اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
اللواء حسن شقير في عدد مجلة الأمن العام الجديد:
الأمن الإستباقي: درع الوطن وعينه الساهرة
منذ تأسيس المديرية العامة للامن العام، كان الهاجس الاساس الذي يوجّه اداءها ويحدّد مسار عملها هو حماية لبنان وامنه، وصون حياة اللبنانيين ومؤسساتهم من اي تهديد داخلي او خارجي. هذه المهمة عقيدة راسخة في وجدان كل ضابط وعنصر في الامن العام، تتجسّد في عمل دؤوب، ويقظة دائمة، ومتابعة استخبارية وامنية لا تعرف التراخي او الغفلة، لأن الامن في لبنان ليس ترفا، بل هو شرط وجود الدولة واستمرارها.
في زمن تتكاثر فيه الاخطار وتتبدّل اشكالها وادواتها، يبرز مفهوم الامن الاستباقي كركيزة اساسية في المنظومة الامنية الحديثة، اذ لا يقتصر دوره على مواجهة الخطر عند وقوعه، بل على منعه قبل ان يصبح واقعا. هذا النوع من الامن هو الذي يصنع الفارق بين المجتمعات الآمنة والمجتمعات المهدَّدة، وبين دولة تملك قرارها السيادي في الامن وبين دولة تتلقى الصدمات. فالامن الاستباقي ليس مجرد جمع للمعلومات، بل هو قراءة معمّقة للمؤشرات، وتحليل للاتجاهات، واستشراف للنيات العدائية التي قد تتخذ اشكالا متعددة، من الارهاب الى التجسس الى التخريب الممنهج.
وقد اثبتت التجربة اللبنانية في السنوات الاخيرة ان الامن الاستباقي كان السلاح الانجع في مواجهة المخططات الارهابية التي سعت الى ضرب الاستقرار وإحداث الفتنة. وفي هذا السياق، شكّل الانجاز النوعي الذي حققته المديرية العامة للامن العام اخيرا، والمتمثّل بكشف الخلية الارهابية التي كانت تخطط لاستهداف الجموع المشاركة في الذكرى السنوية لاغتيال السيد حسن نصرالله، نموذجا حيا على اهمية هذا النهج. فالعملية التي كانت تُحضَّر بخبث لاستهداف اكبر عدد ممكن من المواطنين، لم تكن مجرد محاولة لتنفيذ اعتداء ارهابي دموي، بل كانت مشروعا متكاملا لضرب الوحدة الوطنية وإشعال فتنة داخلية تهدد السلم الاهلي. لكن الجهد الامني الاستباقي، المبني على المتابعة الدقيقة والتنسيق الوثيق مع الاجهزة الامنية الرسمية، اجهض المخطط في مهده، وقطع الطريق امام كارثة كانت ستدفع البلاد أثمانها الباهظة.
هذا النجاح ثمرة استراتيجية متكاملة تعتمدها المديرية العامة للامن العام في مقاربة الملف الامني، ترتكز الى مبدأين أساسيين: الاول، تطوير القدرات البشرية والتقنية والاستخبارية بما يواكب تطور اساليب الجريمة والارهاب؛ والثاني، تعزيز التعاون الميداني والمعلوماتي مع مختلف الاجهزة العسكرية والامنية اللبنانية، في اطار وحدة الهدف وتكامل الادوار. ذلك ان الامن لا يُبنى بجهد جهة واحدة، بل هو منظومة وطنية متماسكة تتوزع فيها المسؤوليات وتتكامل فيها الجهود.
واذا كان هذا العمل الاستباقي قد حمى لبنان من فتنة جديدة، فإن التحدي المقبل يفرض مضاعفة اليقظة والتنسيق، خصوصا ونحن على اعتاب الزيارة التاريخية التي سيقوم بها قداسة الحبر الاعظم البابا لاون الرابع عشر الى لبنان نهاية هذا الشهر. فهذه الزيارة، بما تحمله من رمزية روحية وانسانية ووطنية، ستكون مناسبة جامعة للبنانيين من كل الطوائف والمناطق، وستشكل حدثا عالميا يستقطب اهتماما دوليا واعلاميا واسعا. انها فرصة لتظهير وجه لبنان الحقيقي، وطن الرسالة والعيش المشترك الواحد، ولكنها في الوقت نفسه تحدّ امني من الطراز الرفيع، يقتضي اقصى درجات الجهوزية الاستباقية والتنسيق بين مختلف الاجهزة المعنية.
من هنا، فقد باشرت المديرية العامة للامن العام، وبالتعاون الوثيق مع قيادة الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي وسائر الاجهزة، خطة امنية استباقية شاملة لتأمين محطات الزيارة كافة. هذه الخطة تستند الى اجراءات احترازية متقدمة، تشمل الرصد الاستخباري المسبق، وتعزيز المراقبة التقنية، وضبط حركة الدخول والخروج، وتأمين المرافقة والحماية اللوجستية، الى جانب المتابعة الاعلامية الدقيقة لأي محاولات استغلال للحدث او تشويش على رمزيته. هدفنا الاساس ان تبقى هذه الزيارة مناسبة وطنية جامعة، تُظهر للعالم ان لبنان، رغم جراحه، ما زال قادرا على ان يكون واحة حوار وسلام، وان مؤسساته الامنية تبقى على قدر الثقة والمسؤولية.
الامن الاستباقي ليس فقط درعا يحمي لبنان من الاخطار، بل هو ايضا رسالة ردعٍ الى كل من يتربص بهذا الوطن شرا، بأن عيوننا مفتوحة، وجهوزيتنا كاملة، وارادتنا لا تلين. فلبنان يُحافَظ عليه بالفعل الامني المسؤول الذي يجمع بين الاحتراف والانتماء، وبين التخطيط الهادئ والعمل الميداني المتقدّم. وها نحن اليوم، في الامن العام، نؤكد مجددا ان أمن الوطن مسار دائم يتطلب وعيا جماعيا وتضامنا وطنيا، لأن الامن مسؤولية الجميع، وهو الاساس الذي تُبنى عليه الدولة ويستقيم به الاستقرار.
اننا ماضون في هذا المسار بثقة وايمان، مدركين ان كل انجاز امني هو خطوة نحو تثبيت السلم الاهلي، وكل عملية استباقية ناجحة هي رسالة امل الى اللبنانيين بأن دولتهم قادرة على حمايتهم وصون مستقبلهم، مهما تعاظمت التحديات او تبدلت الظروف. فالامن ليس خيارا، بل واجب وطني مقدس، وسنظل نعمل بلا كلل ليبقى لبنان آمنا، صامدا، وعصيا على الفتنة والارهاب.
www.general-security.gov.lb











































































