اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
ليست مشكلة بيروت إصرار طهران على الاحتفاظ بما استثمرته في بلاد الأرز وما يؤمن الهيمنة الشيعية
لبنان ينتقل من التمسك بمبدأ 'حصرية السلاح بيد الدولة' إلى اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بسحب السلاح من 'حزب الله'. وهذه قفزة إستراتيجية وجيوسياسية طال انتظارها منذ اتفاق الطائف، وما كان يمكن الإقدام عليها قبل التحولات المتسارعة في المنطقة مع حروب غزة والإسناد وإيران وسقوط نظام الأسد في سوريا، ومن ثم نهاية الوصاية السورية وبدء النهاية للوصاية الإيرانية، وهي تسجل عملياً نهاية حرب لبنان الطويلة بين 1975 و1990 التي أوقفها اتفاق الطائف، لكن حسابات دمشق وطهران حالت دون إنهائها، ولا يبدل في الأمر تباين الحسابات بينهما.
ويروي نائب الرئيس السوري الراحل عبدالحليم خدام في مذكراته 'أن طهران أرسلت عام 1982 لواء من الحرس الثوري إلى دمشق بالاتفاق معها، إذ توجه قسم كبير إلى بعلبك وقام بتشكيل ’حزب الله‘'، ولم يكن في ذهن الرئيس حافظ الأسد 'أن تبني إيران قاعدة عسكرية وسياسية في لبنان لخدمة إستراتيجيتها وأن لديها طموحاً في التوسع الإقليمي'، وما كان الرئيس بشار الأسد، كما نقل عنه الوسيط الأميركي فريديريك هوف في كتاب 'بلوغ المرتفعات'، يشك في تأييد حسن نصرالله للتسوية بين سوريا وإسرائيل، حلمان في سرير واحد.
لكن اللعبة لم تكن قليلة التعقيد، 'حزب الله' الذي ولد على يد الحرس الثوري عام 1982 وهو عام الاجتياح الإسرائيلي للبنان، أوحى أن مهمته هي مقاومة الاحتلال. وفي الولادة الرسمية عام 1985 قال إنه جزء من 'ولاية الفقيه' وأعلن الولاء للولي الفقيه 'الحائز الشرائط' والعمل لقيام الجمهورية الإسلامية. أما إيران فإنها ركزت أولاً على بقاء النظام باعتباره أن له 'الأولوية القصوى' حسب الإمام الخميني، وثانياً على البرنامج النووي والصاروخي كسلاح ردع، وثالثاً على تأسيس فصائل أيديولوجية مذهبية مسلحة مرتبطة بالحرس الثوري وتربط العراق وسوريا ولبنان واليمن بإيران، وتمارس إستراتيجية 'الدفاع المتقدم' عن طهران ضد إسرائيل وأميركا وأعداء آخرين.
وهذا كله تعرض لضربات شديدة على يد أميركا وإسرائيل مع ما فعلته في سوريا 'هيئة تحرير الشام' بقيادة الجولاني، فما سماه الملك عبدالله الثاني 'الهلال الشيعي' انكسر في منتصفه بسقوط الأسد في سوريا، وقوة الردع الصاروخية فشلت في حماية إيران من الغارات الإسرائيلية والأميركية على مدى 12 يوماً، و'الدفاع المتقدم' من خلال الأذرع الإيرانية كان فشلاً كبيراً أمام التفوق التكنولوجي.
ومن هنا اعتراض 'حزب الله' على قرار مجلس الوزراء اللبناني والتصرف كأنه 'غير موجود' والدعم الإيراني للاعتراض وإصرار وزير الخارجية عباس عراقجي على أن قرار مجلس الوزراء سيفشل. الأصوات مرتفعة جداً، ومن المبكر تصور كل ما يريد أو يستطيع 'الثنائي الشيعي' العمل عليه لإدارة المعركة الحاسمة في ما يمكن أن تسمى 'حرب السلاح، فلا الدولة تستطيع التراجع عن القرار، وإلا فقدت الشرعية الشعبية والدعم العربي والدولي، ولا من السهل على 'الثنائي الشيعي' التكيف مع خسارة 'إمبراطورية السلاح' والهيمنة على البلد ومفاصل السلطة، وإذا كان الصدام خطراً فإن تدوير الزوايا خطر.
وليس منطق 'الثنائي الشيعي' في الدفاع عن التمسك بالسلاح خارج الشرعية سوى التفاف على أي منطق، فكيف يكون وقوف ممثلي الطائفة الشيعية ضد الشرعية الرسمية وممثلي بقية الطوائف هو الموقف 'الوطني' في مواجهة الأكثرية الوطنية؟ وكيف يصبح تطبيق خطاب القسم والبيان الوزاري خروجاً على الخطاب والبيان؟ ومن الذي انقلب على الآخر: أكثرية اللبنانيين على 'الثنائي الشيعي' أم الثنائي على الأكثرية؟ وما معنى الإصرار على تمييز أو فصل الشيعة عن بقية الشركاء في الوطن؟
قمة العبثية في واقع الخلاص من سلاح فقد دوره أن يقول الأمين العام لـ'حزب الله' الشيخ نعيم قاسم، 'عندما يضغط أحد عليكم قولوا لهم: راجعوا المقاومة، ونرى نحن وإياهم ما الذي سنفعله'، كأن المقاومة هي مرجعية الدولة، وكأن من أعطاها الدور في الماضي لم يتغير شيء فيه ومن حوله. وقمة التزوير أو أقله التأويل والتحوير الادعاء أن 'المقاومة الإسلامية' جزء من الدستور، فضلاً عن أن إسرائيل تقصف وتضرب يومياً وتغتال أفراداً في 'حزب الله' من دون أن تفعل المقاومة أي شيء سوى الضغط على السلطة لإخراج إسرائيل من النقاط التي احتلتها خلال 'حرب الإسناد'.
حتى عندما حصلت الدولة على ضمانات بانسحاب إسرائيل وإعادة الأسرى وترسيم الحدود ضمن ورقة براك التي وافق عليها مجلس الوزراء، فإن الوزراء الشيعة خرجوا من الجلسة. والسبب هو ربط ذلك بسحب السلاح، بحيث بدت اللعبة مكشوفة تماماً، 'حزب الله' يشترط ما يعرف أن حصول الدولة عليه صعب مقابل وعد بالبحث في دور السلاح لا في سحبه، وحين جاءت الضمانات لم يتغير موقف صاحب السلاح.
وليس من المعقول أن يوضع السلاح مقابل الوطن، إما السلاح الذي أعطي الطابع الشيعي من أجل دوره الداخلي والطابع الإقليمي من أجل دوره الإيراني، وإما البلد والمساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار، ولا من المقبول اتهام المسؤولين وأكثرية اللبنانيين بالاستسلام أمام المسماة 'وصاية أميركية - إسرائيلية - سعودية' من جانب الذين يعملون كجزء من 'الوصاية الإيرانية'، وليست مشكلة لبنان أن جمهورية الملالي مصرة على الاحتفاظ بما استثمرته في لبنان وما يؤمن الهيمنة الشيعية، فالوطن الصغير وصل إلى الحل، وهذه مشكلة إيران ووكلائها.
والساعة دقت هنا وفي الخارج لخروج لبنان من لعبة 'الحرب الدائمة' ومن الأوضاع التي ينطبق عليها ما سماها محمد أركون 'السياجات الدوغمائية المغلقة'.