اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٥
كتب الناشط السياسي والجنوبي صخر عرب على صفحته عبر 'الفايسبوك' عن كيفية تلقيه خبر دمار بيت خاله في صور وهو في غياهب النزوح.
كتب يقول :' فيما أنا جالس أطالع كتابا عصر يوم خريفي، وابنتي عزّة تتابع اخبار الوضع في (صور) والمدينة، واخر الاستهدافات. عبر السوشيال ميديا، وكنا نازحين في صربا جونيه. التفتت صوبي قائلة:
_ بابا يوجد خبر.
_ سيئ؟
_ صحيح.
_ بيت خالي؟
لا اعرف لماذا ذكرته وتذكرته..
_ صحيح، سقط اغلبه بالقصف ودُمِّر.
وكأن كل مخاوف وقلق أكثر من عام من حرب تجتاح بلدنا كانت تنتابني، وقد تفجرت لما أخبرتني بوجود ' خبر'،
لا اعرف لماذا ذهب قلبي فورا لبيت خالي محمد دبوق.. لقد دمرت طائرة حربية البيت الأبيض، الجميل الواسع المبني في حي هادئ في صور، والمكون من طابقين، والمسيج بشجرات السرو العالية. تذكرت خالي الذي لم يسمع نصائح الكثيرين بتحويل الطابق الأرضي لمحلات أو مشروع تجاري. رفض بحزم كل مشاريع الاصحاب بتخريب وتشويه الجمال. تذكرت لما كان يروي لنا فيه حكايات طفولته وأمي، واحتضان جدهما لهما وقد تيتما صغيرين مع خالتي، ويخبرنا عن أيام العزّ والدلال، ويحكي قصص فتوّته وشبابه وزواجه، وتربية الأولاد ونهفات أولاده واولاد اخته' امي' وشقاواتهم. تضحك زوجته عمّتي عزيزة عرب، وتبتسم قائلة: رزق الله على تلك الأيام يا ماما، ورياض وصخر وهيفا ومهى وكل اخواتكم يلعبون ويلهون بأمان ويملأون البيت والدنيا ضجيجًا وصخبًا وخالك يراقب راضيّا.
خابرت رياض ومصطفى وندى وهيفاء مواسيا، واجهشت باكيا.
إقرأ أيضاً: خليل الخليل « جنوبية»: عون وسلام يرفضان المحاصصة والتفسير الخاطئ للميثاقية
توجهت مشيًا لكنيسة مار جرجس صربا القريبة، قبل قرع جرس صلاة الساعة ٧ مساءً بوقت وارتحت لوجودي وحيدا وقتها، قبل ان ياتي المؤمنون للصلاة، لعل صلاة المؤمنين وترتيلهم كجوقة ملائكية تنزل بعض السكينة وتقدم العزاء..
كان الخوري يعظ ويتكلم بهموم الحرب، ينتقد اولئك الشبّان الذين يصورون بهواتفهم غارات الطيران على أبنية الضاحية الجنوبية، و'يهللون' بالتكبير عند تفجير بناية مستهدفة وانهيارها، يقول:
_ بعض الشباب لا يراعون الم وفجيعة وحزن أصحاب البيوت التي يدمرها الطيران، ولا يراعون خسارتهم والمهم. نحن المسيحيين ذبيحة البشرية، ضد الحروب وضد التهييج، وعنصر سلام كما اوصانا يسوع المسيح) ..
انتهت صلاة المساء، كنت جالسا منفردا وجدت نفسي وحيدا من جديد وقد خرج الجميع، فتفجرت الدموع المحتبسة في عيوني منذ زمن، وبكيت وحدي في الكنيسة، كانت شمعة تحترق في كوب زجاج على مقعد خشبي. قمت باطفائها.
خرجت وسرت ليلا بالطريق الطويل مفكرًا:
( نحن المسلمين الشيعة نملك مرثية عظيمة جميلة من البكاء والتفجع على الإمام الحسين وعلى أهل البيت ومصائبهم، فهل قدرنا، والجنوبيين واللبنانيين التألم والمعاناة للأبد؟ ما هذه الحرب؟ لماذا علينا أن نقبلها ونكون قرابين واضاحي الأكاسرة والسلاطين وعتاة رأس المال، وعلى مذبح ومصالح الدول؟
استيقظت صباحًا وعيناي متورمتان من الألم، تريد الدموع التي حبستها طويلا ان تخرج مع كلّ القلق والخوف على بيتي واحبتي ومدينتي ووطني وكتبي واغراضي وأهلي.. كل الحزن والغضب والخوف أن نصبح دون بيت، ونحن كبرنا وفي هذه السنّ، نقودنا محجوزة في البنوك، وحتّى لو افرجوا عنها فلن تكفي لبناء بيت اخر وحتى لشراء أثاث جديد !
متى ينتهي هذا الكابوس الذي يعيشه اللبنانيون؟ وان يكن خوفي الأكبر هو على أولادي واولاد احبابي وبلدي ومصيرهم..
كنت خجلا من الحديث مع اولاد خالي، ولا ارغب بالكلام ثانية كيلا اجرحهم.
لكنني تحادثت من جديد وتواصلت محاولا كبت الدموع والبكاء قدر الإمكان..