اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
لم يكن طرح تعديل قانون الانتخاب في لبنان يوماً قضية تقنية بحتة، بل كان دائماً باباً واسعاً للخلافات، ولعبة شدّ حبال بين القوى السياسية والطائفية. اليوم، يعود هذا الملف إلى الواجهة من جديد، حاملاً معه احتمالات التغيير، ومخاوف التفجير، في بلد تتقاطع فيه الحسابات المحلية بالطموحات الإقليمية، وتتنازع فيه الهواجس الطائفية مع دعوات الإصلاح الديمقراطي.
مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، يفتح هذا الملف مجدداً، ليس لتطوير التمثيل الديمقراطي، بل غالباً لإعادة رسم توازنات القوى عبر تغيير قواعد اللعبة، فخلال الأشهر الأخيرة، بدأت الكتل النيابية والسياسية تتداول علناً وخلف الكواليس أفكاراً ومقترحات لتعديل القانون الانتخابي الحالي، بين من يدعو لتوسيع الدوائر، ومن يطالب بإلغاء الصوت التفضيلي، أو حتى بإعادة اعتماد النظام الأكثري، ومن بين أبرز النقاط التي تثير جدلاً واسعاً في ملف تعديل قانون الانتخاب، تأتي مسألة تصويت المغتربين، فبعد السماح لهم بالمشاركة في انتخابات 2018 و2022، باتت أصواتهم تحت المجهر، بين من يراها «تصحيحاً للتمثيل»، ومن يخشى «تأثيرها على التوازنات المحلية».
في انتخابات 2022، شارك أكثر من 140 ألف مغترب لبناني في العملية الانتخابية، وهو رقم قياسي مقارنة بالانتخابات السابقة. ورغم نجاح العملية من الناحية التقنية، فإن نتائج تصويت المغتربين أظهرت ميلاً واضحاً نحو التغيير، ودعماً للمرشحين المستقلين والمعارضين، ما أثار قلق بعض القوى التقليدية التي رأت في هذه الظاهرة تهديداً مباشراً لقاعدتها الشعبية.
هذا التغيير في توجهات الصوت الاغترابي دفع بعض الأطراف إلى إعادة طرح المادة التي كانت تنص على تخصيص ستة مقاعد نيابية للمغتربين (وفق قانون 2017) ابتداءً من دورة 2022، لكي يصبح الاقتراع لكامل أعضاء المجلس الـ 128، وقد وقّع أكثر من 63 نائبا عريضة تطالب بجلسة لهذا التعديل غير ان ذلك اصطدم برفض الرئيس نبيه بري اسقاط اقتراح التعديل على جدول أعمال الجلسة أمس الأول كون انه لم يستلم العريضة، كما ان الاقتراح يُدرس باللجان المشتركة وهو ما حمل الكتل المعنية بالخروج من القاعة لتطير النصاب، لكن هذا لم يحصل، لا بل عدد من نواب التغيير عاد الى القاعة العامة وكأن شيئا لم يكن.
ليس خافيا ان الرأي العام اللبناني ينقسم حول هذا الاقتراح، حيث تتشابك الحسابات الطائفية والسياسية، فبعض القوى المسيحية ترى في أصوات المغتربين رافعة انتخابية محتملة، نظراً لوجود نسبة عالية من المسيحيين في الشتات، في المقابل، تتخوّف قوى أخرى من استخدام هذه الأصوات لفرض توازنات خارج إرادة «البيئة المحلية».
كذلك تُطرح تساؤلات عن مدى تأثير الدول التي تحتضن الجاليات اللبنانية على خياراتهم الانتخابية، خصوصاً في دول الخليج وأوروبا وأميركا الشمالية.
فبين الرغبة في التغيير لدى قسم كبير من المغتربين، والقيود القانونية والسياسية المفروضة على مشاركتهم، تبدو قضية تصويت المغتربين نقطة اختبار حقيقية لصدقية النظام الانتخابي اللبناني. فإما أن يُكرّس حقهم كمكوّن فاعل في تقرير مصير وطنهم، أو يُختزل حضورهم في تمثيل رمزي شكلي.
في هذا الوقت فان الضغوط الدولية، لا سيما من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تتواصل على لبنان لإجراء إصلاحات سياسية شاملة، لكن حتى اللحظة، تبدو القوى السياسية غير مستعدة للتخلّي عن أدوات السيطرة، ومنها القانون الانتخابي المصمَّم غالباً على قياسها.
ليس سرًّا أن القانون الانتخابي في لبنان لم يكن يوماً أداة لبناء دولة، بل وسيلة لحفظ التوازنات الطائفية والسلطوية. لذلك، فإن أي حديثا عن التعديل اليوم لا يمكن فصله عن الصراعات السياسية العميقة التي تعصف بالبلاد.
ويبقى السؤال: هل يُستخدم تعديل القانون كفرصة لإطلاق إصلاح حقيقي وشامل؟ أم يتحوّل إلى فتيل أزمة جديدة في بلد لا تنقصه الأزمات؟