اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
عام ١٩٩٢ وجراء تفكك الإتحاد اليوغسلافي أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها فوق منطقة مساحتها ٥٠ ألف كلم مربع وسكان يبلغون ٤ ملايين نسمة يتشكلون من ٥٥ بالمئة من البوشتاق المسلمين و٣٠ بالمئة من الصرب و١٥ بالمئة من الكروات.
بعد شهر من إعلان الاستقلال بدأت الحرب التي افتتحها الصرب أولاً بشن هجوم حصد مئة ألف قتيل وتضمن حصراً للعاصمة دام نحو أربعة أعوام؛ وخلال هذه الحرب مارس الصرب القتل والمجازر والتجويع (مجزرة سريرنيتسا قتل فيها ٨ آلاف شخص).
وانتهت هذه الحرب بتدخل من واشنطن والغرب الذين فرضوا بالقوة على الأطراف الثلاثة توقيع اتفاق دايتون عام ١٩٩٥ وتأسيس اتحاد البوسنة والهرسك بكياناته الثلاثة وفق أسس أنهت الحرب ولكنها لم تجلب الاستقرار؛ بل تركت النار تستعر تحت الرماد.
تعرف هذه الحرب بإسم البقلنة نسبة لمنطقة البلقان؛ وما يدعو اليوم لاستعادة عِبر هذه الحرب هو أن الوضع في سورية يتجه على نحو واضح ليحاكي نموذج البلقنة كما حدث بين عامي ١٩٩١ و١٩٩٥.
آنذاك بين عامي ١٩٩١ و١٩٩٥ كانت منطقة البلقان – كما كل العالم – تمر بمرحلة تأثيرات انهيار الإتحاد السوفياتي عليها؛ فأول نتيجة لذلك كان انهيار الاتحاد اليوغسلافي؛ وخروج البوسنة والهرسك عام ١٩٩١ منه حيث أعلنت استقلالها بعد تنظيمها استفتاء بشأن هذه الخطوة. ورد الصرب على ذلك بشن حرب على البوشتاق المسلمين البوسنيين؛ تميزت بمجازر وحصار وإعادة رسم خرائط.
اليوم 'تتبلقن' (من بلقنة) الأحداث في سورية كنتيجة لانهيار النفوذ الإيراني في المشرق العربي الذي كان من نتائجه تغيير الحكم في سورية وبروز مكونات داخلها تعتزم الحفاظ بهذا الشكل أو ذاك على هويتها المغادرة لهوية النظام السائد في دمشق. وكما الصرب هاجموا البوشتاق المسلمين بعد إعلانهم استقلالهم فإن المسلمين السنة هاجموا اليوم الدروز في السويداء الطامحة للحفاظ على هويتها.
والمشكلة الآن تعدت كون هل ينجح الرئيس أحمد الشرع ببسط سلطته؛ وتعدت كون أن الرئيس أحمد الشرع يريد إنجاز مركزيته في سورية؛ بل وصلت لنقطة الإجابة عن السؤال الصعب والاستراتيجي وهو من يملء الفراغ الجيوسياسي الذي تركه انسحاب إيران من سورية ومن منطقتها؟؟.
هذا السؤال الصعب والاستراتيجي تم طرح سؤال مثله على منطقة البلقان بدايات عقد تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الإتحاد السوفياتي الذي أدت تفاعلاته – أي هذا الانهيار – إلى فرط عقد الاتحاد اليوغسلافي ونشوب حرب البوسنة توصلاً إلى إبرام واشنطن والغرب اتفاق دايتون… وهذا السؤال الصعب والاستراتيجي تم طرح سؤال مثله على منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى بعد انهيار الخلافة العثمانية ما قاد إلى اتفاق يالطا الذي أعاد رسم خرائط المنطقة وتشكل دولها؛ وهذا السؤال الصعب والاستراتيجي هو نفسه الذي يتم طرحه اليوم على منطقة المشرق العربي؛ وذلك بسبب انهيار النفوذ الإيراني ومفاده: من يملء الفراغ الجيوسياسي الذي تركه انسحاب النفوذ الإيراني من سورية ولبنان والعراق، الخ.. وهل يحتاج الوضع الجديد حتى تستقر توازناته إلى رسم حدود جديدة بين مكونات المنطقة الذاهبة لتموضعات جديدة؟؟.
ليس قبل هذه الأسئلة أسئلة أخرى؛ وكل ما يحدث الآن هو عوارض بلقنة قادمة على المشرق العربي؛ وكما أن أحداث البلقان بين عامي ١٩٩١ و١٩٩٥ شهدت مجازر وعمليات ترحيل وحصار مدن مهدت لفرض اتفاق دايتون الأميركي الغربي على جميع أطراف أزمة البوسنة؛ فإن ما يتوقع اليوم هو تكرار نفس هذه الأحداث المؤسفة في سورية ومنطقتها؛ وذلك على طريق 'بلقنة سورية ومنطقتها'؛ وانتظار حدوث 'اتفاق دايتون' جديد يؤدي هذه المرة أيضاً إلى تغيير خرائط الحكم والديموغرافيا في سورية وحولها.