اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٣ نيسان ٢٠٢٥
تمتلك البلاد ثروات لكنها تحتاج إلى الحماية والمواطنون ينتظرون الوفاء بالعهود قريباً
لبنان بلد غني بموارده، طرح لا يفتقر إلى دليل، وتؤكده وقائع عدة بدءاً بالاحتياط الذهبي الضخم، فضلاً عن توقع وجود ثروة نفطية، إلا أن هذه البلاد تفتقد آليات الرقابة والمحاسبة، تارة بحجة وجود حصانات لوزراء ونواب، وتارة بحمايات سياسية وطائفية أو فساد مقنن لا بد من مسايرته والتغاضي عنه، في وقت ينتظر فيه اللبنانيون الوفاء بالعهود قريباً، بعدما سمعوا في خطاب رئيس الجمهورية جوزاف عون كلاماً يشبههم، ويشبه أحاديثهم اليومية التي كثيراً ما اعتبرت 'لبنان ليس بلداً مفلساً، وإنما هو بلد منهوب'.
ويقول المتخصص المالي الدولي حسن علي حمادة 'يعد لبنان من الدول الغنية، إن من الناحية الاقتصادية أو الجغرافية المميزة، بسبب امتلاكه المقومات كافة للتنمية الاقتصادية، إلا أن المنظومة امتهنت إفقار البلاد، وسيطرة البنى السياسية والاجتماعية التقليدية والعشائرية، وغياب قيم المواطنة، وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي، وسيطرة الأحزاب مقابل ضعف الدولة وعدم استقلالية السلطة السياسية عن الخارج'، معتبراً أنه 'لم يعد بالإمكان استمرار الآليات التي كانت متبعة منذ 40 عاماً بسبب استنفاد قدرات البلد، والدول الصديقة لم تعد مانحة من دون شروط'، ذلك أن 'عملية سرقة لبنان ونهب مقدراته كانت تحصل خلال فترة طويلة من الزمن وبصمت، وهناك حاجة إلى خطط لإعادة البلاد إلى السكة الصحيحة'.
ذهب لبنان النادر
يتباهى لبنان بموقعه المميز الذي جعله حلقة وصل بين الحضارات وموقع نزاع بين القوى الكبرى في مختلف فصول التاريخ، وكذلك قدرات شعبه الاستثنائية، إن لناحية التعافي أو التعلم من التجارب، والكفاءات العلمية والمعرفية الاستثنائية، ويدر المغتربون أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً على صورة حوالات إلى لبنان، مما يساعد البلاد على البقاء والاستمرار في مواجهة الانهيار المالي والاقتصادي الشديد. في الموازاة، فالبلاد تمتلك مخزوناً ذهبياً ضخماً، ترتفع قيمته تباعاً بفعل صعود قيمة المعدن الأصفر وتجاوزه عتبة الـ3 آلاف دولار، للمرة الأولى في التاريخ.
ويشير المتخصص الاقتصادي بلال علامة إلى أن 'لبنان من أغنى الدول في المخزون الذهبي، وهو يحتل المرتبة الثانية عربياً بعد السعودية، إذ يمتلك 33 مليون أونصة، ويقدر ثمنها راهناً بـ30 مليار دولار أميركي'، و'اشترى لبنان الذهب على دفعات، وقد ظهرت لمسة السياسي اللبناني إلياس سركيس (رئيس جمهورية سابق وحاكم سابق للمصرف المركزي) في هذا الفعل، عندما كان حاكماً للمصرف المركزي قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، وقد برر ذلك بوجود فائض مالي لا بد من تحويله وحفظه من خلال شراء معدن نفيس'.
وتتوزع هذه الأونصات على الصورة التالية: يوجد ثلثه في قلعة 'فورت نوكس' في الولايات المتحدة الأميركية، أما البقية فهي موجودة في خزائن مصرف لبنان المركزي، وتزداد قيمة هذا الذهب كلما استمر سعر الأونصات في الارتفاع دولياً. وقد احتاط المشرع اللبناني إلى خطورة المساس بها، إذ قرر البرلمان عام 1986 قانوناً يمنع أي سلطة التصرف بالذهب إلا بصدور قانون تحرير استعماله وضرورة الحصول على غالبية الثلثين، أي 86 صوتاً وما فوق.
الثروة النفطية
لا تقتصر مصادر الغنى على الذهب الأصفر، وإنما تتجاوزه إلى الذهب الأسود المتوقع العثور عليه في البلوكات البحرية الـ10، لكن دون ذلك محاذير لناحية البلوكات. فبالنسبة إلى لبلوكات رقم 1 و2 الموجودة عند الحدود الشمالية من الجهة اللبنانية، فإنهما يتداخلان نحو 750 كيلومتراً مربعاً مع سوريا. ففي عام 2013، مع انطلاق جولة التراخيص الأولى، دعا لبنان إلى تلزيم البلوك رقم 1، ولكن لم تقدم أي شركة دولية طلباً بالاستكشاف بفعل اعتراض الجانب السوري على اتخاذ لبنان خطوات أحادية من دون التشاور معه، والشكوى لدى الأمم المتحدة، علماً أن سوريا بدأت، لاحقاً، رحلة الاستكشاف، وبصورة أحادية من دون إبلاغ لبنان على رغم تداخل البلوك السوري مع البلوكين اللبنانيين الشماليين. إلا أن المشكلة الأخطر، فكانت مع البلوكات الجنوبية، حيث تأخر إطلاق رحلة الاستكشاف والإنتاج إلى عام 2017، وحضور الائتلاف الذي تترأسه شركة 'توتال' الفرنسية، إلى جانب 'إيني' الإيطالية، والشركة القطرية 'قطر للطاقة' التي حلت مكان 'نوفاتيك' الروسية للتنقيب عن الغاز والنفط في البلوكين اللبنانيين الرقم 4 و9، قبل أن تأتي الوساطة الأميركية التي تولاها آموس هوكشتاين لترسيم المنطقة الاقتصادية الخاصة والحدود البحرية الجنوبية بدءاً من عام 2020. وانعكس الأمر طمأنينة لدى المستثمرين الدوليين، قبل أن تكبح معركة 'طوفان الأقصى' المسيرة إلى أجل غير مسمى، في وقت بدأ الجانب الإسرائيلي باستثمار حقل 'كاريش'.
الأملاك العامة المستباحة
تعد الدولة اللبنانية 'أكبر المالكين العقاريين في البلاد'، فهي، وبقوة القانون، تمتلك العقارات البحرية الممتدة من منطقتي العريضة والعبدة شمالاً، إلى رأس الناقورة جنوباً، بالتالي لها الحق في استغلالها واستثمارها، وهو أمر غير مأمون حتى الآن، ذلك أن الأملاك العامة البحرية خاضعة لنفوذ رجال المال والأعمال، وأصحاب المنتجعات السياحية. كما تعد من كبار المالكين ممثلة بالبلديات والمؤسسات العامة، إن لناحية امتلاك المشاعات العامة، أو الأراضي الداخلة في الملك العام، ومجاري الأنهار والينابيع، وسكك القطار، وقمم الجبال، وغيرها من العقارات والأبنية والمنشآت العامة. وجاء بعض الطروحات والنظريات لتسييل تلك الأملاك، وبيعها من أجل تحميل الدولة اللبنانية عبء سداد الودائع التي ضاعت في أعقاب الانهيار المالي والاقتصادي، وهو أمر مثار خلاف في البلاد، إذ تبرز المطالب بتطبيق القانون، وتحميل أصحاب المصارف مسؤولية التقصير والأخطاء المقصودة التي أدت إلى حرمان المودعين حقوقهم وودائعهم المدخرة، بحسب المحامي حسن عادل بزي المسؤول في 'جمعية الشعب يريد إصلاح النظام'، الذي يشدد على أن 'بيع الأصول الحكومية لا يمكن أن تكون حلاً لملف الودائع من دون استعادة الأموال المتأتية عن الفساد'.
الموارد الهائلة من الخدمات
تحقق الدولة اللبنانية مداخيل مرتفعة، إن على صورة ضرائب مباشرة وغير مباشرة، أو من خلال رسوم لقاء خدمات تقدمها المؤسسات العامة، سواء على مستوى الجمارك أو بدلات الكهرباء والمياه والاتصالات ورسوم مصالح تسجيل السيارات ورسوم الانتقال والعبور، وغيرها من مصادر الدخل للخزانة العامة. وانعكست ظاهرة الدولرة على هذه القطاعات، إذ بدأت الحكومة بتقاضي الرسوم بالدولار الأميركي الذي أصبح يساوي 89500 ليرة لبنانية في سوق الصرف، ولكن تذهب هذه الواردات ضحية الفساد. ويشير المحامي بزي إلى الهدر والتهرب الضريبي، وكذلك التلاعب بالكشوف الجمركية 'من خلال التواطؤ مع المستوردين الكبار، والتحايل على القانون من خلال تغيير طبيعة البضاعة المستوردة، وقد لوحق 150 كشافاً أمام القضاء، ولكن أطلقوا بدلاً من إنزال عقوبة أشغال عامة بحقهم، ومصادرة أملاك لغاية الدرجة الرابعة'. ويتابع 'بعد الادعاء على هؤلاء وملاحقتهم، تأتي الأحكام المخففة والعقوبة غير الرادعة، ومن ثم إطلاق سراح الكشاف الفاسد وإعادته إلى وظيفته. وهو أمر تكرر في الأمانات العقارية، ملف النافعة ومصلحة تسجيل السيارات'. ويعتبر أن المدخل للحل إنما يكون من خلال 'تفعيل آليات التوظيف بواسطة مجلس الخدمة المدنية الذي ينظم مباريات لتوظيف أصحاب الكفاءة، ومن ثم صرف الموظفين الفاسدين، ومن يتقاضون أجوراً من دون أداء أعمالهم'.
الإفلاس
أمام هذا الواقع 'يبدو أن إفلاس الدولة اللبنانية أمر مستغرب، فهي دولة تمتلك كثيراً من الأصول والأموال، لكنها عاجزة بمبلغ يتجاوز قدره 120 مليار دولار أميركي'، بحسب المتخصص في الشأن الاقتصادي علامة الذي تساءل عن 'مصير التدفقات المالية والمساعدات الخيالية التي جاءت إلى البلاد خلال السنوات الماضية، وعملت مكونات السلطات السياسية المتعاقبة على هدر تلك الأموال بسبب التعامل مع الدولة بوصفها مصدر منفعة للأحزاب والميليشيات، والنهب المنظم وتقاسم القطاعات، مما أدى إلى فشل محاولات الإصلاح كافة بسبب غياب النيات وصولاً إلى الخدمة الأسوأ في مختلف القطاعات'. وتطرق علامة إلى الدور السلبي الذي لعبه بعض المكونات السياسية وإحداث القطيعة مع الدول الصديقة والعربية والمستثمرين الأجانب، وسلط الضوء على الحجم الكبير للقطاع العام، فهو يرى أنه 'لا يجوز لدولة حجم موازنتها أربعة مليارات دولار أميركي، أن تضم 500 ألف موظف ومستخدم في هيكليتها، مما قد يصل إلى 30 في المئة من المواطنين المقيمين على أراضيها، علماً أنه يجب ألا يتعدى حجمه بين 100 و120 ألفاً بسبب الكلف الهائلة للرواتب والتقديمات والتقاعد'، و'الذي دفع السلطة إلى التعسف في استعمال ودائع المواطنين من أجل الاستمرار في الإنفاق، ما أصاب الاقتصاد بمقتل، لأنه لا يمكن تحقيق التعافي والاستمرارية من دون قطاع مصرفي سليم'.
العيب بنيوي
لا تقتصر حماية الفساد في لبنان على التقييدات الطائفية والمذهبية، وإنما تتجاوزها إلى ما يمكن تسميته 'العرقلة المقننة لملاحقة المجرمين والفساد'، إذ يلعب بعض الآليات الدستورية والقانونية دوراً في عرقلة الملاحقات، وتبدو 'الحصانات الممنوحة للرؤساء والوزراء والنواب' كواحدة من الذرائع التي يتمسك بها بعض الملاحقين الذين يتحججون بمحاكمتهم أمام المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء، وهي مؤسسة تفتقر إلى الهيكلية، ويقول المحامي بزي 'في تاريخ لبنان، لم يلاحق وزراء إلا في حالات نادرة، وواحدة من تلك القضايا، ملاحقة وزير الزراعة السابق علي عبدالله بعدما غضب منه الرئيس نبيه بري (رئيس مجلس النواب)، وإلا في حال حمايته له، ما كان للقضاء أن يلاحقه'.
من هذا المنطلق يؤكد المحامي بزي أن 'العيب في لبنان ليس في مداخيل الدولة، وإنما هو عيب بنيوي في النظام المتسلط على إدارة البلاد والمال العام'، لأن 'القضاء لا يلعب دوره كسلطة دستورية، وإنما بوصفه جسماً متداخلاً مع السلطة التنفيذية بسبب آليات التعيين والانتداب والرواتب، والتي تحولت إلى ولي نعمة الجسم العقابي والرقابي'، إذ 'يعين بمراسيم حكومية كل من النائب العام التمييزي والنائب العام المالي ورئيس التفتيش ورئيس ديوان المحاسبة ونصف أعضاء مجلس القضاء الأعلى والتشكيلات القضائية، مما يجعل القضاء ضحية صراع المصالح المتناقضة والاضطرار إلى التغاضي عن بعض ملفات الفساد'.
ويتحدث بزي أيضاً عن 'تصارع السياسيين لتكريس التعيينات التي تخدم مصالحهم، وهذا ما يظهر حالياً مع البحث عن اسم شخصية تشغل منصب المدعي العام المالي، إذ يقدمون الولاء الحزبي والطائفي على معيار الكفاءة والمؤهلات العلمية والرتبة القضائية'، بالتالي فإن 'القاضي يصبح خاضعاً للجهة التي قامت بتسميته، وهو ملتزم عدم ملاحقة مخالفاتها'. وينوه بزي إلى وجود سلة من القوانين التي لم تبلغ مرحلة التنفيذ على الأرض الواقع، مثل قانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد وقانون الإثراء غير المشروع وقانون السرية المصرفية وغيرها من القوانين التي تفتقر إلى سلطة تحاسب بسبب عدم إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، مشدداً على أن 'الثروات النفطية أو غير النفطية لا قيمة لها في حال استمرت دوامة الفساد وانعدام النزاهة والشفافية'.