اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ١٤ أب ٢٠٢٥
شكّلت زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى لبنان محطة سياسية بالغة الدلالة، في ظل تصاعد السجال حول التصريحات الإيرانية الأخيرة التي طالت الشأن اللبناني الداخلي. وعلى الرغم من الطابع الدبلوماسي للزيارة، إلا أنّ المواقف اللبنانية التي صدرت عن الرؤساء الثلاثة حملت رسائل واضحة، مفادها أنّ لبنان لن يسمح لأي طرف خارجي، بالتدخل في قراراته السيادية. فالكلمات التي وُجّهت إلى لاريجاني عبّرت عن رفض قاطع لتجاوز الأصول الدبلوماسية، وشدّدت على أنّ القرار اللبناني يُصنع في الداخل، ولا يُملى من الخارج، في تأكيد على تمسّك الدولة بمبدأ احترام السيادة المتبادلة، والابتعاد عن منطق الوصاية أو الاصطفاف.
وفي التفاصيل، قالت مصادر مطلعة لـ'الشرق الأوسط' على لقاء لاريجاني مع رئيس الجمهورية إن اللقاء اتسم بـ'المصارحة العميقة'، مؤكدة أنّ الموفد الإيراني أكد مراراً عدم نية بلاده التدخل في الشؤون اللبنانية، كما عمد إلى الحديث مطولاً عن تاريخ 'حزب الله' بمواجهة إسرائيل.
وأبلغ الرئيس عون لاريجاني، بحسب بيان الرئاسة، 'أن لبنان راغب في التعاون مع إيران ضمن حدود السيادة والصداقة القائمين على الاحترام المتبادل'، لافتاً إلى أنّ اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين، غير مساعدة.
وهذا ما ردّ عليه لاريجاني بحسب ما قالت المصادر بالتأكيد أن 'بلاده لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، وأن ما أدلى به لدى وصوله إلى بيروت يعكس وجهة النظر الرسمية لطهران'، مشيراً إلى أنه قد تصدر دائماً أصوات ومواقف، لكن الأهم يبقى موقف الدولة، مذكراً في المقابل بموقف وزير الخارجية يوسف رجّي الذي وصف التعليقات الإيرانية بـ'المشبوهة'.
وعلمت 'نداء الوطن' أنّ الكلام الحازم الذي أدلى به عون أمام لاريجاني جاء في معرض الاعتراض على التصريحات الإيرانية، وتفاجأ لاريجاني بموقف عون ما دفعه إلى التعامل بليونة حيث أكد أنه هو المسؤول عن الملف اللبناني وما صدر عنه يعبر عن موقف إيران، فقاطعه عون وأشار إلى التصريحات الإيرانية التي اعترضت على القرار الحكومي، فأشار إلى أن تلك التصريحات لا تعبر عن موقف طهران الرسمي وأن كلامه في المطار هو الذي يعبر وهناك بعض التصاريح من مسؤولين إيرانيين لا يمكن ضبطها، وأشار إلى موقف وزير الخارجية يوسف رجي العالي السقف ليقول كما تصدر عندنا تصاريح يصدر عندكم تصاريح قاسية. وأكد لاريجاني لعون احترامه للقرار الحكومي الأخير لكنه دعا إلى توافق كل الأطراف وعدم وقوع صدام مشددًا على أن بلاده لن تتدخل في سلاح 'حزب الله' إلا إذا طلبت الدولة اللبنانية منها ذلك معتبرًا أن 'الحزب' قوة لبنانية ويجب الحوار معها.
وفي هذه الأجواء، حضرت إيران في المشهد السياسي الداخلي، عبر زيارة لاريجاني، الذي التقى الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، وزار ضريح الأمين العام السابق لـ'حزب الله' السيد حسن نصرالله.
وتبلّغ لاريجاني من الرئيس عون 'انّ الصداقة التي نريد ان تجمع بين لبنان وإيران لا يجب ان تكون من خلال طائفة واحدة او مكوّن لبناني واحد، بل مع جميع اللبنانيين'.
وأكّد عون 'أنّ لبنان الذي لا يتدخّل مطلقاً بشؤون أي دولة أخرى ويحترم خصوصياتها ومنها ايران، لا يرضى أن يتدخّل أحد في شؤونه الداخلية. وإذا كان عبر التاريخ اللبناني ثمة من استقوى بالخارج على الآخر في الداخل، فالجميع دفع الثمن غالياً، والعبرة التي يستخلصها اللبنانيون هي انّه من غير المسموح لأيّ جهة كانت ومن دون أي استثناء أن تحمل السلاح وتستقوي بالخارج ضدّ اللبناني الآخر'.
وفي عين التينة، أكّد لاريجاني 'رسالتنا تقتصر على نقطة أساسية بحتة بأنّ إيران تريد أن تكون دول المنطقة سيّدة نفسها ومستقلة في قراراتها ولا تحتاج إلى تلقّي الأوامر من ما وراء المحيطات والبحار'. وقال: 'لم نحمل معنا أيّ خطة للبنان، إلّا أنّ الأميركيين هم الذين أتوا لكم بورقة من عندهم. نحن دوماً نقول لكم بأنكم أنتم أسياد قراركم. وعليكم أخذ الحيطة والحذر حتى لا تعيد إسرائيل الاعتداء عليكم. وميّزوا بين الصديق والعدو. واعلموا أنّ المقاومة هي رأس مال عظيم وكبير لكم، وننصح بالحفاظ عليها'.
وفي السراي الحكومي، أكد الرئيس سلام خلال اللقاء مع لاريجاني أن التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الإيرانيين، ولا سيما وزير الخارجية عباس عراقجي، وعلي أكبر ولايتي، والعميد مسجدي، مرفوضة شكلاً ومضموناً. فهذه المواقف، بما انطوت عليه من انتقاد مباشر لقرارات لبنانية اتخذتها السلطات الدستورية في البلاد، ولا سيما تلك التي حملت تهديداً صريحاً، تشكّل خروجاً صارخاً عن الأصول الدبلوماسية وانتهاكاً لمبدأ احترام السيادة المتبادل الذي يشكّل ركيزة لأي علاقة ثنائية سليمة وقاعدة أساسية في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وهي قاعدة غير قابلة للتجاوز.
وقال: 'إن لبنان لن يقبل، بأي شكل من الأشكال، التدخل في شؤونه الداخلية، ويتطلع إلى التزام الجانب الإيراني الواضح والصريح بهذه القواعد'. وأكد أن 'قرارات الحكومة اللبنانية لا يُسمح أن تكون موضع نقاش في أي دولة أخرى. فمركز القرار اللبناني هو مجلس الوزراء، وقرار لبنان يصنعه اللبنانيون وحدهم، الذين لا يقبلون وصاية أو إملاء من أحد'.
كذلك أكد سلام أن 'لبنان بلد صغير عانى طويلاً من تدخل الآخرين وهذه صفحة آن الأوان لطيّها، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولبنان لن يقبل أن يُستعمل منبراً لتصفية حسابات أو ساحة لرسائل إقليمية. قراراتنا السيادية، نابعة من مصلحتنا الوطنية، بما فيها أي خطط او جداول زمنية'.