اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٩ نيسان ٢٠٢٥
«في عالم يتسارع فيه الابتكار وتتنوّع فيه مجالات الإبداع، تبرز الملكية الفكرية كركيزة أساسية لضمان حق المبدعين وحماية أعمالهم من الاستغلال غير المشروع».
في السادس والعشرين من نيسان من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للملكية الفكرية، وهي مناسبة هامة تسلّط الضوء على أهمية هذه الحقوق القانونية في حفظ وتطوير الإبداع البشري، سواء في مجالات الفن، الأدب، التكنولوجيا، أو حتى العلامات التجارية. يهدف هذا اليوم إلى تعزيز الوعي في المجتمع الدولي حول الدور الحيوي الذي تلعبه الملكية الفكرية في تحفيز الابتكار والنمو الاقتصادي، حيث تمثل هذه الحقوق أداة قانونية هامة تساهم في حماية الأعمال الفكرية وتحقيق العدالة للمبدعين والمبتكرين في مختلف المجالات.
وبصفتي محامياً، أرى أن الملكية الفكرية ليست مجرد مجموعة من القوانين التي تحمي الإبداعات، بل هي تجسيد للعدالة في عالم يتزايد فيه التنافس على المعرفة والابتكار. فحقوق المؤلف، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، هي الوسائل القانونية التي تضمن لكل مبدع أو مبتكر حقه في حصاد ثمار جهوده الفكرية، وتساعد في الحفاظ على مصالحه الاقتصادية من الاستغلال غير المشروع. كما أن هذه الحقوق تسهم في خلق بيئة ملائمة للاستثمار في البحث والتطوير، مما يعزز من التقدم العلمي والتكنولوجي، ويعود بالنفع على المجتمع بشكل عام.
إن هذه الحقوق تتطلب حماية قانونية محكمة، خصوصاً في ظل التحديات التي تفرضها العولمة والتطور التكنولوجي السريع. إذ أصبحت الحدود بين الدول أكثر مرونة، مما يفتح المجال لانتشار التعدّيات على حقوق الملكية الفكرية عبر الإنترنت أو في الأسواق العالمية. ولذلك، من المهم أن يكون هناك تعاون دولي فاعل لتطوير آليات قانونية تواكب هذه التغيّرات، وتضمن الحماية الفعّالة للإبداعات الفكرية على مستوى عالمي. ويجب أن تساهم القوانين الدولية والوطنية في ضمان توازن بين حماية الحقوق الفكرية وبين تحقيق المنفعة العامة، خاصةً في مجالات الصحة والتعليم والبيئة.
علاوة على ذلك، فإن الملكية الفكرية تلعب دوراً محورياً في ضمان المنافسة العادلة في الأسواق، كما تشجع الشركات والمبدعين على الاستثمار في تطوير أفكار جديدة ومبتكرة. وهو ما يساهم بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن تحسين جودة المنتجات والخدمات في مختلف القطاعات. ولذلك، فإن توفير الحماية القانونية لهذه الحقوق ليس مجرد ضرورة للمبدعين فحسب، بل هو أيضاً استثمار طويل الأجل في رفاهية المجتمع ككل.
ومع التطور المستمر في مجال التكنولوجيا، أصبحت الحاجة إلى تحديث قوانين الملكية الفكرية أكثر إلحاحاً. فالتكنولوجيا الجديدة توفر فرصاً كبيرة للابتكار، لكنها أيضاً تفتح المجال لانتشار انتهاكات حقوق الملكية الفكرية بطرق مبتكرة ومعقّدة. من هنا، يظهر دور القانون في تأمين بيئة قانونية مرنة وقادرة على مواجهة هذه التحديات، مع ضمان حقوق المبدعين والمبتكرين في مواجهة التعدّيات الرقمية.
إن اليوم العالمي للملكية الفكرية لا يقتصر على الاحتفال بالإنجازات التي تم تحقيقها في هذا المجال، بل هو أيضاً دعوة لنا جميعاً للعمل على تعزيز الوعي بأهمية هذه الحقوق والعمل على تطوير التشريعات والآليات القانونية لضمان حماية الإبداع. كما أن هذا اليوم هو تذكير بأهمية التعاون الدولي لتعزيز ثقافة احترام الملكية الفكرية، التي تُعد أساساً للتنمية المستدامة في مستقبل الابتكار والتقدّم البشري.
وفي الختام، أؤكد أن حقوق الملكية الفكرية ليست مجرد حماية للمبدعين بل هي ضمان لاستدامة التطور الإنساني والاقتصادي. ويجب أن تكون هذه الحقوق في صلب السياسات القانونية لتطوير المجتمعات، فالأفكار والإبداعات هي منبع التقدّم.
في النهاية، تبقى الملكية الفكرية أحد أبرز الأبعاد القانونية التي تشكّل الجسر بين العدالة القانونية والتقدّم الاقتصادي، ويجب علينا جميعاً أن نعمل جاهدين لضمان احترام هذه الحقوق ودعم الإبداع المستدام.
«الملكية الفكرية ليست مجرد حق، بل هي التزام قانوني تجاه مستقبل الإبداع والابتكار».
* الأمين العام لاتحاد المحامين العرب (السابق)