اخبار لبنان
موقع كل يوم -النشرة
نشر بتاريخ: ١٨ أيلول ٢٠٢٥
افتتح وزير المال ياسين جابر أعمال المنتدى الإقليمي، الذي نظمه إتحاد المصارف العربية في فندق كورال بيتش – بيروت، بعنوان 'برامج مساعدة القطاعات الاقتصادية والمصرفية في الدول التي تشهد أزمات – تجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة'، في حضور فعاليات اقتصادية لبنانية وعربية وديبلوماسية.
واشار جابر الى أن 'ما يؤلمني أن مؤتمرنا ينعقد ليناقش الأزمات المصرفية في ظل الأوضاع المتعثرة التي نعيشها ليس في لبنان فحسب، إنما في منطقتنا العربية، للأسف يعيش لبنان اليوم أزمة مصرفية حادة بعدما كان يحمل تاريخاً ناصعاً في العمل المصرفي، هو الذي شرع حماية السرية المصرفية عام 1956 وكان سباقا في إصدار قانون للنقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي وهو الذي استقطب أكبر المصارف العالمية إلى سوقه المصرفية والتي استحوذت حتى عام 1974 على ما يقارب 75% من السوق المحلية ولم يقتصر عملها على خدمة الاقتصاد المحلي بل كانت مركزاً إقليمياً لخدمة الأسواق العربية، بحيث أطلق على لبنان إسم 'سويسرا الشرق'.
ولفت الى أن 'كما يؤلمني أن نتحدث عن الأزمة المصرفية التي نعيشها بدلاً من أن نتحدث عن برامج تحديث وتطوير وتنمية القطاع المصرفي. لكنه من دواعي السرور أن أعلن أن لبنان قد بدأ يخط طريقه بخطى علمية وعملية إلى بدء التعافي من الأزمة الاقتصادية المالية والمصرفية، ونسعى كحكومة وبجهد مضاعف وبدعم وبجهود كل المؤمنين باستعادة لبنان استقراره وريادته، إلى النجاح في هذه المهمة الاستثنائية، والتي لا تقتصر اسبابها على أزمة مالية بحتة، إنما على أوضاع سياسية وأمنية خاصة الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة والمتمادية، وظروف اقليمية معقدة عكست بتأثيراتها السلبية على الداخل اللبناني، وقد عانى لبنان عن فراغ رئاسي وخلل في انتظام عمل المؤسسات الدستورية وشلل في المؤسسات العامة والقطاع الخاص على السواء استمر لقرابة السنتين ونصف السنة'.
واضاف 'لقد تمكنت الحكومة الحالية والمجلس النيابي مؤخراً بعد سنوات من الشلل، من تعديل قانون السرية المصرفية ومن إصدار قانون الإصلاح المصرفي ، كما يجري العمل على إقرار قانون الانتظام المالي ووضع برنامج لاعادة الودائع ليكون الباب مشرعاً أمام المصارف اللبنانية للعودة إلى للمساهمة بشكل فعال في إعادة النهوض الاقتصادي واعادة إعمار ما دمرته الاعتداءات الاسرائيلية، وعودة لبنان بلداً آمناً مستقراً وملاذاً للاستثمارات يستقطب المصارف العربية والأجنبية، هذا ما نسعى اليه وهذا ما نأمله كي يعود واحة أمن وأمان وازدهار'.
واكد ان 'موقفنا واضح وهو حفظ أموال المودعين، ونصر على أن الودائع حق لأصحابها إلا إذا تبين وفقاً لكل المعايير الدولية أن بعض الودائع تعود لجهات مشبوهة أو أن مصادرها مشبوهة'، لافتا الى أن 'وفي سعينا لحفظ الحقوق نحرص أن يعود مصرف لبنان مصرفاً ناظماً للقطاع المصرفي يتمتع بحوكمة وملاءة ثابتة وأن يكون العمل مشتركاً مع الحكومة لأجل إعادة الانتظام المالي والنقدي'.
وشدد عى أن 'الهدف الأساسي لأي خطة معالجة هو إعادة الثقة بالسوق اللبنانية وهذا لا يتحقق إلا باحترام حقوق الآخرين ولن يكون قانون إعادة الودائع إلا في هذا الاتجاه. ندرك ايها السادة ان عوامل عديدة ساعدت على تفاقم الأزمة، واذا استثنينا الازمات المرتبطة بالسياسة والأمن فإن الاعتماد على الدين الخارجي وغياب الشفافية والمحاسبة وسواها عوامل فاقمت الازمة التي عشناها في السنوات الأخيرة. ان الحكومة تعمل بجدية لأجل العودة إلى الانتظام المالي، كما تعمل بجدية على إنجاز الإصلاح المصرفي ولاجل ذلك قامت الحكومة بتعيين حاكم للمصرف المركزي وأربعة نواب للحاكم، إضافة إلى رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهي الحكومة الأولى التي قدمت مشروعاً اصلاحيا متكاملاً ولن تتأخر في العمل على وضعه موضع التنفيذ'.
بدوره، رأى رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه ان 'الإصلاح المصرفي والنقدي أساس للتنمية المستدامة، إذ يضمن استقرار الأسعار، جذب الاستثمار، وتمويل القطاعات الحيوية'، مشيرا إلى أن 'تعزيز رسملة المصارف، إدارة المخاطر، الشمول المالي والرقمنة يقوي دورها التنموي، فيما استقلالية البنوك المركزية وضبط التضخم يحمي الاستقرار'.
وأكد طربيه ان 'اتحاد المصارف العربية يواكب هذه الجهود ويجمع الخبرات لدفع الإصلاح ومواجهة التحديات وتحويلها لفرص'، مشيرا إلى أننا 'ونحن نجتمع اليوم في بيروت، لا يمكننا أن نغفل التجربة اللبنانية، التي شكلت نموذجا صارخا للأزمات المركبة التي قد تواجه القطاعات المصرفية. فقد تعرض لبنان خلال السنوات الأخيرة لانكماش اقتصادي عميق، وتدهور نقدي، وأزمة مصرفية أثرت على المودعين والمصارف والاقتصاد على حد سواء. إلا أن هذه التجربة، على قساوتها، تحمل دروسا بالغة الأهمية فهي تذكرنا بضرورة التحوط المسبق، وتؤكد أن غياب السياسات الاقتصادية السليمة والحوكمة الرشيدة يضاعف من حدة الأزمات. كما تبرز الحاجة إلى بناء شبكات أمان مالية ومصرفية عربية مشتركة قادرة على التدخل عند الأزمات'.
وأعتبر أن 'التجربة اللبنانية، ومعها تجارب عربية أخرى، يجب أن تكون حافزاً لنا جميعاً لتسريع الإصلاحات، وللاستفادة من خبرات الدول المتقدمة التي نجحت في احتواء أزماتها المصرفية وإعادة هيكلة أنظمتها المالية'. ولفت الى أن 'عند الحديث عن التجربة اللبنانية، لا بد من التوقف عند ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، حيث يرتكز الاهتمام الآن على إصدار قانون يتناول معالجة 'الفجوة المالية' وهي تتمثل في الفرق بين مجموع ودائع القطاع المالي المدرجة في ميزانية البنك المركزي والتي تبلغ ما يتجاوز 82 مليار دولار من الالتزامات تجاه المصارف والمودعين، يقابلها موجودات لدى المصرف المركزي تقارب قيمتها 50 مليار دولار تتمثل بالاحتياطات النقدية والذهب والموجودات العقارية واسهم الشركات'.
اما رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في لبنان شارل عربيد كلمة راى فيها ان 'منطلق هذه الفكرة في أنها تضع ملتقى 'برامج مساعدة القطاعات المصرفية في الدول التي تشهد أزمات، وتجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة'، في نصاب الشراكة في المسؤولية حول البحث عن شكل مختلف للمستقبل، يصوغه المخلصون بالعمل في هذا القطاع ومعه، بهدف إعادة تدعيم اقتصاداتنا، انطلاقا من أحد أهم أعمدته ومحركات الزخم فيه: القطاع المصرفي'.
أضاف 'هذا القطاع الذي يعكس في حركته صورة الاقتصاد وأرقامه المشبعة بالمعنى، وواحدة من أدوات قياس النبض لحركته الاجتماعية وتفاعلاتها، ومواطن الصحة أو العلّة فيها. وفي لبنان، لم يكن القطاع المصرفي يوما مجرد وسيط بين المدخر والمستثمر، بل لعب دورا تأسيسيا في صياغة النموذج الاقتصادي اللبناني منذ الاستقلال. لكن هذا الدور الذي قام على قواعد الانفتاح والثقة، عانى من دوراتٍ زمنية متكررة لأسبابٍ كثيرة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو مالي واقتصادي، فضلا عن الفساد وضعف الحوكمة الرشيدة'.
واعتبر أن 'تقلّص حجم الاقتصاد خلال سنوات قليلة، وانهيار سعر الصرف الذي ضرب العملة الوطنية كوعاءٍ للثقة، قبل أن تكون سلعة للتبادل، أدى إلى نتائج كارثية على اقتصادنا الوطني، تمظهرت في مزيد من الذوبان للطبقة الوسطى، وتآكل الأجور إلى حدٍ غير معقول وغير لائق، الأمر الذي شيّد مشهداً قاتماً من الفقر والبطالة، بظلالٍ اجتماعيةٍ عميقة على الاستقرار المجتمعي والنسيج الأهلي، إلى جانب كل ما تعرفونه من عوامل الحرب وتعاظم التهديدات الأمنية'.
ورأى عربيد 'ان معالجة الأزمة تستوجب رؤيةً شمولية تتجاوز الحسابات الرقمية، لتطال إعادة ترميم العلاقة بين المصرف والمجتمع، بين رأس المال والعمل، بين الدولة والمواطن. إن تجارب الدول العربية والدول ذات القطاعات المصرفية المتقدمة تبيّن أن النجاح لا يكمن فقط في ضخ السيولة أو إعادة الجدولة، بل في صياغة سياسات عامة متكاملة: المالية العامة وضبط العجز، بما يمنع تكرار الحلقة المفرغة من الدين والفوائد. الشفافية والحوكمة الرشيدة، بما يعيد الثقة ويستقطب الاستثمارات. إعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحوٍ يوازن بين حماية المودعين وضمان استمرارية المصارف. ربط دائم، ذكي ودقيق، للسياسات النقدية والمالية بالبعد الاجتماعي: حماية الفئات الأكثر هشاشة، وضمان شبكة أمان اجتماعية متينة'.
واشار إلى أنه 'هنا يبرز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وهو ليس جهةً تنفيذية، ولا مؤسسة تقنية بحتة، بل هو منبر للحوار الوطني التشاركي، ووعاء تفكير جماعي منتج للحلول ومصنع للأفكار، يقترح على صناع القرار حلولاً ومعالجات متكاملة، مصاغة من العمال وأصحاب العمل والنقابات والمجتمع المدني والخبراء، ومختلف مكونات المجتمع النشطة. لقد أطلق المجلس خلال السنوات الماضية حلقات نقاشٍ مفتوحة حول الإصلاحات المطلوبة اقتصادياً، مالياً ومصرفياً، وصاغ آراءً رفعت إلى المسؤولين، مؤكداً أن الخروج من الأزمة يتطلب مقاربة تشاركية، تعترف بالواقع، وتبني على التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.











































































