين الصقر الأميركية كانت ثاقبة حتمًا، وألحقت خسائر بشرية بـ داعش، كما أتت على العديد من أوكاره ومواقعه وقدراته العسكرية. وفي ظلّ تلويح واشنطن بإطالة أمد هجومها في سوريا، يتساءل المراقبون إن كانت العملية ستكون مفتوحة، أم أنها خاطفة وتأديبية فقط.











































































