اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٠ حزيران ٢٠٢٥
برز أخيراً خبر دمج المقاتلين الأجانب، وغالبيتهم متشدّدون، في الجيش السوري الوليد على أنقاض جيش الأسد الفار، بعد السقوط المدوي لنظام آل الأسد الذي تحكّم برقاب السوريين لأكثر من خمسة عقود.
وخطوة الدمج هذه لزهاء 3500 عنصر معظمهم من الإيغور، ما كانت لترى النور لولا مباركة أميركية صريحة تأبّطها مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا توم برّاك، متحدّثاً عن «تفاهم وشفافية» بين بلاده ودمشق. وهذه المباركة تدرّجت من الرفض المطلق، إلى الترحيب الحذر بدمج المقاتلين.
الرفض الأميركي المطلق انطلق من أن سجل هؤلاء حافل بالتطرّف، خصوصاً وأن أيادي بعضهم ملطخة بدماء السوريين الذين قضوا في أحداث الساحل الشهيرة قبل أشهر قليلة، والتي زعزعت ثقة الأقليات بالنظام السوري الجديد، واقترن الرفض الأميركي أيضاً بشرط إبعاد هؤلاء المقاتلين عن الجيش النظامي، مقابل انفتاح واشنطن على «سوريا الشرع» ورفع العقوبات عنها.
أمّا الترحيب الحذر فمرده إلى المساعي الحثيثة التي قادها الرئيس أحمد الشرع والحلقة المحيطة به، والذين جهدوا لإقناع الغرب المتوجّس بأن ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش النظامي يبقى أقل خطورة من التخلّي عنهم، لأن إقصاءهم سيحدو بهم لا محالة للانضمام من جديد إلى صفوف تنظيمَي «القاعدة» و»داعش»، حيث نشأوا وترعرعوا. كذلك، لم يغب عن بال المفاوضين السوريين، تذكير الأميركيين كما الغربيين القلقين، بفضل هؤلاء المقاتلين الذين أبلوا بلاءً حسناً في معركة إسقاط النظام السابق، رغم «جبروته» المتجذر منذ عشرات السنين.
«الذوبان» في الجيش النظاميدمج المقاتلين المتطرفين بمعظمهم، وإن كان أحدث صدمة للوهلة الأولى في الداخل السوري، خصوصاً حيث الأقليات القلقة، إلّا أن انصهارهم في الجيش ربما يطمئن المواطنين السوريين عموماً الذين ضاقوا ذرعاً بالحروب ويرنون إلى عيش حياة مستقرة، كما أنه يطمئن الدول الغربية في آن، إذ إن تموضع المقاتلين المتشدّدين الأجانب تحت مظلة قيادة وزارة الدفاع، يرغمهم على «الذوبان» في الجيش النظامي عوض بقائهم خارج سيطرته وإمرته المباشرة، كما يبدد الحجة الرسمية السورية التي لطالما أسمتهم «قوات رديفة» وتبرّأت سابقاً من تجاوزات هؤلاء وارتكاباتهم الدامية، بحكم أنهم كانوا يبادرون للقيام بعمليات عسكرية وبعضها ذو خلفية طائفية، من دون أمر مباشر من القوات النظامية. وبذلك، ستتعامل واشنطن والدول الغربية من الآن فصاعداً مع «خطر» هؤلاء، من خلال السلطات السورية مباشرة، بدل أن تتعاطى معهم كعناصر متفلتة من أي ضوابط رسمية.
ريبة في الداخل والخارجلطالما جاهر الشرع أن «رفاق السلاح» الأجانب اندمجوا في المجتمعات المحلّية، خصوصاً في شمال غرب سوريا، حيث تزوّجوا من سوريات وأنجبوا أطفالاً، كما أعلن أن الحكومة تبحث في تجنيسهم مع من تنطبق عليهم شروط يفرضها القانون، بعد إقرار دستور سوري جديد. علاوة على ذلك، جزم الشرع مراراً بأن حكومة دمشق تضمن لجميع الدول القلقة، بأن هؤلاء المقاتلين الذين مكثوا في سوريا، لن يشكّلوا أي خطر على دول جوارها، كما أنهم لن يلحقوا أي أذى مباشر أو غير مباشر، بدولهم الأمّ التي تحدّروا منها.
وفي حين لا توجد أرقام رسمية دقيقة تحصي عدد المقاتلين الأجانب الذين آثروا البقاء في الربوع السورية، فإن معظم هؤلاء انضووا وقاتلوا سابقاً تحت لواء «هيئة تحرير الشام»، التي كان لها اليد الطولى في المعركة الحاسمة لإسقاط النظام البائد في دمشق.
يُذكر أن ملف المقاتلين الأجانب الذي يُعدّ محورياً بالنسبة إلى مستقبل سوريا وهويتها وطوائفها، «طفح على سطح» التطورات بادئ ذي بدء، عند صدور قرار بترفيع عدد من الضباط المشاركين في غرفة «إدارة العمليات العسكرية»، كي يكونوا نواة أركان الجيش الجديد، ومن بينهم ستة أجانب، وهو أمر أثار في حينها ريبة شديدة في الداخل والخارج، وطرح علامات استفهام عدة. فهل يكون الدمج الأخير للمقاتلين الأجانب المتشددين في الجيش السوري نعمة أم نقمة؟