اخبار لبنان
موقع كل يوم -الكتائب
نشر بتاريخ: ٩ أيار ٢٠٢٥
'اللامركزية الإدارية' عنوان عريض لطالما طرح في السنوات السابقة على طاولات الحكومات واللجان المشتركة، إلا أنه لا يزال نقطة محورية تتصدّر النقاشات في شهر الانتخابات البلدية. وللتذكير، أعدّ مشروع قانون متكامل عن اللامركزية، تقاطعت حول أهميته قوى سياسية رأت فيه المدماك الأساسي لتحريك العجلة الاقتصادية والتنمية المحليّة، سيّما على مستوى البلديات. لكن المشروع بقي أسير التجاذبات، بين فراغ رئاسي وتعطيل حكومي وانقسامات سياسية. فهل تحمل موجة الإصلاحات المرتقبة اقتراح قانون اللامركزية ليتم إقراره قبل الانتخابات النيابية؟ وما هو دوره في العمل الاقتصادي والبلدي؟
في العام 2012، شكّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لجنة برئاسة وزير الداخلية السابق زياد بارود (الذي غادر الوزارة في 2011)، لإعداد مشروع قانون للامركزية الإدارية. عقدت اللجنة 47 جلسة عمل وأعدّت مشروعاً متكاملاً، نُقل لاحقاً إلى مجلس النواب. هناك، تولّت لجنة فرعية، برئاسة النائب جورج عدوان وقبله النائب الراحل روبير غانم، مناقشته، إلا أن المشروع لم يُقرّ بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، خاصة منذ عام 2019.
قبل التطرّق إلى دور هذا القانون في العجلة الاقتصادية لا بدّ من تناول مدى قابليته للحياة. حول ذلك يقول وزير الداخلية الأسبق زياد بارود لـ 'نداء الوطن'، إن 'مشروع القانون قد لا يكون كاملاً ولكنه متكامل، بمعنى أنه يقارب كل جوانب اللامركزية بتفاصيلها ويقع في 147 مادة، وعملت عليه لجنة من الخبراء المشهود لهم، وكان لي شرف ترؤسها ولم يكن عملي فردياً'.
'المشروع لامركزي بامتياز'، يقول بارود، 'بمعنى أنه ليس شكلاً من أشكال اللاحصرية (déconcentration) التي تعيّن فيها السلطة المركزية موظفين لها في المناطق، بل يلحظ مجالس محلية منتخبة بالكامل، وتتمتّع بالاستقلال الإداري والمالي، وهي موسّعة من حيث الصلاحيات والمهام.
لا تجزئة ولا تقسيم
ينطلق مشروع القانون من الدستور اللبناني، حيث لا تجزئة ولا تقسيم، ويراعي اتفاق الطائف، ويذهب في اتجاه تعزيز المشاركة المحلية الديمقراطية، انتخاباً، وتمكين المجالس المحلية (التي اخترنا أن تكون على أساس القضاء) بصلاحيات وواردات من دون أي انسلاخ عن وحدة الدولة، ومن دون المسّ بصلاحيات البلديات ووارداتها.
وللتذكير، وبحسب الوزير بارود 'أطلق المشروع الرئيس ميشال سليمان قبل نهاية عهده بأيام، وبما أننا كنا في فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال، لم يسلك المشروع دربه إلى مجلس الوزراء للمناقشة والإقرار، وانتظرنا حتى 2016 عندما بادر النائب سامي الجميّل إلى تبنّي المشروع وتحويله إلى اقتراح قانون قدّمه إلى المجلس، ويسجّل ذلك له. ومذّاك خضع اقتراح القانون لمناقشات في العمق في اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل على مدى أكثر من 74 جلسة، لكن المناقشات توقفت في 2019'.
إدخال تعديلات
يشير بارود إلى أن المشروع قد يحتاج إلى تعديلات، 'لا سيما في الجانب المتعلق بالمكننة والمستجدات في مجال الذكاء الاصطناعي. أما التحسينات والإضافات، فهي ممكنة ومُرحَّب بها داخل اللجنة، إذا قررت متابعة المناقشة بهدف الوصول إلى الإقرار المنتظر منذ وقت طويل'.
ولا يختلف إثنان على ضرورة إقراره في أسرع وقت ممكن، ولكن في ظلّ زحمة مشاريع القوانين الاقتصادية والمالية الإصلاحية المنشود إقرارها، ما هي مرتبته بحسب الأولوية لانطلاق العجلة الاقتصادية؟
يرى بارود أن 'ضرورة الإقرار تعود إلى 35 سنة إلى الوراء وربما أكثر. اللامركزية إصلاح ولذلك، فهي تدخل طبعاً ضمن قائمة القوانين المطلوبة لبنانياً قبل أن تكون مطلوبة من جهات دولية. هذا قانون ميثاقي وسيادي يحاكي حاجات البلد. ومن المعلوم عالمياً أن اللامركزية جزء أساسي في العجلة الاقتصادية والتنمية المحلية. فهي تنشّط الحركة المحلية وتجعلها تواكب السلطة المركزية في ما تقوم به من إجراءات النهوض'.
وفي السياق سأل بارود: 'أليست البلديات الخليّة الأساسية في اللامركزية؟ ألم تعط البلديات نماذج مميزة في التنمية والتطوير، على الرغم من تواضع الإمكانات؟ لذلك أرى أن كل ما قيل في اللامركزية المالية كان مؤسفاً وفي غير محله المنهجي والعلمي، لأن اللامركزية لا تحتاج إلى نعوت، وهي تعني ما تعنيه دونما حاجة إلى استفاضة. هي مجالس محلية منتخبة، تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الإداري والصلاحيات ضمن وحدة الدولة وبالواردات الكافية لممارسة هذه الصلاحيات أيضاً وأيضاً ضمن وحدة الدولة'.
يضيف: 'ينطبق ذلك على البلديات إذ لم أرَ أحداً يعترض على مالية البلديات التي لها صندوقها وجبايتها المباشرة. لنقُلها بصراحة ومن دون مواربة: مشكلة اللامركزية تكمن في أنها تضرب معادلة الولاء السياسي بمقابل الخدمات، ولذا فإن البعض، ولا أعمّم، يتحفّظ عليها ويريدها 'منزوعة السلاح' أي منزوعة الإمكانات المالية. وفي هذه الحالة، بلاها أحسن'.
ماذا سيتغيّر؟
وفقاً لقانون المركزية الإدارية المطبّق حالياً، كيف يمكن تفعيل عمل البلديات الاقتصادي والإنمائي في المناطق في ظلّ عجز الدولة المالي عن القيام بالمهام المنوطة بها، وإحكام السياسة بزمام الأمور؟
يجيب بارود: 'السؤال في محله إلا أنه ينطوي على جواب جزئي بعض الشيء، لأن المطلوب تحرير المناطق اللامركزية من عجز الدولة المركزية المالي. عالمياً، تبلغ نسبة الإنفاق المحلي (الذي يشمل البلديات والمقاطعات والحكومات المحلية) من إجمالي الإنفاق العام، معدلاً وسطياً نسبته 27 في المئة.
في لبنان، يتراوح هذا المعدّل بين 5 و7 % بحسب السنوات. مشروع اللامركزية يسعى إلى رفعه إلى 20 % وذلك من دون استحداث ضرائب ورسوم جديدة، وإنما فقط عبر نقل بعض تلك الضرائب والرسوم من السلطة المركزية إلى المناطق، تبعاً لانتقال بعض المهام. هكذا مثلاً يقترح المشروع أن تذهب ضريبة الأملاك المبنية إلى مجلس القضاء مباشرة، كون العقار في نطاق هذا القضاء.
إضافة إلى ذلك، يستحدث المشروع الصندوق اللامركزي الذي سيحلّ محل الصندوق البلدي المستقل المأزوم، وهو صندوق مجلس إدارته منتخب ويخضع توزيع العائدات فيه لمؤشرات أربعة محددة مسبقاً: مساحة القضاء، عدد المسجلين فيه، نسبة الجباية، والأهم: مؤشر التنمية الذي يسمح للأقضية الأقلّ اقتداراً بأن تحصل على عائدات أكبر لتنفيذ مشاريع تنموية. هذا بالإضافة إلى سلّة حوافز'.
مصدر عائدات البلديات
لكن كيف تحصّل البلديات عائداتها في نظام اللامركزية، ومن يراقب آلية الصرف، وكيف يمكن تحقيق الشفافية؟
يوضح بارود أن 'مشروع قانون اللامركزية لا يتطرق إلى البلديات ولا إلى قانونها، وهذه ورشة موازية. لكنه يحرص على عدم المسّ بصلاحيات البلديات ضمن نطاقها، وعلى عدم المسّ بوارداتها التي هي ضرائب ورسوم مباشرة وعائدات من الصندوق البلدي المستقل. بحسب المحاكاة التي رافقت مشروع القانون في تقرير مرفق به، ستزيد واردات البلديات من الصندوق اللامركزي بنسبة لا تقل عن 20 %، فيما هي اليوم في تراجع كبير.
بالنسبة إلى مجالس الأقضية، الرقابة هي على عدة مستويات: شعبية عبر الهيئة العامة في القضاء التي تراقب سنوياً الإنفاق عبر مصادقتها على الموازنة وعلى قطع الحساب، وهي قضائية، لا إدارية، وهي لاحقة لا مسبقة. أما الشفافية، فهي من خلال موجب قانوني بنشر قرارات ومناقصات مجلس إدارة القضاء.
الفساد 'البلدي'
ورداً على سؤال حول الفساد وإلى أي حدّ ينخر القطاع البلدي وكيف يمكن مساءلة البلديات؟، يقول بارود: 'تماماً كما ينخر الهواء الذي نتنشقه ولكن ديمقراطية القرب (la démocratie de proximité) تساعد كثيراً في ضبطه، ويبقى القضاء هو الضامن الأكبر. المساءلة شعبية، قضائية، وللإعلام دور أساسي فيها. لا ننسى أن قانون حق الوصول إلى المعلومات قد أعطى أدوات عدة يستطيع المواطن من خلالها أن يعرف، فيسائل...
إذاً، يبقى إقرار قانون اللامركزية الذي يذكّر به كل نواب ووزراء حاليين وسابقين ضرورة ملحّة تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً، لأن اللامركزية إصلاح. أما البلديات فهي خليّة أساسية في اللامركزية، إذ أعطت نماذج مميزة في التنمية والتطوير.
Dont forget to Follow us on kataeb.org Instagram