"ستارلينك" لبنان: ما علاقتها بوزير الاتّصالات وبالشبهات المرتبطة بمعاقَب أميركياً؟ 

مع دخول 'ستارلينك' إلى لبنان، برزت إشكالية حول مساعي الشركة الأميركية للتعاقد مع 'Connect Services Liberia' كموزّع لخدمات 'ستارلينك' في لبنان، من دون فتح باب المنافسة بين الشركات الأخرى، وهي الشركة التي سبق أن ترأّسها وزير الاتّصالات الحالي شارل الحاج. 

في 22 آب/ أغسطس 2025، صدر مرسوم يقضي بترخيص شركة 'ستارلينك لبنان' (Starlink Lebanon) لتقديم خدمات توزيع الإنترنت على كامل الأراضي اللبنانية، عبر الأقمار الصناعية المشغَّلة من شركة 'سبيس إكس' (SpaceX)، المملوكة لرجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، وذلك وفقاً لما نشرته هيئة الشراء العامّ على موقعها الإلكتروني.

يُعدّ هذا القرار سابقة في قطاع الاتّصالات اللبناني، إذ يُدخل لبنان للمرّة الأولى إلى سوق الإنترنت الفضائي عالي السرعة، الذي لا يعتمد على البنى التحتية التقليدية مثل الكابلات الأرضية، ما يتيح وصول الخدمة إلى المناطق النائية والمحرومة.

مع دخول 'ستارلينك' إلى لبنان، برزت إشكالية حول مساعي الشركة الأميركية للتعاقد مع 'Connect Services Liberia' كموزّع لخدمات 'ستارلينك' في لبنان، من دون فتح باب المنافسة بين الشركات الأخرى، وهي الشركة التي سبق أن ترأّسها وزير الاتّصالات الحالي شارل الحاج.

لم نستطع توثيق امتلاك الوزير أي حصّة أو أسهم فيها بسبب صعوبة الوصول إلى إفادات الشركات من السجلّ التجاري اللبناني.

الوثائق المتعلّقة بملكية الشركات وحصصها أتاحتها عملية بحث عبر مصادر مفتوحة، وأظهرت هذه الوثائق امتلاك الوزير الحاج أكبر حصة في شركة XOL Holding، التي ورد فيها اسم ناصيف بشارة صاحب السهم الواحد، المدير العام لشركات 'مدى' و'Connect Services Liberia' و'Waves SAL'، إضافة إلى امتلاك جويل كويومجيان، المدير المالي لهذه الشركات أيضاً، سهماً واحداً أيضاً.

هذه الشركات جميعها سبق وترأسها الحاج، كما برز في الوثائق اسما ريمون زينا رحمة وشقيقه تيدي، الموضوعين على لائحة العقوبات الأميركية 'ماغنيتسكي'، بسبب قضايا فساد متعلقة بملفّي 'سوناطراك' وتهريب النفط.

'درج' تواصل مع مكتب الوزير الحاج للسؤال عن صحة المعلومات بشأن الشركات، فكانت الإجابة أن سؤالنا 'تحريضي' ويفترض 'سوء النية'.

مستشار الوزير أنطوان سعد أكد أن الوزير الحاج 'لا يملك سهماً واحداً في أية شركة تعمل في مجال الإنترنت في لبنان'، معتبراً أن 'الحملات الدعائية المتواصلة ضده متوقعة، وهي تتزامن دائماً مع إجراءات ومشاريع تنظيمية وإصلاحية، بخاصة في مجال التوزيع غير القانوني للإنترنت، الذي ربما يرى فيها البعض تهديداً لمصالحه'.

'درج' حصل أيضاً على مسوّدة العقد بين شركة 'ستارلينك ش.م.ل' ووزارة الاتصالات، التي تتضمّن عدداً من الثغرات القانونية التي كان ينبغي تلافيها، وفقاً للنائب ياسين ياسين وخبير في الاتصالات فضّل عدم ذكر اسمه.

كيف بدأت القصة؟

قبل صدور المرسوم بشهرين فقط، وتحديداً في 25 حزيران/ يونيو 2025، تلقّى الرئيس اللبناني جوزاف عون اتصالاً هاتفياً من الملياردير الأميركي إيلون ماسك، أعرب خلاله عن اهتمامه بالاستثمار في قطاع الاتصالات اللبناني عبر شركته 'سبيس إكس'. الخطوة وُصفت حينها بأنها مؤشر إلى رغبة ماسك في توسيع نشاط 'ستارلينك' في منطقة الشرق الأوسط.

لذلك، طرح أحد النواب في لجنة الاتصالات سؤالاً حول مدى صحّة هذا الاتصال، وهو ما اعتبرته الرئاسة 'تشكيكاً غير مبرر' بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية، خصوصاً أن ماسك لم يُدلِ بأي تصريح أو ينشر أي إشارة إلى المكالمة عبر منصته 'إكس'، وهو ما استند إليه النائب، وفقاً لعضو اللجنة النائب ياسين.

غير أنّ النقاشات التي دارت لاحقاً داخل مجلس الوزراء أثارت سلسلة من التحفّظات والشكوك، تمحورت حول الجهة التي ستتولى توزيع الترددات المحلية، وآلية احتساب الرسوم المالية التي ستدفعها الشركة لوزارة الاتصالات، إلى جانب مخاوف متزايدة تتعلق بتصدير بيانات المستخدمين والشركات خارج لبنان، واحتمال خضوعها للرقابة أو الوصول إليها من جهات أجنبية.

ما علاقة الشركة الموزّعة بالوزير الحاج؟ 

بالتزامن مع موافقة مجلس الوزراء على استقدام شركة 'ستارلينك' إلى لبنان، أُسِّست شركة محلية باسم 'ستارلينك ش.م.ل' لتكون الجهة المتعاقدة معها، والمسؤولة عن توزيع الترددات، والتركيب، والصيانة، بحسب ما ورد في مسوّدة العقد التي اطّلع عليها 'درج'.

لكن بما أن الشركة الأميركية قد تحتاج إلى وكيل محلي لتنفيذ هذه الخدمات داخل لبنان، برز اسم شركة 'Connect Services Liberia'، التي سبق أن ترأسها وزير الاتصالات الحالي شارل الحاج منذ 2000 حتى تسلّمه الوزارة في شباط/ فبراير من العام الحالي.

والحاج استقال من الشركة بعد تعيينه وزيراً، وفق بيان رسمي صدر رداً على سؤال النائبين إبراهيم منيمنة وياسين ياسين حول علاقته بالشركة أعلاه، واطلع عليه 'درج'.

مع ذلك، لا تعني استقالة الوزير الحاج بالضرورة انفصاله التام عن الشركة إيّاها، إذ يُرجَّح أن يكون صاحب الحق الاقتصادي، أو المساهم في شركة 'Mada' التي تملك شركة 'Connect Services Liberia'، بحسب مصادر قانونية.

حاول 'درج' الحصول على بيانات من السجل التجاري اللبناني للتأكد من هذه المعطيات، لكن لم تتوافر أي معلومات موثّقة. وحتى في حال لم يكن للوزير الحاج أي علاقة مباشرة مع الشركتين بعد استقالته، تبقى علامات الاستفهام قائمة حول سبب تفضيل هذه الشركة تحديداً لتنفيذ المشروع، من دون اللجوء إلى استدراج عرض رسمي يضمن الشفافية والمنافسة العادلة، بخاصة وأن منصب المدير التنفيذي لـ'Mada' و'Connect Services Liberia' انتقل إلى ناصيف الياس بشارة، الذي سبق أن شغل منصب المدير العام لشركتي الحاج.

مراجعة المعلومات المتاحة عن الشركات تظهر شبكة علاقات وصلات تثير المزيد من الأسئلة.

إدارة بشارة لشركات 'Waves SAL' و'Mada' و'Connect Services Liberia' و'Connect Services SAL' ليست سرّاً، لكنّ المفارقة أن بشارة مساهم في شركات الحاج كلّها. عدا أن ريمون زينا رحمة وشقيقه تيدي يملكان حصّة في شركة 'Connexions Services Holding' من خلال شركتيهما 'SJC Holding' و'4G Holding SAL'، إضافة إلى ذلك، ريمون رحمة هو شريك مؤسّس أيضاً في 'Waves'، وفقاً لوثيقة اطّلع عليها 'درج'.

عدا إدارته الشركات المذكورة أعلاه، يدير بشارة أيضاً شركة 'AEC ADVANCED ENGINEERED COUPLING LTD' في قبرص التي نشأت في 2010، والجدير ذكره أن هذه الشركة لا تملك موقعاً إلكترونياً أو وصفاً عن طبيعة أعمالها، كلّ ما نعرفه عنها أنها مسجّلة في قبرص بتاريخ 19/02/10 كشركة محدودة تحمل رقم التسجيل HE262748، وأنها شركة نشطة، وفقاً للسجلّ التجاري القبرصي.

من جهة أخرى، يشغل جويل كويومجيان منصب المدير المالي الحالي لـ'Mada'، وكان قد شغل سابقاً منصب المدير المالي لشركة 'GrowGreen Inc'، التي ترأسها الحاج من 2016 حتى تاريخ حلّ الشركة في الولايات المتّحدة الأميركية في 2023، وفقاً لموقع 'Open Corporates'.

بالعودة إلى ناصيف بشارة، فقد كان مديراً لشركة 'Connexion Services LTD' المسجّلة في المملكة المتحدة، التي تأسست في 4 آب/ أغسطس 2020، قبل أن تُشطب من السجل التجاري البريطاني بعد إرسال تنبيه بإقفالها، وفقاً لما هو منشور على موقع Companies House الرسمي.

وفي هذا السياق، تواصل 'درج' عبر البريد الإلكتروني مع أوليفر كاييه المسؤول الإعلامي في السجلّ التجاري البريطاني، الذي أوضح قائلاً: 'نحن لا نعلّق على الشركات الفردية، ومع ذلك، أدرجتُ بعض المعلومات المتعلّقة بعمليّة الشطب الإلزامي والتي قد تكون مفيدة'.

وأضاف كاييه: 'تمنح المادّة 1000 من قانون الشركات للعام 2006 المسجّل الصلاحية لبدء إجراءات الشطب، إذا وُجد سبب معقول للاعتقاد بأن الشركة لم تعد تمارس أعمالها أو توقّفت عن العمل. عادةً يبدأ المسجّل هذه الإجراءات عندما تُخالف الشركة القوانين بعدم تقديم حساباتها السنوية أو بيان التأكيد، وقبل شطب الشركة، يتواصل المسجّل معها للاستفسار عمّا إذا كانت لا تزال تمارس نشاطها، وإذا لم يتمّ تلقّي أيّ ردّ، يُنشر إشعار في الجريدة الرسمية (Gazette) يوضح نيّة المسجّل شطب الشركة من السجل، وفي حال لم يتمّ تقديم ما يثبت العكس أو الاعتراض على القرار، تُشطب الشركة نهائياً وتُحلّ، مع نشر إشعار نهائي بذلك في الجريدة الرسمية'.

مخالفات 'بالجملة'

بدأت المخالفات بإصرار مجلس الوزراء على حصرية 'ستارلينك'، وعدم إستدراج عروض عالمية، مع التوجّه إلى هيئة الشراء العامّ، حسبما أوضح النائب ياسين لـ'درج'، مشدّداً على أنه 'من الأساس، يجب أن يمرّ الموضوع عبر هيئة الشراء العامّ، لأنه عند استقدام خدمة إنترنت فضائي، نستقدم بوابة إلكترونية تمرّ عبر الفضاء، وهذا يتطلّب بالحدّ الأدنى وجود هيئة ناظمة تشرف على العمليّة، وهي غير موجودة حالياً، كما يستوجب حكماً، المرور عبر مسار الشراء العامّ'، وهذا ما أكّده أيضاً خبير في الاتّصالات لـ'درج' فضّل عدم الكشف عن هويّته لأسباب مهنية.

جاء في الإشعار الصادر عن 'هيئة الشراء العامّ'، ضمن الأحكام والشروط المتعلّقة بمرسوم الترخيص، أنه: 'يرخّص لشركة ستارلينك لبنان، على أساس غير حصري، بيع وتسويق وتوفير وصيانة معدّات خدمات إنترنت ضمن الأراضي اللبنانية، بشركة Spacex، لتقدّم للمؤسّسات والشركات والسفن والطائرات'، لذلك، رفع التساؤل عن عدم استدراج العروض من البداية، علماً أن شركة أوروبية قد تقدّمت سابقاً بعرض للحكومة اللبنانية عبر وزارة الاتّصالات، إلا أنه رُفض عرضها، وفقاً لياسين.

وينصّ البند الأوّل من المادّة 19 في قانون الاتّصالات على أن 'منح تراخيص خدمات الاتّصالات يتمّ بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح الوزير، وبعد إجراء مزايدة عالمية عامّة. ويتمّ ذلك وفقاً لدفتر الشروط الذي تعدّه الهيئة، ووفقاً للترخيص الممنوح لمقدّمي الخدمات، ولم يلتزم مجلس الوزراء بذلك'.

حاول 'درج' التواصل مع رئيس 'هيئة الشراء العامّ' جان عليّة مرّات عدّة للاستفسار عن الموضوع، إلا أنه رفض الردّ.

أوجيرو 'شاهد زور' 

جاء في المادّة التاسعة من مسوّدة العقد الموقّعة بين شركة 'ستارلينك ش.م.ل' ووزارة الاتّصالات، التي اطّلع عليها 'درج'، أن 'هيئة أوجيرو' هي الجهة المسؤولة عن تخزين البيانات، وهو ما أثار استغراب ياسين، بخاصة أن عمليّة التخزين ستتمّ في قطر وليس في لبنان.

وبرأي ياسين أن 'المسوّدة تتضمّن التباساً في عدد من النقاط'، معتبراً أن 'أوجيرو تلعب دور 'شاهد الزور'، لأنها ليست مزوّدة الخدمة الفعلية، ولا تملك دوراً أساسياً في المشروع'.

ووفقاً لما ورد في المسوّدة، ستُحفظ بيانات المستخدمين في قطر، على أن تُتاح إمكانية الوصول إليها في لبنان عبر تقنيتي mirroring أو downloading (التنزيل)، لكنّ هذا 'لا يمنح الدولة اللبنانية حقّ الوصول المباشر إلى هذه البيانات، إذ إنه في حال طلب القضاء اللبناني الاطّلاع عليها، يجب أن يحصل على إذن مسبق من دولة قطر أو من شركة SpaceX'، بحسب ما أوضح النائب ياسين.