×



klyoum.com
lebanon
لبنان  ٤ أب ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
lebanon
لبنان  ٤ أب ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار لبنان

»ثقافة وفن» جريدة اللواء»

الدخول في معنى ثقافة الأسفار

جريدة اللواء
times

نشر بتاريخ:  الأربعاء ٢ تموز ٢٠٢٥ - ٠٠:٣٦

الدخول في معنى ثقافة الأسفار

الدخول في معنى ثقافة الأسفار

اخبار لبنان

موقع كل يوم -

جريدة اللواء


نشر بتاريخ:  ٢ تموز ٢٠٢٥ 

د. عبدالله إبراهيم*

تملّكني شغف الاطّلاع على كُتب الرّحلات، واستحوذَتْ عليّ رغبةٌ في السّفر، فقرأتُ كثيراً ممّا شغفتُ به، وترحّلتُ إلى ما خَطَرَ في بالي من البلدان، وما تمكّنتُ من الوصول إليه، مُعترفاً بأنّ رغبة الأسفار لديّ كانت أقوى خلال النّصف الأوّل من عمري، ولمّا تعذّر عليّ ذلك، فقد لذتُ بقراءةِ كُتبِ الأسفار. وحينما تيسّر لي تحقيق ذلك في النّصف الثّاني من عمري، تقدّم اهتمامي بها، فالأسفار تَضع تحت النّظر عالماً متنوّعاً، تختزله كتبُ الأسفار إلى تجارب فرديّة.

ولا تجوز المُفاضلة بين القيام بالأسفار وقراءة كُتب الأسفار، فلكلٍّ منهما أعرافه، وفوائده، ومتعته، وغاياته. وحدثَ أن تبادلَتِ القراءةُ والسفرُ مواقعهما عندي، وحينما تخطّيتُ السّتّين من عمري، وقمتُ بكثيرٍ من الأسفار، وكتبتُ عن بعضها، ولم تَعُد تسعفني طاقتي لمواصلتِها كما كان الأمر من قَبل، انتقلتُ إلى مرحلةٍ ثالثة قوامها الحنين إلى ما قرأتُ وما رأيتُ. وعن ذلك سوف أكتب، إذ أرغب في الكتابة عن ثقافة الأسفار كما استخلصتها من تجاربي.

منذ وقتٍ مبكّر من حياتي، طَرق سمعي اسم ماركو بولو واسم ابن بطّوطة، ولم أتأخَّر، فقد قرأتُ بشغفٍ ما كَتبه الاثنان في حقبةٍ مُتقاربة عن العوالِم الشّرقيّة. ومع أنّني أشرتُ إلى الأوّل في بعض مؤلّفاتي، فقد تريَّثْتُ طويلاً عند الثّاني، وكتبتُ عنه، وانتقيتُ فقرأتُ مطوّلةً من رحلاته، وأدرجتها في كتابي «عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين»، صوّر فيها أحوال سكّان «دار الحرب» في قارّات آسيا وأوروبا وأفريقيا تصويراً أحاط بتقاليدها، ومعتقداتها، وثقافاتها، ولم أجد لذلك نظيراً في الإحاطة بشيء كثير من ذلك؛ فابن بطّوطة هو أشمل مَن كَتَبَ عن الأُمم في خارج «دار الإسلام»، وحتّى عن أُمم تلك الدّار، فبعدما مرَّ بها من غَربها إلى شَرقها، ومن شمالِها إلى جنوبِها، لم يقفل راجعاً كدأبِ معظم الرّحّالة المسلمين، ويحطّ عصا التّرحال في طنجة، إنّما واصل المضيّ، بجسارة لم تتوفّر حتّى للّذين جاؤوا من بعده، فألمّ بمعظم ما في آسيا، وطافَ في مشارق إفريقيا ثمّ في مغاربها، ولم تفُتْه أوروبا، فقد ترحّل في بعض أطرافها. كان ذلك شيئاً عجباً لكلّ مَن انكبّ على قراءة رحلاته، فقراءتها تغذّي الرّحّالة بعزائم التّرحال، وربّما تيسّر لهم تقدير مشاقّها. ولم تكُن تلك المشاقّ أيسر عند ماركو بولو الذي قصدَ أصقاعَ المشرق في آسيا، وإن كان دون ما ذهب إليه ابن بطّوطة. ولا بأس من مقارنةٍ عامّة بين الاثنَيْن لِما تَشاركا فيه من أشياءٍ كثيرة.

أملى الإيطاليّ ماركو بولو رحلاته إلى الشّرق على رفيقٍ له في سجنٍ في إيطاليا يُدعى روستيكيانو، كما أملى ابن بطّوطة رحلاته إلى الشّرق على ابن جزي في المغرب. كلاهما استعاد عالَم الشّرق بإملاء روايةٍ على مدوِّنٍ يشكّ بنزاهته، وربّما بموضوعيّته أيضاً. كان حافز الأوّل هو المُتاجَرة، وحافز الثّاني طلب المعرفة، أي طلب العِلم، بعبارة القدماء. وقد اتّخذ ماركو بولو من طريق الحرير درباً له في اتّجاه الصّين، ليُتاجر صحبة بعض أفراد عائلته، وعلى غير ما يكون عليه عالَم الأغيار من كونه مذخر معارف، فقد رآه خزنة أموال. ثمّة نزاع طويل بين المعرفة والمال، ولم تفلح أيّة معاهدة في التّاريخ في وضْعِ نهاية له. فإنْ غامَرَ المرءُ في عوالم جديدة عليه بغاية الكسب ما عاد رحّالة، إنّما يكون رحّالة إذا جعلَ من المال وسيلة لكسب المعرفة، إذ إنّ حافز هذا غير حافز ذاك، فحافز هذا الفضول، وحافز ذاك الطّمع، والطّامع لا يرى غير ذاته، ولا يعمل إلّا على إثراء نفسه بالمال. وحده صاحب الفضول يتوفّر على إمكانيّة أن يكون رحّالة، فالفضول مقوِّمٌ أساس من مقوّمات التّرحُّل، ووسيلته الجَلَد وما تيسَّر من المال. ولكي يتحقّق مضمون عقْد الارتحال ويُصان، يلزم أن ينذر المرء نفسه لمشاقّ السّفر، لا بهدف جنْي المال، إنّما بُغْية اكتساب المعرفة بأحوال الأُمم.

من البندقيّة انطلق ماركو بولو في اتّجاه الشّرق، فوصل حتّى الصّين وعادَ منها، واستغرقت رحلته أربعاً وعشرين سنة، طوال الرّبع الأخير من القرن الثّالث عشر الميلادي. وعلى المنوال نفسه، انطلقَ ابن بطّوطة في اتّجاه الشّرق من طنجة، وبلغَ أقصى حدود الصّين، في رحلةٍ متعرّجة، شملتْ معظم الأقطار في طريقه، فحيثما بلغه نبأ مكان، كان يشدّ الرّحال إليه، حتّى ولو كان على مسافةِ مئاتِ الأميال، وطافَ في أنحاء الصين، وقصدَ مدينة «صين كلان»، وقال إنّه «ليس وراء هذه المدينة مدينة لا للكفّار ولا للمُسلمين». ثمّ إنّه قصدَ إفريقيا من سواحلها الشّرقيّة حتّى عبر خطّ الاستواء، ومن بواديها الجرداء حتّى تخطّى الصّحراء الكبرى، وطرقَ غير بلدٍ في أوروبا، حيث زار القسطنطينيّة عاصمة الإمبراطوريّة البيزنطيّة، واخترقَ شمال الأناضول بأكمله على ضفاف البحر الأسود، وذهبَ إلى الأندلس في الكعب الجنوبي الغربي لأوروبّا، وكانت معقلاً إسلاميّاً، وترك عن بعض مُدُنِها وصفاً خلّاباً، واستغرقتْ رحلته سبعاً وعشرين سنة، طوال الرّبع الثّاني من القرن الرّابع عشر.

وتولّى كلٌّ من ماركو بولو، وابن بطّوطة، مناصب عليا في الصّين وفي الهند، بما في ذلك القيام بمهامّ مبعوث المَلك أو الخان. وكلاهما أملى رحلته، ولم يَكتبها بنفسه، وكلاهما جرى التّشكيك بمرويّاته واتُّهِم بالتّلفيق، لِما أورداه من غرائب الأمور التي كانت مجهولة للأوروبّيّين والمُسلمين. وأحسبُ أنّ رحلات ابن بطّوطة أثرى من رحلات ماركو بولو، ويعود ذلك، في تقديري، إلى أنّ الأوّل كان ينظر إلى جميع الاتّجاهات، أمّا الثّاني فينظر إلى اتّجاهٍ واحد. لقد شملَ ابن بطّوطة العالَمَ الشرقيّ بنظرةٍ أحاطتْ به من معظم جوانبه تقريباً، ولم يكُن ذلك في وارد ماركو بولو. ثمّة فَرْقٌ بين مُترحّلٍ ذهبَ بوصفه طالبَ عِلمٍ مسكون بفضول المعرفة ويعرّج على زيارة الأماكن، أيّاً كانت المسافات الّتي تفصله عنها؛ فهو يريد أن يرى ويعرف؛ لذا لا عجب أن يسترسل في الوصف والتّحليل والحُكم على ما يرى، وبين مترحّلٍ عجول، يَكتب فقراتٍ قصيرة، ليس من شأنه الغَوْص في أعماق الظّواهر الاجتماعيّة والدّينيّة والتّاريخيّة.

وبصرف النّظر عن المفاضلة بين الرّحلتَيْن، فهُما المدوَّنتان الأهمّ عن العالَم الشرقي في التّاريخَيْن القديم والوسيط. والحال هذه، لا يبقى من آداب الرّحلة إلّا المادّة الثّقافيّة الّتي هي مزيج من المعتقدات، واللّغات، والطّقوس، والآداب، لأنّها الممثّلة الحقيقيّة لهويّة المجتمعات الّتي يزورها الرحّالة. ومن دون أن يقف الرّحّالة على التّاريخ الثّقافي للمجتمعات الّتي يرتحل إليها، تبقى رحلته عائمة على السّطح، فلكي تكتسب الرّحلة قيمتها، يلزم أن تغوص في الطّبقات السّفلى لتلك المجتمعات، فتقف على مأثوراتها، وعقائدها، وآدابها، وأحوالها الاجتماعيّة والدّينيّة. لم يَغب عنّي شيء من ذلك وأنا أتأهّب للارتحال، ولكن ليس من أجله وحده ترحّلت، إنّما أيضاً لأعرف نفسي، مثلما أرغب في معرفة غيري. وكما أشرتُ في مقدّمة كتاب أسفاري، فإنّ السّفر عندي: تجشّم عناء التعرّف إلى الآخر كما هو. أي نَزْع المجهوليّة عنه، ويَتبع ذلك، لا محالة، نزْع الجهل بالنّفس، برؤيتها في شلّالٍ مختلف من التّجارب والمعارف. فالجهل آفة عظيمة، ووباء ثقيل، قد يهلك المرء دون ذلك. وأقصد بالارتحال ذلك الفعل المسكون بفضول التعرّف إلى الآخر، فالغاية منه التعرّف الذي لا يأتي من غير مدّ الصّلة بين الأنا والآخر، وبه تصاغ هويّة المرء العارف بعصره.

ليست مؤلّفات الترحّل أرشيفاً لِما رآه الرحّالة، بل هي مدوّنة تستجمع ما رأى، وسَمع، وفَهم، وأوَّل، وبذلك المعنى أحسب أنّ كُتبَ الأسفار استنباطٌ للمعاني التي خطرت للرّحّالة بين البلدان والمُجتمعات التي طافوا فيها، ويلزم فيها توفُّر الأمانة في النّظر وفي الحُكم من دون إسراف في المَدح أو القَدح. ولا يجوز للرحّالة أن يُغالي في الانشغال بذاته في المكان الذي يرتحل إليه، إنّما يُشغَل بهويّة ذلك المكان حتّى نسيان ذاته، وذلك يُسهِّل عليه استيعاب روح المكان، واستيفاء طبيعته، ومعرفة أهله، بدلَ أن يجعل منه مرآة لإثبات وجوده قصْد الإعجاب بذاته. فالسفرُ هو أن يرى المرءُ المكانَ في نفسه، لا أن يرى نفسَه في المكان. ويُستحسن ألّا يكتفي الرحّالة بظاهر ما يرى، فالمرئيُّ تقييد، والمتخَيَّلُ تحرير، وتلازمهما يَطبع العالَم بهويّة الاختلاف. على أنّ غاية الأسفار لا تتحقَّق في الامتثال لأعراف العالَم الذي يزوره الرحّالة، بل في معرفة أحواله، واستيعاب تجاربه، وإدراجه مؤثِّراً في نظرة الفرد إلى نفسه وإلى العالَم الذي قَدِم منه. ومهما كان التّباين قائماً بين العوالِم، فإنّ التخوم مُتداخلة، والمصائر مُترابطة، وذلك يُثري الهويّة، ويصقل التّجربة.

لا دهشة مع الجَهل

الأسفار تجربة مفيدة، وتكون أكثر فائدة إذا قُدّمتْ بأسبابها، وظروفها، وصعابها، وجُعِلت عين الرحّالة مرآة تنعكس فيها صور العالَم، أو مِسبراً يسبرُ به ما تَقع عليه عَيْنُه، وما يُثار في نفسه من مشاعر، وفي ذهنه من خواطر. ومن دون ذلك تُصبح كتابةُ الأسفار ناشفة، لا عُمق لها، ولا غاية، ولكي تؤدّي وظيفتَها لا بدّ من وجود درجة من التّخييل، فلا ينقطع هذا الأخير عن تمثيل الحقيقة، ولكنّه في الوقت ذاته لا يَجعل منها غايته الأخيرة، فأحوال المُترحّل تَشتبك بما يُشاهده، وتَنصهر في نسيجٍ يَجعل من تجربته سرداً ثقافيّاً لا تاريخاً منزوع الرّوح. ومن المُهمّ أن يجعل الرّحّالة من مباصرة التّواريخ، والأديان، والآداب، والفنون، والآثار، بمعنى التفطّن لها، أحد مقاصده الأساسيّة، فهو لا يكتشف جديداً ببَصره، فحسب، بل يُعيد اكتشاف قديمٍ ببصيرته. صحيح أنّ الاكتشاف يُورث الدّهشة، والذّهول، غير أنّ إعادة الاكتشاف بالكتابة تَبعث البهجةَ في النّفس، فتَجعل النّاظر يرى بعيْنَيْه ما تصوّره بخياله، وبأيّ حال، فلا أرى في إعادة الاكتشاف إبطالاً للدهشة، إذ لا دهشة مع الجهل، بسيطاً كان أم مركّباً؛ فالعجبُ قرينُ المعرفة التي تغزو أعماقَ النّفس البشريّة، ومَبعثه معرفة أولى، أو تعديل معرفة قائمة، أو إثراء معرفة قديمة. وعلى النّقيض من ذلك، يَسلب الجهلُ متعةَ الدّهشة، ويُرغِم المرءَ على ادّعاء ضربٍ زائفٍ منها، وبتلك المتعة يتخطّى المرء معرفةً ناقصة إلى معرفةٍ وافية.

ويفضَّل للمُترحِّل رواية خبراته بدلَ تصويرها، فبانتقال العالَم من كونه موضوعاً للّغة إلى كونه موضوعاً للصّورة، خسرَ جلّ ما كان يَجعله خلّاباً، لأنّه جرحَ الخيال الخلّاق، واكتفى بالصّورة دليلاً إليه. وأظنّ أنّ ذلك أدنى للتّزييف منه إلى التّوثيق، لأنّ المرء ينشأ على معرفة العالَم بالأشكال الثّابتة عنه، فلا تكون له حاجة إلى معرفته متحوّلاً بنفسه، وتنطفئ الرّغبة في قراءة ما كُتب عنه. فالنّاس لا يتكلّمون لغةً واحدة، لأنّ أفهامهم مختلفة، وقيمَهم مُتباينة، وطرائقَهم في تركيب الكلمات غير مُتطابقة، فتكون اللّغةُ موضوعَ اختلافٍ أكثر من كونها موضوعَ اتّفاق. وفي ضوء تلك الحقيقة اللّسانيّة، يُفضَّل أن تكون اللّغةُ مادّةَ التّفكير، فذلك ينقلها من كونها وسيلةً للتّعبير إلى كونها وسيطاً للتفكير فيه تصاغ سبيكة الآراء، والتّجارب، والخبرات. وإلى كلّ ذلك، فإنّ اللّغة لا تَحمل الأفكار أو تولِّدها، فحسب، بل تتولّى تعديلها بما يوافق سياق الحديث، ومقتضيات التّخاطب.

إنّ الإفراط في إحالة العالَم إلى أشكالٍ مصوَّرة قوَّض أهمّيّة معرفته بالكدّ والترحُّل، وبالتّفكير والتّخييل، ووقع استبدال بين أمريْن غير مُتكافئيْن، إذ يُمكن للمرء الاقتصار على ادّعاء معرفة العالَم مصوَّراً، والاستغناء عن تجربة معرفته على حقيقته؛ فيكون الادّعاء ذريعةً للبلاهة، وحجّةً للتفاهة. لهذا، راح العالَم يتسطّح، ويستوي، وفقَدَ أغواره التي ألهمتِ الإنسانَ التأمّلَ والتّأويل، وما عاد من المهمّ معرفة سياق الأحداث والظّواهر، وإدراك حوافز الأفعال والأعمال، والتبصُّر في المصائر والمآلات، وهو ما كانت اللّغة تتولّاه، وتُفعم به الخيال. فارتسمَ العالَم على شاشةٍ من بلازما أو لوحٍ رقميّ، عالَم لا عُمقَ له: ثابت، جاهز، لا حاجة إلى الغوص فيه بمغامرة تستحقّ التقدير، بل يكتفي المرءُ بجعْلِ الصّورة دليله إليه، فلا يتعرّفه إلّا بما صُوِّر له منه، ويكفّ فضول المعرفة عن دفعه إلى شيءٍ يجهله، ويرغب في معرفته.

وتنبغي الإشارة إلى أنّ كتابة الأسفار هي تثبيتُ ذكرى راسخة، وهي غير الكتابة التّاريخيّة التي تَصف حَدَثاً انقضى أمره. فكتابة الأسفار مجبولة بما ترى العَيْن، ويُفكِّر العقل، ويتصوّر الخيال، فهي ابنة وقتها، وإن حُقَّ لها أن تَنفتح على كلّ الأزمنة. وكتابة الأسفار مقاومة للنّسيان، لأنّها احتفاءٌ بالذّاكرة، وهي نابعة من حَدَثٍ مغموس بالمشاعر، والانطباعات. أمّا كتابة التّاريخ، فتعوزها، في الغالب، الشّهادة المباشرة للحَدَث، وقد خَضعت للغربلة والتّصفية. كتابةُ الأسفار وَصْلٌ بعالَمٍ حيّ، وكتابةُ التّاريخ وَصْلٌ بعالَمٍ ميّت، ومع ما تُثيره كتابة الأسفار من مُتعٍ باعثة على الحبور والسّرور، فهي من أشقّ ضروب الكتابة إذا ما راعتِ الدّقّة، وسَعتْ إلى الوفاء بما أُحيط بتجارب الارتحال من ظروفٍ صعبة، فصاحبُها مؤتمنٌ على كتابةِ ما رأى بعيْنيْه، وسمعَ بأذنيْه، والأصعب من ذلك الوفاء بالحال التي كان عليها حينما زارَ هذا البلد أو ذاك، وما رأى من ناسٍ في هذا المكان وذاك، ونَوع المتعة التي أثارتها في نفسه مرئيّاتُه، وطبيعة الفائدة العقليّة التي جناها من وراء ذلك. ويُحبَّذ أن يُلِمّ الرّحّالةُ بأحوالِ المجتمعات التي يترحّل فيها، فلا يُغفِل أمراً لا يروقه، أو يُبالغ في الاحتفاء بأمرٍ يستهويه.

----------------

* باحث وناقد من العراق

(يُنشر هذا المقال بالتزامن مع دورية «أفق» الإلكترونيّة الصادرة عن مؤسّسة الفكر العربيّ)

جريدة اللواء
اللواء جريدة لبنانية، يومية، سياسية،عربية. اللواء: جريدة لبنانية يومية سياسية تهتم بالشؤون العربية والإقليمية والدولية
جريدة اللواء
موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار لبنان:

حزب الله يُشيّع الشهيد المجاهد ناصيف العبد بهجة في بلدة جبشيت الجنوبية

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
17

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2104 days old | 729,133 Lebanon News Articles | 2,011 Articles in Aug 2025 | 321 Articles Today | from 58 News Sources ~~ last update: 3 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



الدخول في معنى ثقافة الأسفار - lb
الدخول في معنى ثقافة الأسفار

منذ ثانية


اخبار لبنان

بيت الفقيه بالحديدة.. تجفيف التمور وتفعيل الزراعة التعاقدية دعما للمنتج المحلي - ye
بيت الفقيه بالحديدة.. تجفيف التمور وتفعيل الزراعة التعاقدية دعما للمنتج المحلي

منذ ثانية


اخبار اليمن

تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران: تقارير أمريكية تحذر من ضربة وشيكة - sa
تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران: تقارير أمريكية تحذر من ضربة وشيكة

منذ ثانيتين


اخبار السعودية

 : 24 - kw
: 24

منذ ثانيتين


اخبار الكويت

باريس سان جيرمان يفك عقدة بايرن ويتأهل لنصف نهائي كأس العالم للأندية - lb
باريس سان جيرمان يفك عقدة بايرن ويتأهل لنصف نهائي كأس العالم للأندية

منذ ٣ ثواني


اخبار لبنان

خاص الهديل: مهمة توماس باراك: خطوة بمقابل خطوة و ضمانات بمقابل ضمانات !! - lb
خاص الهديل: مهمة توماس باراك: خطوة بمقابل خطوة و ضمانات بمقابل ضمانات !!

منذ ٣ ثواني


اخبار لبنان

شركات الاتصالات الفرنسية تستكشف تقسيم شركة SFR - kw
شركات الاتصالات الفرنسية تستكشف تقسيم شركة SFR

منذ ٣ ثواني


اخبار الكويت

المهرة.. جنوبية الهوى والهوية (إنفوجراف) - ye
المهرة.. جنوبية الهوى والهوية (إنفوجراف)

منذ ٣ ثواني


اخبار اليمن

4 مشروبات طبيعية تضبط مستويات السكر في الدم.. تعرف عليها - ye
4 مشروبات طبيعية تضبط مستويات السكر في الدم.. تعرف عليها

منذ ٤ ثواني


اخبار اليمن

دراسة تحذر: لا توجد كمية آمنة لتناول اللحوم المصنعة - sy
دراسة تحذر: لا توجد كمية آمنة لتناول اللحوم المصنعة

منذ ٤ ثواني


اخبار سوريا

ميزات جديدة في تطبيق تليغرام - lb
ميزات جديدة في تطبيق تليغرام

منذ ٥ ثواني


اخبار لبنان

الزمالك يواصل استعداداته للقمة بمعسكر الإسماعيلية - eg
الزمالك يواصل استعداداته للقمة بمعسكر الإسماعيلية

منذ ٥ ثواني


اخبار مصر

وزارة الأوقاف تحذر من خطورة تجنيد الأطفال وتدعو لتكثيف التوعية عبر خطب الجمعة والمواعظ - ye
وزارة الأوقاف تحذر من خطورة تجنيد الأطفال وتدعو لتكثيف التوعية عبر خطب الجمعة والمواعظ

منذ ٥ ثواني


اخبار اليمن

ندوة في الطفيلة حول دور الشباب في مواجهة التغيرات المناخية - jo
ندوة في الطفيلة حول دور الشباب في مواجهة التغيرات المناخية

منذ ٦ ثواني


اخبار الاردن

سعر الدولار في عدن وحضرموت اليوم الثلاثاء 8 - 7 - 2025 - ye
سعر الدولار في عدن وحضرموت اليوم الثلاثاء 8 - 7 - 2025

منذ ٦ ثواني


اخبار اليمن

سلاح وبرمجة وإشعاع.. 4 مشروعات لطلاب مدرسة الضبعة النووية تشارك في ISEF مكتبة الإسكندرية - eg
سلاح وبرمجة وإشعاع.. 4 مشروعات لطلاب مدرسة الضبعة النووية تشارك في ISEF مكتبة الإسكندرية

منذ ٦ ثواني


اخبار مصر

وزير الشئون النيابية: مجلس الدولة أحد صروح العدالة لدوره المهم في إقرار الحقوق والحريات - eg
وزير الشئون النيابية: مجلس الدولة أحد صروح العدالة لدوره المهم في إقرار الحقوق والحريات

منذ ٦ ثواني


اخبار مصر

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل