اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
ماذا بعد الموافقة الملتبسة من قبل كل من نتنياهو وحماس على مقترح ترامب ذي النقاط ال٢١؟؟.
لا شك أن هناك حاجة ماسة لبعض الوقت حتى يتم اختبار ما إذا كان ترامب سينجح في جعل طرفي الصراع يطبقان بشفافية مقترحه حتى آخر نقطة فيه؛ أم أن نتنياهو سيستعيد الأسرى الإسرائيليين ثم يفتعل التبريرات للعودة للحرب على غزة؟؟.
كما أن هناك حاجة ماسة لبعض الوقت أيضاً حتى يتأكد الغربيون من أن حركة حماس ستنفذ عملياً طلب مقترح ترامب بالخروج من غزة سياسياً وعسكرياً؟؟.
والواقع أن هذه الأسئلة ليست إلا رأس جبل جليد المشاكل التي ستواجه تنفيذ مقترح ترامب عند بدء تنفيذه.. وفي هذا الوقت المبكر يمكن تسجيل أبرز العقد التي تشكل ألغاماً مرشح أن تنفجر بوجه الوسطاء الذين سيعملون على نقل مقترح ترامب من حيزه النظري إلى حيزه العملي:
أول هذه المشاكل وليس بالضرورة أصعبها هي طبيعة مقترح ترامب الذي يتسم بعدم الوضوح لجهة كيفية انتقاله من خطوة إلى خطوة؛ فالمقترح يخلط بين ما هو مطلوب راهناً وما هو مطلوب على المدى المنظور والمدى البعيد من دون أن يعترف بشرعية كل مرحلة زمنية وما هو مطلوب من أميركا القيام به لضمان تنفيذ كل مرحلة. مثلاً مقترح ترامب لم يعط ضمانة بأن مساره سيؤدي بالنهاية لحل الدولتين ولم يقدم ضمانة بخصوص منع نتنياهو من العودة للحرب. فقط ترامب أعطى 'ضمانة' واحدة(!!)، وهي فتح باب الجحيم على غزة في حال لم توافق حماس على مقترحه!!.
المشكلة الثانية تتعلق بموقف نتنياهو السلبي بالمطلق من حل الدولتين؛ حيث أعلن بعد ساعات من افتراقه عن ترامب؛ بأن الاتفاق لا يتضمن حل الدولتين.
والأمر الهام الذي لا يمكن تجاوزه في هذا السياق، هو إدراك الجميع أن اتفاق وقف الحرب على غزة من دون اعتماد خاتمة سياسية له تعترف بحل الدولتين، يصبح مجرد هدنة هشة بين حربين..
وليس واضحاً في هذه اللحظة، ما إذا كان ترامب ونتنياهو يريدان هدنة لاستعادة الأسرى وفك الحصار الدولي عن إسرائيل؛ أم أن ترامب على الأقل، ماضٍ في رحلة حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين والصلح الإبراهيمي، الخ..
وما يجدر الإشارة إليه في هذا المجال، أن مشروع حل الدولتين لا يمكن تجسيده على أرض الواقع إلا بعد ثلاث حروب سياسية قاسية ينبغي على واشنطن والمجتمع الدولي القيام بها:
أول هذه الحروب هي إقصاء نتنياهو عن رأس السلطة في إسرائيل؛ لأنه مع بقائه رئيساً للحكومة الإسرائيلية لن يكون هناك بأي حل مقبولية إسرائيلية لفكرة حل الدولتين؛ ومعروف في هذا السياق أن نتنياهو لديه هدفين إثنين في حياته يسعى لتحقيقهما: الهدف الأول منع قيام دولة فلسطينية؛ والهدف الثاني توريط الولايات المتحدة الأميركية في حرب مع إيران.
الحرب الثانية هي فك التحالف الايديولوجي القائم منذ نحو عقدين بين اليمين الديني الإسرائيلي وبين اليمين القومي الإسرائيلي وبين الإنجيليين الأميركيين. وهذا التحالف يمنع لأسباب ايديولوجية قيام دولة فلسطينية ويؤيد لأسباب ايديولوجية ضم الضفة الغربية للكيان العبري.
الحرب الثالثة لها علاقة ببذل جهد دولي كبير وجدي لتفكيك بنية الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية؛ لأن بقاء هذه البنية تمنع بشكل مادي أية إمكانية لإنشاء دولة أو أية حيثية كيانية للفلسطينيين في الضفة الغربية.
قصارى القول هو أن مقترح ترامب لوقف الحرب يحتاج تنفيذه لعدة حروب سياسية ودبلوماسية قاسية قد تؤدي لحروب عسكرية. ولعل الوصف الدقيق لمقترح ترامب هو أنه يفتح الباب على مساحة جديدة ولكنها تتسم بأنها مساحة غير محددة ومغطاة بطبقات كثيفة من الضباب.