اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يفتح الوضع السياسي الداخلي المتأزم الباب أمام سياسة الابتزاز الإسرائيلية. وبالتوازي مع هذا التشرذم، كلما أظهر لبنان مرونةً في التعامل مع الشروط الإسرائيلية، ازدادت هذه الشروط قسوةً.
أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بوساطة أميركية-فرنسية. الاتفاق الذي لم تلتزم به إسرائيل منذ الساعات الأولى، وانتهت صلاحيته في 18 شباط/ فبراير 2025 بعد تمديده لمدة 18 يوماً. نجح الاتفاق، نظرياً، في وقف الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في توفير الأمن للجنوبيين، وفي وقف العدوان اليومي ومنع إسرائيل من احتلال 5 نقاط حدودية. فبينما التزم الجيش اللبناني بنص الاتفاق حرفياً، ونشر وحداته في مناطق عمليات قوات 'اليونيفيل'، وقدم خططاً ملموسة لحصر السلاح في مناطق جنوب الليطاني، لم تلتزم إسرائيل بشيء.
في هذا المناخ، تتصاعد التهديدات الإسرائيلية للبنان، وتتوسع دائرة الاستهدافات اليومية، فيما ينتظر الجميع اندلاع حرب مفتوحة جديدة. لكن السؤال الأهم: هل نحن فعلاً في انتظار الحرب، أم أن الحرب القائمة بالفعل هي حرب استنزافٍ طويلة الأمد يمكن أن تستمر لسنوات إضافية؟ وتطفو على السطح أسئلةٌ أخرى: هل هناك قدرة لدى 'حزب الله' على القتال بعد إخلائه مواقعه وتسليمه سلاحه في مناطق جنوب الليطاني؟ ومن يحمي أبناء الجنوب من الاستهدافات اليومية؟ فلا 'حزب الله' قادرٌ على الردّ أو يريده، ولا الجيش اللبناني، على رغم كفاءة عناصره، يملك القدرات العسكرية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية. فما الحل إذاً؟
المأزق السياسي: ضغوط واشنطن و'حزب الله' تصبّ في الاتجاه ذاته
يبذل كل من رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام جهوداً واضحة للخروج من المأزق الحالي ومنع تدهور الوضع الأمني، على رغم التباعد في مواقفهما أحياناً. يحرص سلام على التأكيد باستمرار أن قرار الحرب والسلم هو بيد الدولة وحدها، فيما يكرّر عون التذكير باستعداده للتفاوض للتوصل إلى حلّ يحفظ الأرواح ويمنع القتل اليومي. ويحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري بدوره ملاقاة عون وسلام من دون أن يُحدِثَ شرخاً مع 'حزب الله'، فيُظهر بعض الليونة في مسألة التفاوض، مشترطاً أن تكون غير مباشرة عبر 'لجنة الميكانيزم'. وفي الحالات الثلاث يُضفى الطابع المؤسساتي على أي تفاوضٍ محتمل.
لكن هذه الإرادة اللبنانية الرسمية تصطدم بجدار إسرائيل. فالرئيس الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يطمح إلى فرض شروط قاسية عبر مفاوضات مباشرة. وفي الوقت ذاته، تضاعف الولايات المتحدة من ضغوطها السياسية والأمنية على الدولة اللبنانية، ممعنةً في تقويض شرعيتها وإضعاف موقفها أمام 'حزب الله' وقاعدته الشعبية، بدلاً من تمكين الجيش اللبناني وتقديم الدعم اللازم له لتنفيذ خطته لاستكمال انتشاره، وحصر السلاح، وضمان أمن جنوب لبنان.
وفي خضم ذلك، يبرز دور 'حزب الله' كعامل إرباكٍ إضافي، بخاصة بعد رسالته إلى الرؤساء الثلاثة، على رغم التزامه بتنفيذ جزء كبير من الشروط التي فُرِضَت عليه وعلى لبنان وبموافقته، مقابل رفضه الالتزام التام بتنفيذ خطة الجيش اللبناني ومقررات مجلس الوزراء. فبدلاً من التعاون مع الدولة، وملاقاة مبادرة الرئيس عون لمنع السيناريو الأسوأ، ومواقف قيادة الجيش اللبناني التي تخاطر بجنودٍ شبه عُزّل للتخفيف من وطأة الظروف الأمنية القاسية وإبعاد شبح الحرب الشاملة، بدلاً من ذلك، ينتهج الحزب مسار التخريب السياسي، متقاطعاً مع الولايات المتحدة في ضغوطها السياسية على الدولة اللبنانية. فجميع خطابات وبيانات الحزب وتحركاته السياسية، لا تعكس واقع التوازنات على الأرض بقدر ما تصب الزيت على نار التصعيد الإسرائيلي، ما يضع لبنان أمام معادلة الانجراف نحو حربٍ مدمرة تقود إلى الاستسلام المذلّ، والقبول بشروطٍ تعجيزية تمنعه من النهوض بدلاً من الخروج بتسوية عادلة أو شبه عادلة.
إسرائيل: تكرار الأكاذيب وإصرارٌ على التصعيد
تتزايد التقارير الأمنية الإسرائيلية، سواء عبر الجهات الرسمية أو في الصحف والإعلام (الخاضعة للرقابة والتوجيه الأمني أساساً)، حول تمكن 'حزب الله' من إعادة تسليح نفسه، ودخول كميات من الأسلحة عبر الحدود اللبنانية-السورية ومرفأ بيروت، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأموال. إلا أن هذه التقارير تتعارض مع واقع الحصار المطبق الذي تمارسه إسرائيل على لبنان، سواء عبر المسيّرات التي تملأ الأجواء اللبنانية، أو عبر التنصّت وجمع المعلومات من خلال اختراق البنية التحتية الرقمية وأنظمة الاتصالات، أو عبر شبكات التجسّس المكونة من مجموعات وأفراد، داخل تنظيم 'حزب الله' ومؤسسات الدولة اللبنانية وخارجهما. فكيف تصطاد إسرائيل بشكل شبه يومي عناصر حزبية عادية، ولا نجدها تبادر إلى قصف شحنات مزعومة لنقل الأسلحة أو الأموال؟ هل تبرّر لنفسها اغتيال أفرادٍ لا يقاتلون، بينما تحتاج إلى مبرّرات لاستهداف ما تعتبره ذريعة لإشعال حرب؟











































































