×



klyoum.com
lebanon
لبنان  ٢١ أيلول ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
lebanon
لبنان  ٢١ أيلول ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار لبنان

»سياسة» درج»

لبنان: نحو تعليم رسمي وطني إنقاذاً لروح الجنوب

درج
times

نشر بتاريخ:  الجمعه ١٢ أيلول ٢٠٢٥ - ١٥:٢٤

لبنان: نحو تعليم رسمي وطني إنقاذا لروح الجنوب

لبنان: نحو تعليم رسمي وطني إنقاذاً لروح الجنوب

اخبار لبنان

موقع كل يوم -

درج


نشر بتاريخ:  ١٢ أيلول ٢٠٢٥ 

كيف نتوقّع من أستاذ أن يعلّم قيم الحرّية والشجاعة والمواطنة الخالصة، بينما هو مستزلم لزعيم أو مستتبع لحزب أو تيّار أو حركة؟ كيف سيتماهى معه تلاميذه سوى بأن يصبحوا نسخة آلية عنه؟

أستهلّ مقالي بإيحاء من كتاب 'الديمقراطية أولاً، الديمقراطية دائماً' للروائي عبد الرحمن منيف: 'إن للنفط رائحة تُسيل حتى لعاب الآلهة'، غير أنّني سأستبدل كلمة 'الفساد' بكلمة 'النفط'.

فما بالكم إذا كنتُ سأقارب شأناً تربوياً يعني مجتمعنا اللبناني كلّه؟ وكيف نتعامل مع نظام يُفترض أنّه 'تربوي قيمي' يؤسّس لمجتمع إنساني راقٍ، بينما هو في الواقع فاسد حتى النخاع؟ يقيني أنّ أيّ نظام تربوي لا يعلّم قول الحقيقة، ومجابهة الظلم، والنهوض بالوطن، هو نظام ساقط البنية أجوف المضمون.

عندما تخرّجت في الجامعة الأميركية في بيروت (بمنحة من مؤسّسة الحريري) حائزةً بكالوريوس في الفلسفة، ودبلوم تعليم في اللغة الإنكليزية، كما أوصاني والداي المعلّمان كي أضمن لنفسي وظيفة في التعليم الثانوي الرسمي، لم أكن أظنّ يوماً أنني سأصبح معلّمة. أذكر أن البروفسور رؤوف غصيني، المشرف على مقرّرين أساسيين في مجال التعليم الناشط، قال لي مرة بعد إنجاز أحد المشاريع وشرح درس في مادّة الفلسفة: 'يا منى… لقد خُلقتِ لتكوني معلمة'، ولم أعره أذناً صاغية آنذاك… إذ لم أستشعر أي دافعٍ إبداعيّ للتعليم.

وجدت وظيفة مرموقة في 'مركز دراسات الوحدة العربية'، حيث أُوكلت إليّ مهمّة التدقيق اللغوي والتحرير، فعشقت مهنتي حدّ التفاني. غير أنّ الظروف الشخصية الطارئة والشاقّة شاءت أن أغادر بيروت عام 1992، وأعود إلى صور، 'مدينة الشقاوة والمشاغبة الطفولية الظريفة'.

لكن (صور) التي كانت مرتسمة في ذاكرتي، الظاهرة والدفينة معاً، تغيّرت جذرياً. ترسملت وتضخّمت وارتفعت أبنيتها بقبح سافر، بما لا يتلاءم تراثياً ولا بصرياً ولا ديمغرافياً مع مساحتها الصغيرة… كانت تتمدّد كالوحش المستشرس الذي أغضبه عجزه عن ملامسة السماء والوجدان.

لم تُتَح في المدينة آنذاك مروحة واسعة من الخيارات التوظيفية سوى التعليم والعمل المصرفي.

وفي عام 1993، تعاقدت مع ثانوية رسمية للبنات، وبعد سنتين خضعنا لمباراة وظيفية أجراها مجلس الخدمة المدنية، كما يفترض القانون أن يكون.

أذكر جيداً أنّني منذ الحصّة التعليمية الأولى التي ملأتها، شعرت وكأنّ في لا وعيي جنّياً يتقن تعليم الفلسفة منذ دهور. عاهدت نفسي أن أجعل كلّ حصّة مسرحاً للتفاعل الإنساني بيني وبين الطالبات.

في تلك الفترة، لم تكن الظاهرة الإسلاموية 'الالتزامية' قد استشرت بالشكل الذي بلغته لاحقاً. أدهشتني طالبات ما زلن حتى اللحظة (بعضهنّ أصبحن زميلاتي وصديقاتي) يتمتّعن بحسّ نقدي، وجدلية يسارية، وحجّة منطقية مميّزة، وانتماء وطني لافت.

وتوالت الأعوام الدراسية، لكنّها لم تكن كعام 1993. فقد تجلّت شيئاً فشيئاً، وجيلاً بعد جيل، حالات التعصّب ومظاهر الانتماء إلى حزب مذهبي قائم بذاته. انطفأت جذوة النقاشات الفلسفية والأدبية الجميلة، باستثناء بعض الطالبات النادرات ممّن نشأنَ نشأة وطنية مدنية علمانية.

لن أنسى يوم حضر والد طالبة وهو يستشيط غضباً بسبب شرحي نظرية فرويد في التحليل النفسي، صارخاً: 'يا مدام، إنتِ شغلتك تدرّسي البنات مش تثقّفيهن!'… وبدل أن تأخذ الإدارة جانبي، وجدتها تطيّب خاطر الأب 'المفجوع' بتشويه عقل ابنته! لم يدرك أنني لست من وضع المناهج التي 'تخدش' الحياء.

ثم بدأت ألاحظ أن مسرح الثانوية يُستخدم للأنشطة والمناسبات الدينية، بدل الأنشطة الفنّية والوطنية والتربوية؛ وأن صور بعض القادة من رجال دين وسياسيين باتت تتسلّق جدران الصفوف، والرايات الحزبية تكاد تغطّي النوافذ. لم أسمع مرّة النشيد الوطني اللبناني يشنّف آذان الطلّاب ليُثير في نفوسهم حسّ الانتماء المخلص للبنان.

تراكمت علامات الاستفهام والاستغراب والاستياء في وجداني، كما في وجدان القلّة النادرة من الزملاء الذين يتبنّون، مثلي، المبادئ الوطنية والتربوية والأخلاقية ذاتها.

كما لمستُ، يوماً إثر آخر، أنّ تغييب دور مجلس الخدمة المدنية عن عمليّة التعاقد مع الأساتذة ذوي الكفاءة شرّع الباب أمام المديرين للتعاقد مع 'معلّمين' بموجب اتّصالات وتوصيات من جهات حزبية نافذة. فبدأنا نسمع بمصطلحات مثل 'عقد يدفعه مجلس الأهل' أو 'المستعان بهم'.

شيئاً فشيئاً أخذ التعليم الثانوي الرسمي يفقد ألقه الثقافي الذي يجدر به أن يبعثه في عقول الطلّاب. سألت بعض الأقارب والأصدقاء في مناطق عدة على امتداد 'الجمهورية اللبنانية'، فصُدمت بأن الحال 'من بعضه'.

فوجئت أيضاً بأن أساتذة التعليم الثانوي الذين يتعاقدون مع المدارس الخاصّة (من حقّي أن أسمّي بعضها الدكاكين!) قد يتغيّبون في غالبيتهم عن الثانوية الرسمية، بينما ينجزون حصصهم التامّة في القطاع الخاصّ. اكتشفت الأمر مصادفة، ومرّات عدّة، من خلال بناتي وبعض المعارف والجيران! بل إن أداء بعض المعلّمين في القطاع الرسمي ركيك ولا مسؤول، بخلاف أدائهم في المدرسة الخاصّة. حتى التعامل مع التلميذ في 'الرسمي' يكون استعلائياً، في حين أن المعلّم نفسه يخاف على 'رزقه' إذا ما انزعج منه تلميذ 'الخاصّ' أو أهله… ففي النهاية، إنه 'زبون'!

لهذه المعطيات المتراكمة، التي خبرت جزءاً ملحوظاً منها مباشرة، عاهدت نفسي بأن تكون المدرسة الرسمية قضيّتي. أهالي مدينتي صور يعرفون جرأتي وإقدامي على التأشير إلى الحقيقة، وعلى المواجهة. تعرّضت لضغوط هائلة، ودفعت ثمناً باهظاً، لكنني لم أتوانَ. لست موظّفة تتقاضى راتبها في أوّل الشهر ومن بعدي الطوفان. إنني نحّاتة أفكار ومفاهيم وإشكاليات، مهمّتي إيقاظ حسّ النقد والشكّ والتساؤل والفضول في عقول طلّابي، وإلا فما هو دوري؟ أن أتقيّأ المعلومات وأفرغها وأعلّبها في صناديقهم؟

غداة حرب تمّوز/ يوليو 2006، وقع خلافي الفكري والسياسي والثقافي مع مديرة الثانوية، بسبب طمس جمالية التنوّع الفكري والتسامح الأخلاقي تجاه الآخر. وكأنها توقّعت مني اجترار أفكار حزبها ومعتقداته كي أصبّها صبّاً في 'أدمغة' الطالبات! وكنت، على مدى ثلاث عشرة سنة، موقنة أنّني في قرارة نفسي، وبحكم تربيتي وعلاقاتي ودراستي ومطالعاتي، أمقت المؤسّسات التربوية المخصّصة لجنس واحد. لذا تقدّمت بطلب إلى المديرية لنقلي إلى ثانوية رسمية أخرى في صور، وهي مختلطة، ما يتماهى مع قناعاتي وفلسفتي التربوية.

لعلّ التحاور الإيجابي بين المدير والهيئة التعليمية يخفّف من حدّة المشاكل، لكنّه عاجز عن استئصالها كلّياً، لا سيّما في بلد مثل لبنان، متنوّع المشارب والانتماءات: هناك الطائفة والمذهب والحزب والبيئة الاجتماعية، وهناك أيضاً المكاتب 'التربوية' المخصّصة للأحزاب داخل وزارة التربية والتعليم العالي. ولن أتجاهل الدور المتوجّب على المركز التربوي للبحوث والإنماء أن يمارسه لتحديث المناهج والكتب المدرسية، التي تُنفَق عليها مبالغ طائلة، لتأتي لاحقاً كتب تصدرها دور نشر خاصة في 'السوق' كمنافسة دعائية مشكوك في نزاهتها. أخيراً، وللأسف، يأتي دور الوزارة ومقرّراتها في أدنى السلم.

فما هي العوائق الخطرة التي يصطدم بها بعض المديرين والأساتذة المناقبيين المتفانين في سبيل نهضة التعليم الرسمي في لبنان؟

1- تهميش دور مجلس الخدمة المدنية وتسييسه في إجراء مباريات الدخول إلى ملاك التعليم الرسمي الأساسي والثانوي على حدّ سواء. سبب هذا العائق واحد لا ثانيَ له: تدخّل السلطة السياسية. في ظلّ هذه الحالة، لا تعود للكفاءة والجدارة قيمة ولا حتى وجود. ففي زمن العزّ التربوي والثقافي في لبنان، كانت مباريات المجلس تُجرى بشفافية ودقّة علمية وقياس موضوعي؛ لم يتجرّأ زعيم سياسي يومًا على الاتصال بمسؤولي المجلس. عند تصحيح المسابقات تُغلق بوّابة المجلس وقاعاته، وبعد الفرز تُعلّق النتائج مطبوعة على لوح عند المدخل—لا مجال للوساطات أو المحسوبيات.

2- مكاتب المقرّرين 'التربويين' داخل الوزارة؛ بتعبير واضح ومباشر، هي في كثير من الأحوال مكاتب لأحزاب. هناك تُحضّر البرامج والعقود والنصاب والمناقلات بما لا يراعي المصلحة التربوية العامة إلا نادرًا. وقعت مرّات عدة—لا سيّما في الجنوب حيث لقوى الأمر الواقع صوت مسموع—مناقلات تعسّفية ذات خلفيات حزبية أو شخصية بين المعلّم والإدارة. علاوة على ذلك، يوجّه بعض المقرّرين بعض المديرين لتسليم معلّم 'مغضوب عليه' برنامجًا تعليميًا كيديًا؛ هنا يقع الظلم الحقيقي، من دون أن يمتلك ذلك المعلّم 'وساطة' يحتمي بها.

3- التطبيق الاستنسابي للنصاب القانوني للحصص وفق النفوذ السياسي. المعلّم 'غير المسنود' يُطبَّق عليه النصاب حرفيًا، بينما زميله 'المسنود' يتهرّب من حصصٍ من دون محاسبة؛ الجهة السياسية المتدخّلة هي الأدرى والأعلم.

4- التدخّل السياسي في التفتيش التربوي، وتحديدًا في جانبه الإداري. بعض المتنفذين أوجدوا مكتبًا غير قانوني ليحلّ صوريًا مكان التفتيش التربوي: 'مكتب الإرشاد والتوجيه'. تشكّل هذا المكتب من أساتذة الملاك في الثانويات ممن تقلّص نصابهم التعليمي، كي 'يشرفوا' على سير التعليم وتطوير أداء المعلّمين—وبين ما يُعلَن وما يحدث فرقاً كبيراً. لا إرشاد فعلي ولا توجيه بنّاء. بل إن كثيرًا من هؤلاء 'المرشدين' يستثمرون صفة المرشد لجذب تلاميذ إلى مدارسهم الخاصة، مستغلين حصصهم العامة في مصلحة القطاع الخاص.

5- غياب التطبيق العملي للمعلومة: إذا كان التعريف العلمي للتعليم هو إحداث تغيير في سلوك المتعلّم وأدائه، فأين تطبيق المعلومات في المختبرات؟ علماً أنّ معظم الثانويات الرسمية مجهّزة أفضل من بعض المدارس الخاصة، وهناك موظّف مسؤول عن المختبر (معدّ مختبر) يتقاضى غالبًا راتبًا من دون أن يبذل جهداً، ذلك بفضل الوساطة السياسية.

6- تفريغ التعليم الأساسي من كوادره: يكاد التعليم الأساسي الرسمي يفرغ من معلّمي الملاك لسببين رئيسين: أولهما تعمّد تفريغ هذا السلم لإنعاش المدارس الخاصة وضخّ التلاميذ إليها؛ الدورة الأخيرة لتثبيت معلّمين في الأساسي كانت عام 2010. السبب الثاني هو بدعة 'الانتداب'—نقل معلّمي الأساسي لتولي مهام النظارة في الثانويات بينما هم غير راغبين في التدريس فعليًا. تتحوّل النظارات حينها إلى ما أسميه 'الصالون'. والسبب مرة أخرى هو الوساطة السياسية. مع ذلك، لاحظت مطلع هذا العام الدراسي 2025–2026 إعادة بعض المنتدَبين إلى مصدرهم في التعليم الأساسي لتولي مهام التعليم مجدّدًا—مبادرة ممتازة تُحسب لهذا القطاع.

7- الإدارة الموروثة والغياب الكافي للكفاءة: يحدث أن يتقاعد مدير فتُكلّف زوجته أو ابنه بالإدارة! قد يكون في ملاك المدرسة من هو أجدر بالمهام الإدارية، لكن هاتف الوساطة السياسية يتدخّل ويقلب التكليف. إذا كان للسخرية مجال، فالنظام الموروث ليس غريبًا علينا: البعث الأسدي السوري سبق وابتدع نماذج 'الجمهورية الموروثة'—فهل نعيد تماثلها في جبل عامل؟

8- هدر البنية المدرسية: يُلاحظ في منطقة صور وجود مبانٍ مدرسية كبيرة وقديمة تحتوي أعدادًا ضئيلة من التلاميذ. أليس هذا هدرًا من حيث العقود التعليمية وفائض المباني؟ لماذا لا تُدمَج المدارس القريبة في مبنى واحد؟

لا نهضة لأيّ مجتمع من دون تربية: تربية وطنية، مدنية، أخلاقية، إنسانية، علمية، فنّية… فكيف إذا تعلّق الأمر بمجتمعنا اللبناني الذي ما انفكّ، منذ العام 1969، يخرج من حرب إلى اجتياح، ومن أزمة إلى نكبة، ومن اغتيال إلى منهبة؟

الطفل الفرنسي، على سبيل المثال، ينشأ في أسرة وروضة ومدرسة تعلّمه، بكلّ شغف وصدق، النشيد الوطني الفرنسي قبل الأبجدية.

أمّا مأساة لبنان المزمنة فهي أنّ غالبية مدارسه الرسمية والخاصّة، في مناطق ذات لون مذهبي معيّن، تلقّن الأطفال يومياً أناشيد دينية ومذهبية تلقيناً ببغائياً، لترسّخ في عقولهم الطريّة انتماءً حزبياً وطائفياً موجهاً نحو قيادة 'خارجية'! هل نسمع أو نقرأ عن حالة مماثلة في بلد غير لبنان؟ هل تُحجب صورة رئيس الجمهورية عن مبنى رسمي سوى في لبنان؟ كيف نرضى بالوأد المتعمّد لهويّتنا اللبنانية؟

انطلاقاً من هذه 'الخطايا اللاتربوية' التي تقترفها جهات سياسية متنفّذة بحقّ هذا الوطن المنهك وهذه الأجيال التائهة بين ثقافة متفكّكة هنا، وانتماء أرعن هناك، وضياع تكنولوجي في 'منزلة بين المنزلتين'، لا بدّ من طرح جملة من الحلول أو التوصيات، يمكن إيجازها مباشرة على النحو الآتي:

أولاً: إحياء دور مجلس الخدمة المدنية الموضوعي والعلمي والدقيق في إجراء مباريات نزيهة وشفّافة لتوظيف المعلّمين، مع تجاهل أيّ ضغوط سياسية مهما كان مصدرها. عندها فقط يبلغ الكفوء المنصب التربوي الذي يستحقّه.

ثانياً: إلغاء مكتب الإرشاد والتوجيه – باب للهدر والعطالة – وإعادة الاعتبار الى التفتيش التربوي، وديوان المحاسبة، وسائر المؤسّسات الرسمية، كي تستعيد الدولة، بما فيها وزارة التربية والتعليم العالي، نفوذها ورقابتها، ويُطبَّق القانون على الجميع وفق منطق 'الواجب والحق'.

ثالثاً (وهي الأهمّ في نظري): تحديث المناهج التعليمية من صفوف الروضة وصولاً إلى الثالث الثانوي. أعترف أنّ مناهجنا العلمية مرموقة ومميّزة على رغم غياب بعض الشروط الضرورية، مثل استخدام المختبرات. لكن في المقابل، تعاني مناهجنا الأدبية فائض الحشو واللغو، فبدل أن تفتح للتلميذ مساحة تفاعلية إبداعية ومرحًا تعليميًا، تتحوّل إلى مصدر ملل وضجر وتلقين، إذ يكرّر الطالب المعلومات من دون استثمارها في حياته اليومية. الامتحانات الرسمية خير شاهد على ذلك: امتحانات رتيبة وببغائية، تجعل الطالب يلهث مكرهاً وراء شهادة، ثمّ تمّحي المعارف والسلوكيات بعد انتهاء الامتحان. المعرفة عنده تصبح وسيلة نفعية لغاية مؤقتة.

إضافة إلى ذلك، هذه الامتحانات قناة عريضة للهدر المالي؛ والبديل المنطقي هو امتحانات الدخول التي تجريها الجامعات وفق معاييرها وسمعتها.

وبوصفي أستاذة فلسفة، أواجه صعوبة في تبسيط المفاهيم المجرّدة لطلابي، فألجأ إلى الأمثلة الواقعية، بل وأحيانًا إلى استفزازهم كي يعبّروا عن تجاربهم. أتعامل معهم أحيانًا كأنهم أطفالي، فيناديني بعضهم 'ماما'، وإن غضبت من أحدهم يمازحني بلقب 'جعفر'. وفي كلّ عام دراسي، أختم درس 'الحضارة اليونانية' بعرض مسرحية الرحابنة آخر أيام سقراط، على رغم امتناع بعضهم عن المشاهدة لدواعٍ دينية.

وبصراحة، جميعنا أطفال مهما بلغنا من العمر، جميعنا أطفال حالما نجلس إلى مقعد الدراسة.

كما أؤكّد ضرورة تعزيز دور المكتبات في المدارس الرسمية، وتشجيع التلاميذ على المطالعة ومناقشة بعض الكتب والروايات في الحصص. وهكذا كانت الحال في المناهج القديمة قبل 2001، خصوصًا في الأدب العربي والفرنسي والإنكليزي. ولا يمكن إنكار الأثر العميق لمسرحيات وليم شكسبير وجورج برنارد شو وكورنيل، أو روايات جبران خليل جبران وقصائد المتنبي، في فكرنا ووعينا. فلتخيّل كم ستتّسع مدارك المتعلّمين وتخصب مخيّلتهم الإبداعية علماً وشعراً ورسماً وموسيقى حين نغذيهم بهذا الزاد من المعرفة والحكمة.

رابعاً: إشراك الأهل في عملية التعليم/التعلّم. للأسف، ترسّخت في أذهان كثيرين المقولة المؤلمة: 'ما بدّو يتعلّم، زتّوه بالرسمي!'.

تؤلمني هذه العبارة. قبل الحرب الأهلية، كانت المدرسة الرسمية، خصوصًا الثانويات، صرحًا تربويًا شامخًا يضاهي أهمّ المدارس الخاصة. كانت الثانوية خميرة للتبادل الثقافي والعلمي، تخرّج نخبًا في مختلف المجالات. اللقاءات الدورية بين الأهل من جهة، والمعلمين والإدارة من جهة أخرى، تصوّب الخلل في أداء المتعلّم وتحدّد مكامن ضعفه، كما تُشكّل فرصة لتثمين تقدّمه وإبداعه.

خامساً: التمهّل قبل الترخيص لإنشاء مدرسة خاصة جديدة. هذه المدارس تنتشر في المناطق اللبنانية بشكل مقلق، فتتلاعب دعائيًا بمشاعر الأهل وطموحاتهم لأبنائهم. أشعر دومًا أنّ إشاعة جوّ من الاستخفاف بالتعليم الرسمي إنما هي خدمة ثمينة للمدارس الخاصة. أكرّر أنّ معظم الأساتذة الذين يرفعون شأن المدارس الخاصة هم أنفسهم أساتذة في التعليم الثانوي الرسمي، يخضعون لدورات تدريبية تجريها الوزارة، لكنّ المستفيد الأوحد منها هو تلميذ المدرسة الخاصة.

سادساً: إلزام المدير بتطبيق النصاب القانوني بعدل على جميع المعلّمين. فالأستاذ المحبط سيفرغ إحباطه على تلاميذه. المجتمعات الراقية والمتقدّمة تزدهر بالقوانين العادلة والفرص المتكافئة، بصرف النظر عن الطبقة أو المكانة أو المهارة.

كتبت ما سبق على مسؤوليتي الكاملة. التعليم الرسمي قضيّتي، ولن أندم. أنا أستاذة فلسفة أعلّم بشغف وضمير، وأوّل مفهوم أزرعه في عقول طلّابي هو مفهوم 'الواجب والحق'، إلى جانب مبادئ الشجاعة والجرأة والتسامح والانفتاح على الآخر واحترام مشاعره وآرائه ومعتقداته.

أعلّم الفلسفة منذ ثلاثة وثلاثين عامًا… لست موظفة وحسب. سأغادر إلى التقاعد بعد ست سنوات، لكن ستبقى المدرسة الرسمية زاوية مشرقة في ذاكرتي الوجدانية.

أنا إنسانة حرّة، وأتمنّى أن تكون الأجيال التي علّمتها قد حظيت بالحدّ الأدنى من الحرّية كي تتأنسن.

(*) هذا المقال لا يعني، إطلاقاً، أنه معمّم ومنطبق على القطاعين التعليميّين العامّ والخاصّ، ولا على المديرين كافّة، سواء في التعليم الأساسي أو الثانوي.

هذا المقال هو زبدة تجربتي الشخصية وتواصلي مع عدد لا بأس به من مواطنين لبنانيين، تربويين وطلّاباً وأولياء أمر وأصدقاء وأقارب، معنيّين بنهضة التعليم الرسمي في لبنان… فاقتضى التوضيح.

لبنان: نحو تعليم رسمي وطني إنقاذا لروح الجنوب
موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار لبنان:

الطقس يتحوّل الى خريفي في هذا اليوم!

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
8

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2152 days old | 760,354 Lebanon News Articles | 13,739 Articles in Sep 2025 | 163 Articles Today | from 58 News Sources ~~ last update: 10 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا








لايف ستايل