اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٧ أيار ٢٠٢٥
بعد سنوات من الحظر، يستقبل لبنان ثلاث طائرات إماراتية، عقب إعلان دولة الامارات العربية المتحدة رسمياً رفع القيود عن سفر مواطنيها إلى لبنان، اعتباراً من اليوم، 7 أيار 2025. وتُعد هذه الخطوة تطوراً لافتاً يحمل في طياته أبعاداً سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، وقد جاءت تتويجاً لزيارة رسمية مُثمرة قام بها الرئيس جوزاف عون إلى الامارات، ضمن مساعٍ متواصلة لتعزيز التعاون الثنائي وإعادة بناء الثقة بين البلدين.
ويأتي هذا القرار في سياق مسار تصاعدي يشهده منسوب العلاقات بين أبوظبي وبيروت، من أبرز محطاته إعادة فتح السفارة الاماراتية في بيروت عام 2023، وهو ما شكّل علامة فارقة على استئناف العمل الديبلوماسي وتطوير العلاقات في مختلف المجالات. ويُنظر إلى هذا الانفراج التدريجي على أنه خطوة واعدة نحو انطلاقة جديدة قد تُسهم في إنعاش الاقتصاد اللبناني المتعثر، خصوصاً في ظل التحديات المعيشية والاجتماعية المتفاقمة التي يعاني منها اللبنانيون.
الامارات تعود سياحياً
لطالما شكّل السياح الخليجيون ركيزة أساسية في قطاع السياحة اللبناني، نظراً الى كونهم من بين الأعلى إنفاقاً خلال إقامتهم. ومن هذا المنطلق، تُعد عودة السياح الاماراتيين مؤشراً أولياً على بدء استعادة الزخم السياحي الذي طال انتظاره. ويمهّد هذا القرار الطريق أمام استئناف تدفق السياح والمستثمرين من بقية دول الخليج، ما يفتح أمام لبنان آفاق موسم سياحي واعد، ويُسهم بصورة فاعلة في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد الوطني بعد سنوات من الانكماش والعزلة والأزمات المتتالية.
وقد أظهرت الدراسات تراجعاً حاداً في حركة السياحة الاماراتية إلى لبنان خلال العقد الماضي. ففي العام 2010، بلغ عدد السياح الاماراتيين نحو 47 ألفاً، أي ما نسبته 5.2 في المئة من مجمل السياح العرب و2.2 في المئة من إجمالي السياح الوافدين. لكن هذا العدد شهد انهياراً لافتاً بحلول العام 2017، حيث تراجع إلى نحو 1,900 سائح فقط، أي ما يمثل 0.3 في المئة من السياح العرب و0.1 في المئة من إجمالي الوافدين.
ومع قرار رفع الحظر عن سفر المواطنين الاماراتيين، يُتوقع أن تستعيد حركة السفر بين البلدين نشاطها تدريجياً، مع تقديرات بوصول ما يقارب 20 ألف سائح إماراتي في المرحلة المقبلة، وهي خطوة من شأنها إعطاء دفعة قوية للقطاع السياحي وتُعزز العائدات الاقتصادية.
السياحة تدفع الاستثمارات
بالاضافة إلى الترحيب بعودة السياح، تتطلع الأوساط اللبنانية إلى أن تكون هذه الخطوة أيضاً بداية لعودة قوية للاستثمارات الخليجية. فالحضور الخليجي في لبنان لم يكن يوماً مقتصراً على السياحة، بل شكّل رافعة اقتصادية واستثمارية بارزة، أسهمت في تعزيز النمو وتطوير مختلف القطاعات الحيوية في البلاد. ففي الفترة بين عامي 2003 و2015، بلغت حصة الدول العربية 77.5 في المئة من إجمالي قيمة المشاريع الاستثمارية الأجنبية المباشرة في لبنان، التي تجاوزت قيمتها14.6 مليار دولار. كما ناهزت الاستثمارات الخليجية التراكمية 98 في المئة من مجمل الاستثمارات العربية، متجاوزةً11 مليار دولار. وخلال تلك الفترة، احتلت الامارات العربية المتحدة المرتبة الأولى، بحيث أسهمت مشاريعها وشركاتها في توفير ما يقارب18 ألف فرصة عمل، برأس مال تجاوز7.3 مليارات دولار.
إلا أنه بعد انسحاب الاستثمارات الخليجية في العام2010 ، تراجع إجمالي الاستثمارات من4.5 مليارات دولار إلى2.5 مليار دولار، ما أسفر عن انخفاض حاد في النمو الاقتصادي من 10 في المئة إلى نحو 1.5 في المئة. وهذا يبرز الأهمية الاستراتيجية لعودة الاستثمارات الخليجية والعربية إلى الساحة اللبنانية.
وفي هذا السياق، لا يمكن الحديث عن استثمارات طويلة الأمد من دون معالجة التحديات البنيوية التي يواجهها لبنان، أبرزها إعادة بناء الثقة بالنظام الاقتصادي والسياسي، وتحقيق الاستقرار الأمني. إذ لا يمكن جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال إلا في بيئة داخلية مستقرة على مختلف الأصعدة. ولذلك، فإن لبنان بحاجة ماسة إلى نهضة إصلاحية شاملة، تشمل تحديث النظام القضائي، والادارة المالية، وتحسين مناخ الأعمال، بما يضمن للمستثمرين الشعور بالأمان على أموالهم، ويعزز الثقة بالبيئة الاستثمارية.
وفقاً لتقديرات البنك الدولي، يحتاج لبنان إلى استثمارات فورية في قطاعات مثل الطاقة والمياه والنقل. كما يشير التقرير إلى أهمية الاستثمار في مجالات حيوية مثل السياحة والتجارة، التي يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في تحفيز النمو. ويركز البنك الدولي على ضرورة إجراء إصلاحات جوهرية في المالية العامة والمؤسسات اللبنانية، مشدداً على أن تكلفة التقاعس عن هذه الاصلاحات ستكون باهظة للغاية.
انفتاح عربي منتظر
يمثل استئناف العلاقات السياحية مع دولة الامارات العربية المتحدة نقطة تحول أساسية في مسار استعادة ثقة المجتمع العربي والدولي بالاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان. كما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون وعودة الاستثمارات، ويعزز فرص تعافي العلاقات العربية مع لبنان، ما يسهم في دفع عودته التدريجية إلى الحضن العربي.
غير أن نجاح هذه العودة يتطلب مرافقتها بإصلاحات جادة تُعيد إلى لبنان صورته كوجهة آمنة وجاذبة للاستثمار والسياحة. وفي هذا السياق، شدّد رئيس الحكومة نواف سلام خلال لقائه بسفراء دول مجلس التعاون الخليجي على جهوزية الدولة لحماية الزائرين العرب، من خلال خطة أمنية متكاملة تتضمن إجراءات وقائية وخدمات مباشرة، لتلبية احتياجاتهم وضمان سلامتهم، في خطوة تُجسد التزام لبنان العملي باستعادة ثقة الأشقاء الخليجيين. فهل تحمل عودة الاماراتيين في طياتها بشائر عودة القطار الخليجي والعربي إلى مساره الصحيح نحو لبنان؟