اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
الرقيّ الاجتماعي سيّر المجتمع نحو الكمال بوضع الدساتير والشرائع المقصود منها تدبير شؤون البشر على كونهم مؤلفين جماعة. هذا التقدّم لا يبلغ الغاية منه إلّا بتقدّم النظام الأخلاقي. والثابت ان إصلاح الشرائع وترقية الدساتير، بلا إصلاح أفراد الأمة، أمر مستحيل. إصلاح النفوس إذا قبل النصوص!
الإصلاح الحقيقي ليس ببادئ في المجتمع بل في الأفراد، وليس خارج الإنسان، بل في صميم الإنسان، ولا بإبادة بلايا الأجساد وحدها، بل باستئصال رذائل النفس قبلها. عليك نفسك فتّش عن معايبها. أجل، ان الدساتير والشرائع لا تخلو من فائدة لتقويم أود البشر، لأنها تؤثر في الأخلاق والعادات. لذا، لزم أن تكون متاخمة للكمال، متجدّدة. الأشرار عاجزون عن أن يسنّوا شرائع صالحة، لان الإناء ينضح بما فيه والشجرة الصالحة تثمر ثمرا صالحا، والشجرة الرديئة تثمر ثمرا رديئا. فلِمَ يسعون لابتداع الإنسان الآلي أو الإنسان المتأله أو الإنسان الصناعي، ويشرعنون زواج المثليين مع تبنّي الأولاد وكذلك الإجهاض والاستنساخ والمساكنة والموت الرحيم أو الهني؟ هل يريدون تفكيك الأسر خصوصا وتاليا تدمير الألفة في المجتمع؟
ما تقدّم يعزّز الاستلاب والعبودية ولو بلباس قشيب. الحرية المطلقة تقيّد المجتمعات كما فقدان الحرية، وتتسبب بمختلف الخضات والحروب الأهلية تحت أوهام الثورة والتجديد، ولا ثورة ولا تجديد في دنيا العرب كما جاء في كتابي بعنوان «فلسفات الثورة».
التقدّم الحقيقي من الوجهة الاجتماعية، شأنه شأن التوسّع في ميادين العلم أو تطور الفنون، لا يتم بمفرده، بل مع ذلك وفوق ذلك في تكامل الإنسان من حيث هو إنسان!
أرى ان شعوبنا ليست على جانب كبير من الاستقامة والحلم والشجاعة والمحبة المنزّهة، إلّا في ما ندر. لذا، يمكن بعضهم أن يكونوا فلاسفة وفنانين وإداريين حقيقيين بما وهبه لهم لله من ذكاء عملية وابتكارات آنية فردية، تنتقل شيئا فشيئا والى حد ما من القوة إلى الفعل كما يذهب إليه «جدنا» أرسطو، ليس لان هذه الفضائل من ذاتها تهب العلم بهذا كله، بل لأنها تساعد على اكتسابه وإتقانه. وما الترقّي الأدبي أو الأخلاقي سوى استئصال شأفة ما في طبيعتنا من شطط، وتجميل نفوسنا وأخلاقنا، بمختلف الفضائل الإنسانية المتكاملة بالضرورة.
من أصلح نفسه وزيّنها بمكارم الشمائل كان النجاح حليفا لأعماله، ورفيقا لحياته العلمية والفنية والاجتماعية على العموم.
الخلاصة إذا هي: الأخلاق الحميدة أساس المعارف القديمة والجديدة. ولكن، بقدر ما تتقدّم معارفك تزداد مسؤوليتك الأخلاقية. انها لحقيقة بديهية يجب أن يعيها ويمليها أصحاب الفكر والرأي على أصحاب النفوذ. وفي هذا إشارة مجدية إلى تقدّم الملوك الفلاسفة أو الفلاسفة الملوك على سواهم! فإلام يتقاعس وزراء العقل اللبناني عن القيام بأبسط واجباتهم من هذا القبيل؟ هل مردّ ذلك إلى جهلهم أو تجاهلهم أو توقهم الدائب إلى التجهيل؟
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه