لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ٢٧ أب ٢٠٢٥
تشهد مدينة دبي تطوّراً ونموّاً بشكل مستمر وفي مختلف المجالات. ولا يخرج المشهد ثقافي عن مسيرة التطوّر هذه. وفي قلب هذا المشهد، تقود شيماء راشد السويدي، المدير التنفيذي لقطاع الفنون والتصميم والآداب في هيئة الثقافة والفنون في دبي 'دبي للثقافة'، جهوداً استراتيجية تهدف إلى تمكين الفنانين والمبدعين، وفتح آفاق جديدة أمام الصناعات الإبداعية.
في هذا الحوار، نتحدث معها عن معنى القيادة الثقافية في مدينة بحجم دبي، وعن كيفية الموازنة بين الابتكار وصون الهوية، والدور المتنامي للتكنولوجيا في صياغة مستقبل الفنون.
ماذا يعني لكِ أن تكوني قائداً ثقافياً في المشهد الإبداعي المتنامي في دبي؟
القيادة الثقافية بالنسبة إلي ليست منصباً أو لقباً، بل مسؤولية كبيرة تستوجب أن نكون شركاء فاعلين في صياغة الحكاية الملهمة لدبي، مدينة الإبداع والتجدد. تعني أن نصغي جيداً للمبدعين والمفكرين لفهم احتياجاتهم، وأن نعمل على تهيئة بيئة إبداعية مستدامة تمكّن الفنانين من التعبير عن أفكارهم وتحويلها إلى إنجازات ملموسة.
أؤمن أن القيادة الثقافية هي مصدر إلهام للآخرين، وبناء جسور للتواصل بين الثقافات، وربط الهوية الوطنية بالأفكار الجديدة، مع فتح الأبواب أمام الابتكار. الهدف أن يشعر كل فنان أن لديه مساحة لدعم الصناعات الإبداعية وترك بصمته في مشهد دبي الثقافي، لأن الثقافة ليست انعكاساً للمجتمع فحسب، بل قوة قادرة على صياغة مستقبله.
كيف تعمل 'دبي للثقافة' على تشجيع الابتكار في الفنون والتصميم وفي الوقت نفسه حماية التراث؟
في 'دبي للثقافة'، نؤمن أن الابتكار والتراث ليسا متناقضين، بل يكملان بعضهما. فالتراث مصدر إلهام للفنانين ومحفّز على ابتكار أعمال جديدة تترك أثراً في المجتمع. ومن هنا نحرص على خلق توازن بين الأصالة والحداثة من خلال منصات وبرامج تدعم الإبداع، مثل منحة 'واحة الإمارات للتصميم' ضمن 'منحة دبي الثقافية'، التي مكّنت 15 مصمماً من المزج بين الحرفية التقليدية وأساليب التصميم المعاصر.
وشهدنا في معرض 'إكسبو 2025 أوساكا' إعادة تصور للممارسات المعمارية الإماراتية عبر منتدى 'بين أعمدة العريش: العمارة في تغير'، حيث جرى دمج الإبداع الهندسي المعاصر بمواد البناء التقليدية. كما عززت استراتيجية الفن في الأماكن العامة هذا التوازن عبر أعمال مثل 'رنين الرياح' للمصمّمة مريم نامور والمصمّمة المعمارية ندى سلمانبور في حي الشندغة التاريخي، و'وقفات مُتروية' للفنانة الإماراتية شيخة المزروع في منطقة حتا، التي حوّلت المساحات العام إلى فضاءات نابضة بالحياة.
في ظل الاهتمام العالمي بالذكاء الاصطناعي، كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في تشكيل مستقبل الثقافة والفنون؟
تسهم التكنولوجيا في تغيير طريقة تواصلنا مع الثقافة ومشاركتها، ومن خلال خبرتنا في البيانات والذكاء الاصطناعي، تمكنت 'دبي للثقافة' من استكشاف قدرة هذه الأدوات على تعزيز الإبداع البشري عبر تشجيع الفنانين على الجمع بين الأساليب الحديثة والتقليدية، وهو ما سنشهده في المؤتمر الدولي للفنون الرقمية (ISEA2026) 2026 الذي تنظّمه الهيئة بالتعاون مع جامعة زايد خلال أبريل المقبل، لإتاحة مساحة واسعة للفنانين والباحثين والمتخصّصين في مجالات الفنون الرقمية لتبادل الأفكار والرؤى، ووضع أجندة عالمية تساعد على إيجاد أساليب جديدة للتعبير الفني، وتحفيز روح الابتكار لدى المهتمين بهذا المجال.
وأيضاً 'مخيم المبدعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا' الذي تنظمه الهيئة بالتعاون مع شركة Google، حيث ركز في نسخته الثانية على تحفيز المبدعين على الاستفادة من الأدوات الرقمية، وتقديم أفكار ومشاريع مبتكرة تجمع بين الفنون والتكنولوجيا، وهناك أيضاً منصة 'آرت دبي ديجيتال' التي تمكن الفنانين من تقديم أعمال وتراكيب فنية تفاعلية قائمة على البيانات والعوالم الافتراضية.
ومن اللافت أن الكثير من الفنانين والمبدعين في دبي بدأوا باستكشاف وتجريب أساليب جديدة لإنتاج أعمال فنية لم يكن بالإمكان تصورها قبل عقد من الزمن، مع استمرارهم في استقاء إلهامهم من التقاليد التي تمثل جوهر هويتنا.
بعيداً عن الجوائز، كيف يمكن قياس التأثير الحقيقي للمشاريع الثقافية؟
الجوائز مهمة، لكن القيمة الحقيقية لأي مشروع ثقافي تكمن في أثره المستدام على الناس. يتضح ذلك في مهرجان سكة للفنون والتصميم، حيث وجد الفنانون فيه مساحة للتعبير والنمو، ليعودوا بعد مشاركاتهم الأولى أكثر قوة وإبداعاً. كما أسهمت المشاريع المدعومة من برنامج 'منحة دبي الثقافية' في دفع العديد من الفنانين إلى تنظيم ورش عمل ولقاءات خاصة بهم للتعبير عن أفكارهم ووجهات نظرهم الإبداعية.
وعندما عزفت 'الأوركسترا الوطنية للشباب – دبي' ولأول مرة في قاعة كارنيغي بمدينة نيويورك، لم يكن الإنجاز الحقيقي في التصفيق الذي نالوه في تلك الليلة، وإنما في الفرص التي فُتحت أمام الموسيقيين الشباب عند عودتهم إلى الدولة.
ما المحطة الأبرز في مسيرتك المهنية التي شكلت نقطة تحول في شخصيتك القيادية؟
هناك محطات مهنية عديدة كان لها أثر كبير في تشكيل ملامح مسيرتي، لكن النقلة من مجال التسويق والاتصال إلى صياغة وتنفيذ الاستراتيجيات الثقافية كانت الأبرز في مسيرتي. مثّلت تحدياً تطلب تطوير مهارات جديدة في التفكير الإبداعي واتخاذ القرار وبناء الأطر التعليمية. هذه التجربة انعكست إيجاباً على أسلوبي الإداري، وجعلتني أركز على الأثر بعيد المدى لا على النتائج الآنية فقط.
كيف أثّرت دراستك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وكلية هارفارد للأعمال وكلية إدارة الأعمال ESCP على أسلوبك القيادي؟
الدراسة في المعاهد الدولية فتحت أمامي آفاقاً جديدة، وأكدت لي أن التعلم لا يتوقف أبداً، إذ أسهم كل برنامج ودورة في تعزيز ثقتي بنفسي، ومنحني منظوراً مختلفاً لأسلوب الإدارة. كما تعلمت أن محادثة واحدة مع شخص قد تغيّر نظرتك إلى نفسك وإمكاناتك، وهو الدرس الذي يرافقني دائماً في عملي. لذا، أنصح الشابات الإماراتيات في مجال الثقافة والفنون بمواصلة التعلم، والانفتاح على طرق جديدة في التفكير، وتحويل أفكارهن إلى مشاريع مؤثرة على أرض الواقع.
على المستوى الشخصي، كيف تعرّفين النجاح؟
بالنسبة إلي، يكمن النجاح في قدرتي على إيجاد مساحة للآخرين تساعدهم على التقدّم بثقة. وأشعر به في كل لحظة أتمكن فيها من ترك بصمة واضحة في منظومة دبي الثقافية، وأيضاً عندما يخبرني فنان بأن أعماله أصبحت مؤثرة في المجتمع بفضل الدعم الذي يحظى به من المؤسسات والمراكز الإبداعية والثقافية. كما أشعر بالنجاح عندما أقود مشروعاً مجتمعياً أو ثقافياً مدعوماً بمنحة ما، ويواصل إلهام أفراد المجتمع لفترة طويلة من الزمن. والنجاح بالنسبة إلي يعني قدرتي على التمسّك بالقيم المجتمعية والمحافظة عليها، بالرغم من حجم المسؤوليات التي أحملها.
ما نوع المشاريع المستقبلية التي تثير حماسك للعمل؟
الحماس بالنسبة إلي لا يرتبط بمشروع محدد بل بقدرة المشروع على النمو وتلبية تطلعات المجتمع الإبداعي. حين تصبح فكرة أحد المصممين جزءاً من معرض دولي، أو يبتكر معماريون إماراتيون حلولاً مستوحاة من تراثهم، فهذا يعزز شعورنا بالاعتزاز والفخر، وهو ما ينعكس إيجاباً على الفعاليات والأنشطة التي تنظمها الهيئة في دبي، ويساعدنا على إعادة تخيّل الأحياء التاريخية والمساحات العامة من خلال تركيبات فنية مرتبطة بالمكان، ما يجعل الإمارة نفسها جزءاً من القصة الثقافية. وهذه الطاقة هي أكثر ما يلهمني تجاه المشاريع المقبلة.