اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٥ تموز ٢٠٢٥
عادت ألعاب القمار الإلكتروني إلى صدارة المشهد اللبناني، بعد قضية منصة 'بيت أرابيا'، التي انتهت بتوقيف كل من رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري، ورئيس المنصة جاد غاريوس، على خلفية شبهات بإدارة قمار غير قانوني عبر الإنترنت.
وفي تطوّر لافت، ختمت دورية من أمن الدولة، وبناءً على إشارة من النيابة العامة المالية، 13 صالة مراهنات بالشمع الأحمر، لتورّطها في تسهيل الميسر الإلكتروني، مع توقيف عدد من أصحابها بجرائم التهرّب الضريبي وتبييض الأموال.
هذه المستجدات أعادت فتح النقاش حول الفوضى القائمة في هذا القطاع، لتعيد إلى الضوء اقتراح القانون الذي قدّمه النائب طوني فرنجيه في نيسان 2024، والداعي إلى الوقف الفوري لألعاب القمار الإلكتروني. في ظل غياب أي إطار تشريعي ينظّم هذا النوع من الألعاب، يبقى الباب مفتوحًا أمام ممارسات عشوائية وخروقات مالية وأمنية متزايدة، في وقت يغيب فيه التنظيم وتضعف الرقابة الرسمية.
ليُطرح السؤال اين الحماية القانونية، في سوق رقمية تتّسع خارج الضوابط؟
يقول المستشار القانوني للنائب طوني فرنجيه المحامي أنطوان فنيانوس:'إن فرنجيه تقدّم في 17 نيسان 2024 باقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى الوقف الفوري لألعاب القمار الإلكتروني، بعدما أصبحت هذه الظاهرة تشكّل تهديدًا فعليًا للنظام الاجتماعي والأخلاقي في لبنان، في ظل غياب أي نص قانوني يضبطها أو ينظّمها.
ويوضح فنيانوس ان:' الأسباب التي دفعت فرنجيه إلى التقدّم باقتراح هذا القانون ترتبط مباشرة بـ'الفراغ التشريعي الكامل الذي يحيط بهذا النوع من الأنشطة، والفوضى الرقمية التي تستغلها منصات غير خاضعة لأي رقابة قانونية أو مالية أو اجتماعية'، لافتا الى ان' فرنجيه رأى في هذا الملف تهديدًا مباشرًا للشباب اللبناني، و يفتح المجال أمام الاستغلال والإدمان والانهيار الأسري، فضلًا عن التورط في شبكات غير شرعية لا يُعرف مصدرها، كما هو نافذة خطرة لتبييض الأموال، وخرقًا للدستور في ما يتعلق بمنح الامتيازات العامة، ما استوجب تدخّلًا تشريعيًا عاجلًا لسدّ الثغرات ومنع الانهيار الأخلاقي والقانوني في هذا القطاع.'
ويشير فنيانوس إلى أن ' فرنجيه استند في اقتراحه إلى رأي ديوان المحاسبة الصادر في تشرين الأول 2023، والذي اعتبر أن تعديل عقد الامتياز الممنوح لشركة كازينو لبنان عام 2008 لا يحمل أي صفة تشريعية، وبالتالي لا يمكن اعتباره إطارًا قانونيًا يجيز توسيع نشاط الكازينو ليشمل الألعاب الإلكترونية أو المراهنات الرقمية.'مضيفا' المادة 89 من الدستور واضحة في هذا السياق، إذ تنص على أن منح أي امتياز يتعلق بالمرافق العامة يجب أن يتم حصراً عبر قانون يصدر عن مجلس النواب، وهو ما لم يحصل في حالة القمار الإلكتروني.'
القانون المقترح، بحسب فنيانوس، 'يرمي إلى حجب وإيقاف كل تطبيقات الميسر الإلكتروني، سواء كانت محلية أو أجنبية، وسواء أدارها أفراد أو شركات، بما في ذلك المنصات التي يتعامل معها كازينو لبنان أو يروّج لها أو يستفيد منها، إلى حين صدور قانون صريح يحدّد آلية الترخيص والمراقبة والمحاسبة. ويقترح القانون فرض غرامات تصل إلى خمسة مليارات ليرة لبنانية، وعقوبات سجن تمتد من ثلاثة أشهر إلى سنتين، مع تشديد خاص في حال مشاركة عسكريين أو قاصرين دون 21 عامًا.'
ويؤكد: ' ينصّ القانون على مصادرة المعدات والبرمجيات المستخدمة في تشغيل هذه الألعاب، ويُلزم الجهات المعنية – من وزارات الداخلية والعدل والسياحة – بتحديد تفاصيل وآلية التنفيذ. ومن شأنه أن يشكّل خطوة أولى نحو إعادة ضبط هذا القطاع، ووضع حدٍّ لعمليات غير شرعية تُدرّ أرباحًا بملايين الدولارات سنويًا على أصحاب التطبيقات، في حين تحرم خزينة الدولة من موارد كانت لتُستثمر في الصالح العام.'
كما يشدّد فنيانوس على أن :' النائب فرنجيه لا يسعى إلى شيطنة التكنولوجيا أو منع التقدّم، بل إلى تأطيره قانونيًا بما يحمي المجتمع اللبناني، خصوصًا في ظل معطيات أمنية ومالية دقيقة، لافتًا إلى أن القانون يفتح المجال أمام تشريع مدروس لاحقًا ينظّم هذا القطاع بدل أن يُترك مشرّعًا في وجه الاستغلال والإفلات من المحاسبة.'
ويختم بالقول إن 'الاقتراح هو دعوة إلى الدولة كي تستعيد دورها، لا لتقفل الأبواب، بل لتفتح باب التنظيم على أسس دستورية عادلة'، مؤكداً أن الكرة اليوم باتت في ملعب المجلس النيابي، 'فإما قانون يضبط الواقع، أو واقع يُفلت من كل قانون'.
في السياق عينه، يلفت مصدر مطّلع ومهتم بملف الألعاب الإلكترونية ان 'ألعاب المراهنة الإلكترونية منتشرة عالميًا، ويُفترض أن تخضع للقوانين المحلية في كل بلد، إلا أن الأسئلة الحقيقية التي يجب أن يركّز عليها أي تشريع جديد، تتعلّق بحماية أموال المستخدمين، وخصوصًا في بلد كلبنان، حيث الحريات مفتوحة ولا رقابة فعلية. فهل أموال المراهن محمية؟ وهل بياناته الشخصية مصانة؟ الحقيقة أن الداتا الخاصة بالمستخدمين في لبنان غير مؤمّنة، وقد يستفيق أحدهم ليجد أمواله قد تبخرت، من دون أي جهة تحاسَب أو تُسأل'.
ويضيف: 'عندما تأتي شركة وتضخّ أموالًا طائلة على الدعايات والإعلانات بطريقة مفرطة وغير منطقية، لا بدّ من التساؤل عن مصدر هذه الأموال، خاصة حين يتخطّى حجم الإنفاق الإعلاني الناتج المحلي للدولة. فهنا تبدأ الريبة، وتصبح الحاجة إلى رقابة صارمة أكثر إلحاحًا'.
ويشير المصدر إلى أن 'لبنان يفتقر لأي منظومة رقابة فعلية، بخلاف دول كالصين التي تملك القدرة على مراقبة كل شيء. أما في لبنان، فالاختلاف لا يزال قائمًا على مَن يملك صلاحية الرقابة أساسًا'.
ويختم مؤكدًا أن 'أي قانون يُقترح في هذا المجال يجب أن يُعنى أولًا بحماية البيانات الشخصية وخصوصية المستخدم، وهي مهمة شبه مستحيلة في لبنان حيث كل الاتصالات والمعلومات عرضة للاختراق. كما يجب أن يتضمن بنودًا تنص على مراقبة عمر المستخدم، منعًا لتلاعب القاصرين، وضمان حماية أموال المراهنين، مع التأكد من أن التطبيقات العاملة تخضع للقوانين اللبنانية. والأهم من كل ذلك، أن يتضمن القانون عقوبات صارمة تردع المخالفين وتمنع تكرار الانتهاكات، ما يضع مسؤولية كبيرة على عاتق القضاء'.
في ظل الانتشار السريع وغير المنظّم لألعاب القمار الإلكتروني، يتقدّم الخطر بصمت، مستغلًا هشاشة الدولة وفراغها القانوني. وبين مبادرات تشريعية كاقتراح فرنجيه وصوت الخبراء المحذّر من ثغرات تقنية وأمنية، تبدو الحاجة إلى تدخل عاجل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالمسألة لم تعد ترفًا تشريعيًا، بل أولوية وطنية لحماية المجتمع من منصات افتراضية تُراكم الأرباح على حساب القانون، وتحوّل المستخدم إلى ضحية في لعبة بلا قواعد.